الإثنين 2016/05/09

آخر تحديث: 14:34 (بيروت)

تفتّت الصحافيين المصريين: انطفأت القضية

الإثنين 2016/05/09
تفتّت الصحافيين المصريين: انطفأت القضية
رئيس تحرير "الاهرام" لجأ الى ترهيب الصحافيين (غيتي)
increase حجم الخط decrease

تفتّت الصف النقابي، واقتربت مواجهة الصحافيين المصريين مع الدولة من الانتهاء، أو انتهت بالفعل، وذلك إثر الإنقسام بين اعضائها الذي ظهر عقب التراجع عن مطلب اعتذار رئاسة الجمهورية عن اقتحام النقابة، وحصر الخلاف مع شخص وزير الداخلية.

خرج مؤتمر الصحافيين المصريين الرافضين لقرارات العمومية الأخيرة مساء الأحد، بدعوة إلى جمعية عمومية طارئة غير عادية لسحب الثقة من مجلس النقابة الحالي، وإجراء انتخابات مبكرة على كامل مقاعد المجلس، مع تشكيل لجنة تقصي حقائق صحافية لبحث ما حدث في واقعة اقتحام الداخلية لنقابة الصحافيين المصرية.

الأخطر أن التوصيات قالت إن مجلس النقابة عليه ألاّ ينساق خلف اتجاهات سياسية أو يتعامل على أنه سلطة غير أدبية، ومن ثم أصبحت تلك القرارات، بمثابة الخنجر الحاد الذي تمركز في قلب نقابة الصحافيين ومجلس قيادتها.

في البداية لم يكن للمؤتمر الذي دعا إليه رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" العريقة محمد عبد الهادي علام لـ"تصحيح مسار الصحافيين" وزناً أو قبولاً يذكر، إلا أن المفاجأة الثقيلة هي حضور خمسة من أعضاء مجلس النقابة للانضمام إلى المنشقين ليمنحوا للمؤتمر وزناً وثقلاً. فأصبح من المؤكد ان الانشقاق أصبح ظاهراً ومجاهراً به، ولم يعد مجرد فكرة تثور حولها الشكوك.

قبيل الاجتماع بساعات، كان مجلس نقابة الصحافيين في حالة تخبط وارتباك، وذلك اثناء بحثهم عن طريقة للنجاة من المأزق الذي تورّطوا فيه بفعل الضغوط التي يتعرضون لها على إثر مطالب أعلنتها منصة الجمعية العمومية الأخيرة. فاستمر اجتماع المجلس الذي لم يحضره سوى عدد قليل من الأعضاء لأكثر من ثماني ساعات.

وخرج المجتمعون بعدها ببيان مهلهل يخلو من مطالب واضحة، وإنما اقتصر على إعلان تأجيل المؤتمر العام الذي كان مقرراً عقده الثلاثاء لبحث سبل التصعيد  لأسبوع آخر، مع التأكيد على احترام رئيس الجمهورية وغيرها من النصوص التي تركت الباب موارباً بوضوح للصلح مع الداخلية وإنهاء الأزمة.

العصيان الذي أعلنه المنشقون الخمسة من أعضاء المجلس، فتّت محاولات الصحافيين المستقلين الذين بدأوا في التجمع عقب بيان النقابة الأخير، يوم الاربعاء الماضي، لبحث خلق مسار موازِ يمكن من خلاله تنفيذ قرارات الجمعية العمومية للصحافيين والتي جاء على رأسها اعتذار الرئاسة وإقالة وزير الداخلية. وحوّل صورة المنشقين من فريق صغير إلى تكتل لا بدّ أن يُمنح بعض الاعتبار.

حضور نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمّد أحمد الى جانب وجوه أخرى معروفة بقربها من السلطة مثل الإعلامي خالد صلاح وإبراهيم حجازي وخيري رمضان والنائب البرلماني محمد أبو حامد، منح المؤتمر الاحد، وزناً جديداً لينتصر على احتمالات الفشل التي كانت تنتظرها له الجماعة الصحافية الرافضة للانشقاق.

كان لحضور المؤتمر أسلوب مثالي عمدوا لبلورة مطالبهم من خلاله وهي توجيه الاتهامات إلى النقابة بالتحول إلى منبر سياسي ومغادرة المهنية، وبكسر القانون من خلال السماح باحتماء اثنين من الصحافيين داخلها من أمر الضبط والإحضار الصادر ضدهما.

رئيس تحرير "الأهرام"، لجأ، من منصة المنشقين، إلى أسلوب آخر متمثل في ترهيب الصحافيين إذ قال: "عدم استخدام عقلية رشيدة للأزمة سيجعلها قابلة للتكرار.. نحن على أبواب إصدار تشريعات صحافية قد تؤدي الأزمة لصدورها بشكل غير مرضي".

على جانب آخر، ساهم التخلّي النوعي لنواب البرلمان عن مجلس النقابة في زيادة الارتباك وتناقص أحد أعمدة التأييد الأساسية لمطالبات الصحافيين، إذ خرج النواب بتصريحات رافضة لإقحام السيسي في القضية مع التأكيد على رفضهم لاقتحام نقابة الصحافيين.

على أي حال، الضربات لمطالب النقابة جاءت متتالية. وبعد انشقاق الصف النقابي، أحال رئيس مجلس النواب علي عبد العال أزمة الصحافيين والداخلية إلى لجنة الثقافة والإعلام للتواصل مع أطرافها والوصول إلى حل، ملحقاً ذلك بتصريح يوضح موقف البرلمان من الأزمة: "تعبيرا "اقتحام" و"حرمة" لا يعبران عن حقيقة ما حدث، والقبض على المطلوبين لا يعني أنه حدث تفتيش للنقابة، ولا يجب أن نسمح لأحد في الداخل أو الخارج بالتدخل والقفز على هذه الأحداث لأغراض سياسية.. ولا يجب أن يزايد أحد على الدولة".

تفتُت الصف، وغياب التقدير لخطوات مستقبلية  مدروسة على المدى البعيد واتخاذ قرار انفعالي لحظي بتصعيد المواجهة مع رئيس الدولة، كلها أسباب أفقدت مطالب الصحافيين قدرتها على التحقّق وأرغمت الصحافيين كما يبدو على الخروج على المعركة بانتصارات تبدو محدودة جدا، إذ  تقتصر على تنفيس الغضب والشعور بالقدرة على الاحتشاد والتصعيد، إلا أنّ الأمل في تحويل هذا الغضب إلى قرارات فاعلة تحد على الأقل من الانتهاكات التي تلحق بالصحافيين من السلطات الأمنية، بدأ في التلاشي تدريجياً.

السرعة التي انطفأت بها جذوة القضية بدت كنتيجة منطقية للسرعة التي اشتعل بها الغضب واتُخذت بها إجراءات التصعيد بكل عنفوان وعدم تقدير.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها