الجمعة 2024/03/22

آخر تحديث: 12:52 (بيروت)

في عيدَي الأم والمعلم.. الثنائي الأسدي متصدياً لـ"الإرهاب"!

الجمعة 2024/03/22
في عيدَي الأم والمعلم.. الثنائي الأسدي متصدياً لـ"الإرهاب"!
بشار وأسماء الأسد مع مجموعة من المعلمين السوريين
increase حجم الخط decrease
على مدى يومين متتالين، ظهر الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء، في مقاطع فيديو وصور، معاً أو بشكل منفصل، وهما يحتفلان بعيد الأم وعيد المعلم، ضمن تقاليد رسمية بات النظام يقدمها منذ سنوات بلا انقطاع، وتقوم على تقديم الثنائي الحاكم وكأنهما الزوجان المثاليان اللذان يغمران بلدهما بالحب والعواطف الدافئة، وليسا الثنائي المسؤول، ليس فقط عن جوانب الحياة السياسية والاقتصادية المظلمة في البلاد حالياً، بل أيضاً عن فظائع دموية طوال 13 عاماً مع تبني النظام السوري للحل الأمني في وجه الحركة السلمية التي طالبت بالإصلاح السياسي والديموقراطية.

وفي عيد المعلم، استقبل بشار وأسماء، معلمين سوريين ممن عملوا في المهنة لأربعة عقود على الأقل. وفي عيد الأم، زارت أسماء جمعية قرى الأطفال "SOS" غير الحكومية التي ترعى الأيتام في البلاد منذ العام 1975، وهي فرع من المنظمة النمسوية العالمية التي تنشط في أكثر من 100 دولة. ولا جديد في الحديث المقتضب الذي قدمه الاثنان عن تدجين الأطفال في المدارس، بشكل مماثل لخطاب بشار أمام مجموعة من المعلمين العام 2020، إلى معنى الأمومة التي لطالما تحدثت عنها أسماء في أفلامها الوثائقية التي أنتجتها عن نفسها مثل "ضفائر النار" العام 2018 أو في استقبالها للأمهات عبر السنوات.



وفي كل مناسبة وطنية أو اجتماعية أو دينية، كل عام، يحرص الثنائي على الظهور وتقديم مواد دعائية متماثلة وتكاد تكون متطابقة لا يمكن التفريق بينها سوى بالملابس والتاريخ المرافق لكل منشور تبثه صفحة "رئاسة الجمهورية" في "فايسبوك" و"أنستغرام". من الاحتفال بعيد الأم إلى حد إطلاق لقب "أمّ الكل" على أسماء الأسد، إلى تكريم الطلاب المتفوقين في الشهادة الثانوية، إلى زيارة الأيتام في رمضان، وصولاً إلى الاحتفاء بعيد المعلم وعيد الطالب والكريسماس وغيرها، بما يتوافق مع الظرف والرسالة.

هذا الاهتمام الفائق بإرساء تقاليد للحكم ليس عبثياً بطبيعة الحال، بل هو من أساسيات الحكم الشمولي الذي يعمد في أي مكان، ليس فقط في سوريا، إلى تقديم نفسه بصورة حضارية لطيفة أمام جمهوره المحلي الذي قد يشتكي من الظروف الاقتصادية والخدمية مثلاً، أو يقارن بين أحواله وأحوال العالم مع وجود إمكانية لذلك بسبب توافر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مهما كانت محاربة بقوانين تجرّم النشاط عبر الإنترنت في البلاد.

ومن خلال التقاليد والطقوس التي يكرسها النظام في سوريا، تعمل السلطة على تعزيز شرعيتها عبر الدعاية والإعلام، من خلال إسقاط صورة فوق واقعية لدولة مزقتها الحروب والصراعات لكنها "استعادت عافيتها" وباتت تمارس مهامها بأفضل صورة ممكنة لرعاية الناس والوقوف على اهتمامتهم من هرم السلطة نفسه. وذلك بالطبع يتعارض بشكل فاقع مع الواقع اليومي حيث يعيش أكثر من 90% من السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري تحت خط الفقر، بحسب تقديرات الأمم المتحدة التي تشير أيضاً إلى أن 65% من أولئك السوريين يعانون انعدام الأمن الغذائي، وذلك كله يعود إلى سياسات النظام الحاكم بالدرجة الأولى.



وبهذا يتم خلق وهم متكرر في البلاد بأن الرئيس الأسد صالح وطيب لكن كل من حوله أشرار وفاسدون. وحتى لو كانت الحياة في سوريا بائسة، إلى حد وجودها في قاع معظم المؤشرات العالمية الخاصة بجودة الحياة، فإن المهم هو وجود شخص طيب القلب وحنون يهتم بالأفراد الصالحين، كالأمهات والمعلمين والطلاب والأيتام، في قمة هرم السلطة، بشكل يتقاطع مع دعاية النظام عن الأسد المستمرة منذ العام 2011 والذي تصوره كنعمة يجب على كل سوري الشعور بالامتنان لوجودها في حياته إلى حد الموت فداء لبقائه، في الشعارات الرسمية وفي الممارسات الفعلية على حد سواء، وإلا لكان من السوريين ناكري الجميل، وهو وصف تم استخدامه لوصف المعارضين السوريين كثيراً في الخطاب الرسمي السوري إعلامياً ودبلوماسياً.

ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، تعمل الطقوس مع تكرارها عاماً بعد عام على تنمية الولاء والطاعة وزراعتهما في نفوس الأفراد منذ سن صغيرة، مع التركيز على خلق شعور بالألفة والانتماء. ويمكن ملاحظة ذلك بشكل خاص في الاحتفالات السنوية بعيد الطالب على سبيل المثال، حيث ينشر الأسد لنفسه صوراً على مقاعد الدراسة أو في الجامعة، للقول أنه وصل إلى الرئاسة بجهده وكفاءته وليس لأنه ابن الرئيس السابق حافظ الأسد الذي حكم البلاد طوال 3 عقود منذ قيامه بانقلاب عسكري العام 1970.

وفيما كانت صورة بشار مع استلامه للحكم العام 2000 مشابهة لصور والده القاسي وغير المبتسم، تعددت الصور التي "تساوي" العائلة الحاكمة بالشعب مع مرور الوقت، بشكل أظهر محاولة النظام لإعادة تعريف المنظومة الإعلامية الرسمية، بصورتها الكلاسيكية، من دون الانقلاب عليها تماماً. ويعني ذلك أن الصور والأنباء عن أفراد تلك العائلة، ما زالت تأتي من مصدر واحد، لكنها باتت مختلفة عن الصور الجامدة القديمة. ولم يعد النظام يخجل من فكرة الضعف البشري الذي يقلل الهيبة الرسمية، بل بات ذلك الضعف مدخلاً لتأكيد فكرة الأبدية التي بنى عليها النظام نفسه. وتبرز هنا حالات دعائية سابقة من إعلام إصابة أسماء الأسد العام 2018، إلى "الدوخة" التي أظهر بشار إصابته بها أمام الكاميرات في خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب العام 2020، وغيرها من أمثلة تقول أن بشار وأسماء جزء من الشعب السوري، وليسا منفصلين عنه.

ومع هذه الدعاية المتناسقة، يأتي الاهتمام بالتقاليد لتكريس الصورة العامة السابقة التي تعيد ترتيب أولويات المجتمع بعيداً من المخاوف والمشاكل اليومية نحو قداسة السلطة التي تبسط حنانها ورضاها على الناس متى شاءت وتعطيهم المكافأة على ولائهم متمثلة بلقاء القيادة كمكرمة يجب على كل سوري نبيل أن يحلم بنيل شرفها. ومع تدوير الخطاب نفسه، عاماً بعد عام، عبر تلك المناسبات، يخلق النظام طقوساً يعطي فيها الانطباع بمواءمته للزمن وتكيفه مع السياقات المختلفة من حوله بشكل يحافظ فيه على السيطرة ويتحكم فيه بالسردية التي تصفه قبل إعطاء المجال للآخرين للحديث عنه.



وإن كان الاحتفاء بالتقاليد مهماً للنظام الحاكم، فإنه كل مناسبة تحمل رسائل مختلفة خاصة بها. فزيارة كنيسة في الكريسماس أو أسبوع الآلام، تحمل رسائل لتطمين الأقليات بشكل مختلف عن زيارة دار أيتام سنية تابعة لوزارة الأوقاف في رمضان تتم خلالها دغدغة المشاعر المحافظة الأكثر عمومية. فيما يبقى اللعب على الوتر الوطني الشامل وخلق وهم بوجود هوية سورية جامعة فوق الطائفية والدين والمناطقية هو الأبرز في المناسبات غير الدينية، عموماً، مع التركيز على نقطة أساسية في دعاية النظام وهي بسط الرعاية الأبوية على المجتمع، حرفياً على اعتبار الرئيس هو "الأب القائد للدولة والمجتمع" إلى جانب زوجته "أمّ الكل"، التي تحتكر عبر منظمتها "الأمانة السورية للتنمية" نشاط المنظمات غير الحكومية في البلاد.

ويرتبط إرساء النظام لتقاليده بفكرة أوسع تقدمه على أنه سلطة شرعية ذات جذور عميقة لا يمكن لهزة مثل "المؤامرة الكونية" التي خططت للثورة السورية العام 2011، أن تؤثر فيها، كما أن الحفاظ على التقاليد الشكلية كان أساسياً طوال سنوات الحرب في البلاد لتطمين موالي النظام من جهة، وتقديم المعارضة على الطرف الآخر كمشروع سياسي فاشل غير قادر على تقديم الدرجة نفسها من البروتوكول في المناسبات السنوية، وبشكل أهم في المحافل الدولية وفي اللقاءات الخاصة ببحث القضية السورية. ويكرس ذلك في الدعاية فكرة سوريا النور التي تقاتل ضد سوريا الظلام المتمثلة في "المعارضين الإرهابيين"، ما ينسف فكرة الثورة السورية من أساسها كحركة قامت للمطالبة بمزيد من الحريات ضمن سياق الربيع العربي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها