الخميس 2016/05/19

آخر تحديث: 10:55 (بيروت)

الصحافيون المصريون غاضبون من نقابتهم: نريد استقالة وزير الداخلية!

الخميس 2016/05/19
الصحافيون المصريون غاضبون من نقابتهم: نريد استقالة وزير الداخلية!
increase حجم الخط decrease
تمضي معركة الصحافيين المصريين مع السلطات، منذ اندلاعها أوائل الشهر الجاري، بأداء ثابت نحو انحسارها المنطقي والمتوقع، بعدما خرجت توصيات البرلمان المصري المدرجة تحت عنوان "احتواء الأزمة" لتقضي، في ما احتوته في مضمونها، على الرمق الأخير لتلك المعركة.

بالتزامن مع ذلك، لم تستطع نقابة الصحافيين عقب ما تعرضت له من ضغوط واسعة إنهاء القضية فجأة، فاضطّرت إلى عقد مؤتمر عام للصحافيين، أمس الأربعاء، عقب تأجيله مرتين، لتعرض فيه ما وصفته بتطورات الأزمة والجهود المبذولة لحلها. خرج المؤتمر بلا شيء يذكر. إذ تضمن مجرّد كلمات حماسية من نقيب الصحافيين وبعض القيادات الصحافية التي نادت بضرورة الاستمرار في معركة ذات أمد طويل، نافية ما يُشاع عن تراجع النقابة عن مطالب الجماعة الصحافية، إلا أنّه في الواقع لم تقدّم النقابة أي أدلّة على استمرار المعركة أو على التمسّك بالعهد الذي قطعته في 4 أيار/مايو الجاري للوفاء بالمطالب الأولي.

المواقف الفضفاضة للمجلس أثارت غضب عشرات الصحافيين الذين هتفوا في المؤتمر "نريد إقالة وزير الداخلية والاعتذار". جاء ذلك عقب تحركات متزايدة من جانبهم كرد على المواقف الفضفاضة لمجلس النقابة، إذ نظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية والفعاليات التي من شأنها إحياء القضية، كان آخرها صنع محاكمة رمزية لوزير الداخلية انتهت بقرار عزله سياسياً، وأطلقوا بياناً مفتوحاً للتوقيع للمطالبة بالتمسك بالمطالب الأولي ومن أهمها إقالة وزير الداخلية، و تشكيل لجنة لإدارة الأزمة من ممثلين من الجمعية العمومية، والإفراج عن معتقلي الرأي وقضايا النشر، وإصدار قانون لمنع الحبس في قضايا النشر.

وكانت التوصيات التي سربتها الصحف، صدرت عن لجنة الإعلام التي شكلها البرلمان برئاسة الكاتب الصحافي أسامة هيكل، والذي اتخذ، منذ بداية الأزمة، موقعاً منحازاً للسلطة ومجانباً لانتفاضة نقابة الصحافيين. هيكل رأى أن القضية برمّتها محلّها القضاء وأنّ نقابة الصحافيين حوّلتها لمشكلة سياسية مع الدولة، معتبراً أن الأزمة ليست في اقتحام النقابة من قبل عناصر الأمن، بل في وجود اثنين من الصحافيين المطلوب القبض عليهما داخل النقابة.

تقرير اللجنة عكس بشكل واضح غياب الدعم البرلماني لمطالب نقابة الصحافيين في مقابل وزارة الداخلية، إذ أكّد على أن إيواء اثنين من المطلوبين بقرار ضبط وإحضار، داخل النقابة، أمر مخالف للقانون ولا يقبل التأويل، ودان مجلس النقابة عدم الاعتراف بالخطأ القانوني والاعتذار عنه. اللجنة أبت أن تراعي في حكمها نوع الاتهامات الموجهة للصحافيين، عمرو بدر ومحمود السقا، "بالتحريض على التظاهر وحيازة أسلحة والاعتداء على المنشآت العامة والأقسام"، والتي وجهت لهما على خلفية مواد معارضة للنظام نشراها عبر موقع "بوابة يناير" الإخباري، فقالت في تقريرها: "حرية الرأي والتعبير حق مصون بنص الدستور، لكن ما حدث ليس له علاقة بها".

ولعلّ أهم نقاط التقرير تمثلت في اختصار الأزمة بكل جوانبها في "خلاف قانوني"، إذ اعتبر أن واقعة القبض على الصحافيين تأتي تنفيذاً لقرار النائب العام وليس لوزارة الداخلية دور فيها، ومن ثمّ اعتبر أن نقطة الخلاف الرئيسية هي في استناد النقابة إلى المادة 70 من قانونها التي تحظر التفتيش داخل مقرها، إلا بشروط معينة، بينما استندت النيابة العامة إلى المادة 99 من قانون الإجراءات الجنائية. وبالتالي فإن القضاء وحده هو المنوط بحل الخلاف القانوني القائم بين وزارة الداخلية والنيابة العامة من جهة، ومجلس نقابة الصحافيين من جهة أخرى.

في الوقت نفسه، ظهرت أصوات داخل اللجنة البرلمانية لتعترض على التقرير الذي لم يعلن حتى الآن بشكل رسمي ولتعكس حالة من عدم التوحّد تجاه القضية، إذ قال النائب البرلماني وعضو اللجنة أسامة شرشر في تصريح لـ"المدن"، إنه هو وبعض أعضاء اللجنة رفضوا التقرير الذي أعدّه هيكل إذا شعروا بعدم موضوعيته، ومن ثمّ فإنّهم يسعون لشطبه لإعداد تقرير آخر يؤكد على مطالب الصحافيين وتقديمه إلى رئيس البرلمان.

محاولات استيعاب الأزمة من قِبل الرئاسة والبرلمان ومجلس النقابة نفسه، كانت تصب باستمرار في إطار تأميم نقابة الصحافيين وتحجيمها في إطار حكومي عام لا يجوز لها الخروج عنه. فمنذ أيام قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، في إحدى خطاباته، إن مؤسسات الدولة عليها أن تتجاوز خلافها مع الإعلام، في الوقت الذي أصدر فيه مجلس النقابة بيانات عديدة أكّد فيها إن النقابة جزء من مؤسسات الدولة ولم تسع لأي صدام معها. المعنى نفسه أكّده التقرير البرلماني الذي طالب المؤسستين بوقف التصعيد إلى حين تبلور الموقف بحلول تحفظ للصحافيين كرامتهم ولوزارة الداخلية هيبتها.

نقابة الصحافيين، خلال الأيّام التي تلت اندلاع الأزمة، كانت تحارب في مسارين: الأوّل، دحض الصورة الذهنية التي صنعها الإعلام الموالي للنظام عنها بأنها ملجأ للهاربين من القانون، والثاني محاولة احتواء القضية التي تم تصعيدها بشكل غير محسوب لتمتد المواجهة إلى مطالبة الرئاسة بالاعتذار. ثمّ أصدرت النقابة مذكّرة قانونية شرحت فيها مسار الأحداث، وتبعتها سلسلة من البيانات أكّدت فيها أنها لا تعادي الدولة ولا تكسر القانون وإنما تعترض على خرقه باقتحام حرمها.

الشد والجذب بين الصحافيين ومجلس نقابتهم من ناحية، وبين النقابة والدولة من ناحية أخرى، تخلّله قرار مفاجئ لمجلس الوزراء المصري أعاد تفكيك الاهتمام المتركّز على مصير القضية ووزعه على ساحات أخرى. إذ أقرّ المجلس، مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحّد، وحوّله إلى مجلس الدولة لمراجعته قبل تحويله إلى البرلمان. القرار المفاجئ بدا كأنه أحد فنون التهدئة للأزمة التي بدأت الخطوات الرسمية في ابتلاعها بالفعل، خصوصاً مع ما يمثله هذا القانون من أهمية كبيرة لنقابة الصحافيين، التي تعلّق عليه آمالاً بإصلاح أوضاع الصحافة والإعلام ووقف العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر. وبعدما ندّدت على مدار عامين بحبس مشروع القانون في الأدراج الحكومية، أصدرت النقابة بياناً ترحيبياً قالت فيه إن إقرار القانون يعيد الروح الإيجابية بين مؤسسات الدولة.

نقابة الصحافيين رحّبت بشدّة بالقرار ووصفته بأنه يؤسس لعلاقة ثقة بين الحكومة والإعلام كأحد مؤسسات الدولة، في الوقت الذي أبدى فيه إعلاميون وصحافيون استيائهم من التعديلات الجديدة في القانون التي تفرض مزيداً من القيود على الصحافيين وحريتهم، ممّا يشي برغبة النقابة في التعلّق بقشّة لتهدئة الأزمة بأية وسيلة، بالرغم من أنّها كانت تعلّق على القانون الذي أعدّته قبل تعديلات الحكومة، إصلاح أوضاع الصحافة والإعلام ووقف العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر.

من المتوقع عقب كل هذه التشابكات التي تعاونت في تفتيت القضية وتفريق مساراتها، أن ينسدل ستار النهاية على أزمة نقابة الصحافيين مع الدولة قريباً، ليتبقّى منها مجرد خلاف قانوني مطروح أمام القضاء، فيما لم يتبدد الأمل بعد، اتجاه تحركات شباب الصحافيين المضادّة للتمسك بمطالبهم، لإجبار مجلس نقابتهم على التصعيد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها