الثلاثاء 2016/05/31

آخر تحديث: 17:27 (بيروت)

مصر: اعتقالات جديدة لصحافيين نقابيين.. وكفالتهم سُدّدت رغماً عنهم!

الثلاثاء 2016/05/31
مصر: اعتقالات جديدة لصحافيين نقابيين.. وكفالتهم سُدّدت رغماً عنهم!
increase حجم الخط decrease
انتهى شهر مايو/أيار بالدرامية نفسها التي بدأ بها. احتُجز نقيب الصحافيين المصريين، وعضوا مجلس النقابة، على ذمة قضيّة هم المتظلّمون فيها، في مشهد غالب في سورياليته  مشهد اقتحام قوات الأمن لمقر نقابة الصحافيين في الأول من مايو.

كان واضحاً أن قضية مواجهة الصحافيين المصريين للدولة تلفظ أنفاسها الأخيرة عقب مرور أسبوع واحد على انفجارها، إلا أنّه لم يكن متوقعاً أن يصل تصعيد الدولة إلى حبس نقيب الصحافيين.

بدأت الواقعة، قبل يومين، حين ذهب النقيب يحيي قلاش، والسكرتير العام للنقابة جمال عبد الرحيم، ووكيلها خالد البلشي، إلي النيابة، بناء على استدعاء للحصول على أقوالهم في قضية القبض على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا. ويبدو أنه تم استدراجهم، كي لا يُحدث اعتقالهم جلبة جديدة، وهناك فوجئوا باتهامهم، ضمن القضية، بإخفاء مطلوبين والتستر عليهم ونشر أخبار كاذبة مفادها اقتحام الأمن للنقابة.

حدث ما يحدث لأغلب القضايا ذات المطالب العادلة في مصر، إن لم يكن جميعها، وانقلبت الحقائق بحيث أصبح المجني عليهم مجرمين. الأمن اقتحم النقابة أمام الجميع، فانتفض الصحافيون، فحوكموا في النهاية لاعتراضهم على التجنّي عليهم. أيضاً، جاء تصعيد الأمن هذه المرة لتغلب فيه الإهانة المتعمدة على الترهيب، إذ تلقى الصحافيون رسالة مفادها أنه قادر علي البطش بهم جميعاً، وصولاً إلى نقيبهم ذاته، الذي يمثل رمز قوتهم ونقطة التفافهم حول القضية.

عقب الاحتجاز والتحقيق مع الصحافيين الثلاثة لما يزيد على 11 ساعة، جاء قرار آخر للنيابة أكثر إهانة، بإخلاء سبيل الثلاثة مقابل كفالة قدرها عشرة آلاف جنيه لكل منهم، إلا أنهم رفضوا دفعها احتجاجاً على عدم قانونية حبسهم على ذمة قضايا نشر وعدم مسؤوليتهم عن لجوء بدر والسقا إلى مقر النقابة. الصحافيون الثلاثة رأوا في دفع الكفالة ما يمس بكرامة الصحافيين وثباتهم أمام البطش، ففضلوا المبيت في الاحتجاز في سابقة هي الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة، إضافة إلى ذلك، قدموا مذكرة قانونية تفنّد تلك الاتهامات وتؤول إلى بطلانها، وهو ما تجاهلته النيابة ولم تأخذ به.

على صعيد متصل، تسارعت خطوات مجلس النقابة والصحافيين الشباب. دعت جبهة الدفاع عن الحريات لاحتشاد الصحافيين أمام نقابتهم، فتجمّع العشرات مرددين: "يا دي العار ويا دي الطين حبسوا نقيب الصحافيين" الى جانب هتافات أخرى ضد وزير الداخلية. فيما عقد مجلس النقابة اجتماعاً طارئاً قرر فيه فتح تحقيق عاجل مع حاتم زكريا، عضو المجلس، الذي قال إنه أدلى بشهادة تضر بزملائه، وأكد أن احتجاز أعضاء المجلس تمّ بناء علي اتهامات ضعيفة قانونيًا لا تستند سوى لشهادات كاذبة وأقوال مرسلة وتحريات باطلة.

المنظمات الحقوقية الدولية والمصرية، انضمت إلى قائمة المنددين، وكان أكثرهم تعبيراً منظّمة العفو الدولية التي وصفت الواقعة بأنها الهجوم الأوقح على الإعلام منذ عقود، وانتكاسة مقلقة لحرية التعبير، منددة بما تبعث به السلطة من مؤشرات على تصعيد خطير في حملتها شديدة القسوة على حرية التعبير.

اليوم المتكدس بالصخب والغضب والذهول، انتهى بنهاية درامية وسوريالية تليق بلا منطق الأحداث منذ بدايتها، إذ أوكل صحافيون مجهولون إلى محامٍ يدعي طارق نجيدة، دفع كفالة الصحافيين الثلاثة، رافضين ذكر أسمائهم. وهو ما رفضه الصحافيون المحتجزون، واستشاط لأجله مجلس النقابة غضباً، مندداً بمحاولات كسر الإرادة الجماعية للصحافية، إلا أن المحامي أخبرهم بأنه كتب في أوراق الكفالة أن دفعها جاء رغماً عنهم.

بدورها، تحركت الداخلية فوراً، وواصلت خطواتها الانتقامية من انتفاضة الصحافيين، إذ أرفقت إخلاء سبيل الصحافيين الثلاثة بقرار تحويلهم إلى المحاكمة العاجلة أمام محكمة الجنح، السبت المقبل، ما يجعل الرهان الأخير منعقداً على تحرك الصحافيين خلال الأيام المعدودة المقبلة قبل حلول هذا التاريخ.

حصار انتفاضة الصحافيين التي توهجت في الرابع من مايو/أيار الماضي، جاء عبر خطوات عديدة، أولها صمت الأمن المغري بالتصعيد، مع إطلاق عدد من المأجورين لجذب الصحافيين إلى اشتباكات جانبية. ضغوط سياسية تتصاعد تدريجياً لتقويض قرارات الجمعية العمومية للصحافيين أدّت إلى إجبار بعض الصحف على تغيير مضمون صفحاتها الأولى ورفع شاراتها السوداء، وأجبرت مجلس النقابة على التراجع عن مطلب اعتذار الرئيس والتماهي مع مطلب إقالة وزير الداخلية.

انشقاقات انتهازية ومتعمّدة داخل مجلس النقابة صنعها بعض أعضاء المجلس بمعاونة صحافيين لم يأبهوا لأهمية وحدة الصف في ذلك التوقيت، ثم موقف مجلس النواب المنحاز للسلطة في مواجهة الصحافيين، وأخيراً تداول القضية بالشكل الذي أفقدها قيمتها حتى كادت تتحوّل، من جريمة قاسية، إلى مجرد خلاف قانوني مطروح أمام القضاء حول المادة القانونية التي استندت إليها وزارة الداخلية في اقتحام النقابة. خلاف قانوني سيُفصل فيه وقت بعد وقت طويل، وقد لا يُفصل فيه.

الرهان المستقبلي في هذا السجال متوقّف على تحرّكات مجلس النقابة والشباب الصحافيين خلال الأيّام المقبلة والتي تسبق موعد مثول نقيب الصحافيين وعضوي المجلس أمام المحكمة. الضغط والتصعيد في هذه المرحلة سيتوقف عليه شكل التعامل الأمني مع الصحافيين خلال الفترة المقبلة.. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه دائماً: هل يستطيع الصحافيون تقويض بطش الأمن هذه المرة؟ أم أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد في هذا السجال التاريخي اللا منتهي؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها