الإثنين 2016/11/14

آخر تحديث: 18:32 (بيروت)

مصر: أزمة الجنيه تدفع الصحافيين الى خط الفقر

الإثنين 2016/11/14
مصر: أزمة الجنيه تدفع الصحافيين الى خط الفقر
الركود سيصيب صناعة الطباعة والنشر بأكملها
increase حجم الخط decrease
امتد الغليان الذي ذابت فيه مصر عقب قرار البنك المركزي المصري بتعويم سعر الجنيه أمام الدولار، إلى المؤسسات الصحافية التي كانت بالفعل تعاني من تعثّر قاتل قبيل إعلان التعويم. وجاء القرار الاخير ليضاعف التكلفة، بالتالي زيادة أسعار الصحف، مما يضع المهنة بالفعل أمام اختبار البقاء، ويضع آلاف الصحافيين في مواجهة موت المهنة.

مجدي البدوي، رئيس النقابة العامة للعاملين بالصحافة والطباعة والإعلام، وهي نقابة رسمية تابعة لاتحاد نقابات عمال مصر، يقول في تصريحات لـ"المدن"، إن تكلفة طباعة الصحف في مطابع الدولة ارتفعت بنسبة 60% عقب القرار، إذ أن غالبية معدّات الطباعة ومدخلات الصناعة من الأوراق والأحبار تستورد من الخارج، لذا فإن بلوغ قيمة الدولار لنحو 18 جنيهاً في البنوك، سيؤثر بالضرورة على مستقبل الصحافة الورقية بشكل قاتل.

ويضيف: "تلقيت  خطاباً من المطبعة بصفتي مشرفاً على جريدة "العمال" الورقية بزيادة الأسعار.. هذا لا يعني سوى ضرورة زيادة أسعار الصحف. وبالنظر للظروف الاقتصادية الحالية، فإن الناس ستحجم عن شرائها توفيراً للنفقات، مما يعني أن انكماشاً سيحدث في سوق الصحف المطبوعة خلال الفترة القادمة".

بدوي يرى أنّه لا يمكن التنبؤ حتى الآن بالسعر الجديد الذي ستباع به الصحف المطبوعة، إلا أنه يعتقد أن القارئ المصري لن يستطيع أن يدفع ما يزيد عن جنيهين للنسخة الواحدة، خصوصاً أن سعر الصحف زاد أخيراً من جنيه إلى اثنين، وثارت حوله ضجّة.

النظر للأزمة في سياقها العام، وبالتزامن مع هجمة مواقع الإنترنت على الصحافة الورقية، يشير الى انها أحداث "مرعبة" ستزيد الأعباء على الصحف بشكل كبير و"من المحتمل أن تؤدي إلى إغلاق بعض منها"، بحسب ما يقول بدوي.

ووفقاً لآخر إحصائية صدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 3 مايو/ آيار الماضي، تراجع توزيع الصحف المصرية في الداخل والخارج بنسبة 13.6 % خلال عام 2014، أي وصلت إلى 655 مليون نسخة سنوياً فقط مقابل 758 نسخة تقريباً في عام 2013. أكثر من مليون نسخة خسرتها الصحف في معدل توزيعها الكلي، ومن المتوقعّ أن الأمور ازدادت سوءً خلال العامين التاليين، إلا أن تلك الإحصائية هي الأخيرة الصادر عن الجهاز، وتمثل الرقم الرسمي الوحيد في ظل ضبابية تامة حول أرقام توزيع الصحف في مصر التي عادة يتجاهل الملاك إعلانها.

خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين ورئيس لجنة الحريات بها، يصف ما حدث في تصريحات لـ"المدن" بأنه "ضربة لصناعة الصحف الورقية في مصر"، إذ أنه عقب زيادة أسعار الأحبار والأوراق لأكثر من 150 %، ستحدث قفزات كبيرة في أسعار الطباعة وبالتالي سيضطر أصحاب الصحف إلى البحث عن مخارج من الأزمة.

يرى البلشي أن صغار الصحافيين يدفعون الثمن الأكبر للأزمة، خصوصاً وأن هؤلاء المنتمين إلى الصحف الحزبية والخاصّة المملوكة لرجال أعمال، فإلى جانب انخفاض قيمة مرتباتهم الشهرية بنحو 60 % من قيمتها بعد تعويم الجنيه وتراجع قدراتهم المعيشية، سيجد عدد كبير منهم أنفسهم مهدّدون بالفصل أو بتخفيض الرواتب أو عدم الحصول عليها لأن أصحاب الصحف سيحاولون تحجيم الخسائر بعد زيادة تكاليف الإنتاج وتراجع قيمة الموارد الإعلانية التي تمّت بناء على اتفاقات مسبقة، وبالتالي سيكون تتوقع النقابة أن تخوض معركة ضد الفصل التعسفي خلال الفترة القادمة.

 يطالب البلشي بضرورة تدخل الدولة لضبط أسعار الطباعة، وحماية الصحافيين من تحمّل الثمن الكامل للأزمة. حمّل الدولة المسؤولية إذ رأى أن القرارات الاقتصادية الصادرة يوم الخميس الأول من تشرين الثاني / نوفمبر الحالي، ما كان لها أن تصدر بمثل هذه الطريقة بدون تشاور وبدون دراسة تأثيرها الحقيقي على المجتمع، معتبراً إياها نموذجاً للقرارات التي تتخذ بدون دراسة.

رئيس لجنة الحريات بالنقابة ينظر للأمور في سياق كلّي لا يمكن الفصل فيه بين الأزمة الاقتصادية المجحفة ومّا تتعرّض له الصحافة المصرية من تقييد لحريتها مما أفقدها تنافسيتها. يقول: "الأخطر أن الدول الآن تدفع بصف كامل من الصحافيين تحت خط الفقر".

صلاح عيسى الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، طرح في تصريحات لـ"المدن" بعض الحلول المقترحة التي بدت على أنها "مؤقتة ومجرد مسكّن موضعي للازمة"، إذ قال إن بعض الصحف قد تلجأ إلى تقليل عدد الصفحات وتخفيض تكاليف الإنتاج أو رفع سعر الصحيفة، مع إمكانية طرح مطالبة الدولة بتقديم الدعم للصحف المطبوعة وإن كان الأمر يبدو مستبعداً بالنسبة له في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وفي ظل قصرها للدعم على الصحف القومية التي بدأت تتعرّض لخسائر بدورها. يقول: "مثلا طباعة الكتب الدراسية لوزارة التعليم كانت أحد أهم مصادر دخل الصحف القومية.. الآن لا تستطيع حتّى تحمّل تكلفة الطباعة".

ويضيف :"الركود لن يصيب صناعة الصحف فقط، سيصيب صناعة الطباعة والنشر بأكملها وسيعاني الناشرين من ركود كبير خلال الفترة القادمة".

الوضع لا يمكن وصفه سوى بـ"الكارثة" التي يساعد على تضخيمها الضغط على المضمون بفعل انخفاض سقف الحريات الصحافي، بالتوازي مع إعادة تشكيل السوق الإعلاني لصالح الوسائل الأكثر انتشاراً كالمواقع الإلكترونية والتلفزيون، إضافة إلى الفجوة المرعبة بين الصحف الورقية بشكلها الكلاسيكي القديم وبين المواقع الإلكترونية التي غزتها فنون الصحافة الملونة والمتحركة. 

التكهنات القديمة باختفاء الصحف الورقية بدت شديدة القرب من التحقّق إلا إذا حدث مستحيل، خاصة مع اضطرار صحف مثل "الاندبندت" إلى التوقف عن الطباعة وهي لا تعاني ظروفاً قهرية كتلك التي تعاني منها الصحف في مصر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها