الجمعة 2016/05/13

آخر تحديث: 16:37 (بيروت)

160 يوماً على احتجاز اسماعيل الاسكندراني.. وبعد؟!

الجمعة 2016/05/13
160 يوماً على احتجاز اسماعيل الاسكندراني.. وبعد؟!
increase حجم الخط decrease
مَن هم خارج السجن، ليس كمَن كداخله، وإن نال الفريقان نصيبهما من القيود والموت المجازي والقسوة. في مصر تصدر قرارات تجديد الحبس الاحتياطي فتعني لأصحابها في الداخل مزيداً من اليأس والظلمة، بينما تتقولب خارجاً في أخبار نمطية ومتوقعة تمارس دورها المعتاد في تعزيز قتامة الصورة العامة وسوداويتها ، ثم تمر.

أكثر من 160 يوماً مضت على اعتقال الصحافي والباحث المصري، إسماعيل الاسكندراني، من مطار الغردقة، فور وصوله إلى مصر، لتوجه له السلطة المصرية تهمتي "الانضمام إلى جماعة محظورة" و"نشر أخبار كاذبة". والصخب الذي انفجر عقب اعتقاله هدأ مجبراً، بفعل التراكم و النسيان، أو بالأدق بفعل تكدّس الوقائع الشبيهة التي حوّلت اعتقاله إلى قضية متكرّرة تجاورها قضايا اعتقال أخرى لصحافيين ومصورين منهم من مسّ السياسة كإسماعيل، ومنهم من لم يقربها.

محمد عيسى، أحد المحامين المدافعين عن الاسكندراني، يقول في حديث لـ"المدن"، إن القضية تنتظر الآن استكمال التحقيق فيها، عقب ورود التقرير الفني حول محتويات هاتفه المحمول وجهاز الكومبيوتر الخاص به، ثم سيتم استكمال التحقيقات معه بعد انتهاء الـ45 يوماً التي قررت  محكمة جنايات القاهرة حبسه إياها مجدداً على ذمة التحقيق في القضية يوم 18 نيسان/أبريل الماضي.

ويوضح عيسى أن "إسماعيل يلقى معاملة جيّدة نسبياً لأنه محتجز بسجن مزرعة طرة حيث يحظى المسجونون بوضع أفضل قليلاً من السجون الأخرى، فيما كان يواجه مشاكل في ما يتعلق بحصوله على ساعات التريض أو الجلوس في المكتبة للقراءة، إلا أننا قمنا بحلّها وهو الآن يتمكّن مما كان قد مُنع عنه"، مشيراً إلى أنه يتمتع بصحة جيدة، وتتمكن زوجته من زيارته أسبوعياً.

المصيرالمجهول للإسكندراني والصحافيين المحتجزين، يرافقه في سياق متشابك اضطراب سياسي ومهني وأوضاع صحافية متأزّمة، إذ يبدو أن المواجهة الأخيرة بين الصحافيين والدولة، والتي صُعّدت إلى أعلى مستوياتها يوم 4 أيار/مايو الجاري، ستسفر عن مزيدٍ من التدهور في أوضاع الصحافيين المصريين. إذ حطَم انشقاق قيادات الصحافيين عن مطالبهم إمكانية تحقّق تلك المطالب، بجوار ما أفسدته ضغوط الدولة على المؤسسات الصحافية من القدرة على استمرارية المطالبات والصمود حتى تحقيق جزء منها. عدا عن أن الاحباط من انتصار قضايا الصحافيين أخذ يتسلل إلى النفوس، ليفرض سطوته على الجميع، إثر التخلي بشكل علني عن مطالب عمومية الصحافيين بالإفراج عن المحتجزين منهم وإقرار قانون لمنع الحبس في قضايا النشر، للانحسار في مواجهات جانبية لن ينتج عنها إلا مزيداً من التراجع.

على أن اوجه الضغوط للإسراع في محاكمة الصحافيين المحبوسين باتت محدودة جداً، إن لم تكن معدومة، فيما أثبتت حملات التضامن الالكترونية والاعلامية في مصر عدم قدرتها على التأثير بجدية في مسار اتخاذ القرارات السياسية. إذ انطلقت حملات عديدة للمطالبة بإطلاق سراح الاسكندراني والصحافيين الآخرين، غير أنها لم تشفع له كما لم يشفع تاريخه الصحافي والبحثي أو مجهوداته العلمية.

آخر تلك الحملات  تمثلت في إعادة تفعيل هاشتاغ "#الصحافة_ ليست_ جريمة" الذي تفاعل من خلاله عشرات الصحافيين المصريين بلافتات وكتابات عن حرية الصحافة للمطالبة باسترداد حق الصحافيين عقب اقتحام قوات الأمن لنقابتهم واعتقال صحافيين من داخلها، مع التنديد باحتجاز الصحافيين في السجون والمطالبة بالإفراج عنهم.

المنظمات الحقوقية بدورها دقت أجراس الخطر حول مستقبل الصحافيين في مصر عقب تصاعد الانتهاكات الواقعة ضدهم، إذ يقول أشرف عباس، مدير مرصد "صحافيون ضد التعذيب" لـ"المدن"، إن المرصد سجّل خلال الربع الأول من العام الحالي، 114 واقعة انتهاك للصحافيين مقابل 56 فقط خلال العام 2015، أي بمعدل أكبر من ضعف عدد الانتهاكات وهو ما يعكس أسلوب غالبية جهات الدولة في تعاملها مع وسائل الإعلام والصحافيين.

المرصد قسّم في تقريره الأخير الانتهاكات التي تلاحق الصحافيين في مصر إلى أنواع، حظي منها انتهاك "التقاضي ضد الصحافيين" بأكثر من ربع الوقائع، وهو ما اعتبره المرصد يظهر حالة من التربص الشديد هذا العام بالعاملين في مجال الصحافة، إذ جاءت غالبية الملاحقات القضائية بواسطة مسؤولين حكوميين، كنوع من أنواع تكميم الأفواه وغلق المجال العام.

أمام كل ذلك، يبقى التخلي عن الأمل مرفوضاً حتى في أشد أطواره بؤساً وقتامة، فيما لن تتحقق مواجهة الاعتيادية التي صارت تصطبغ بها أخبار قضايا احتجاز الصحافيين، إلا بوخز القضية على الدوام. حرب الصحافيين اليوم هدفها ألا يُصبح هذا الاحتجاز مألوفاً أكثر مما ينبغي، ما سيفقده تدريجياً قدرته على إثارة الاعتراض و الغضب، وألا تصبح محاكمة الصحافيين في مصر معتادة وبديهية إلى الحد الذي تفقد فيه القضية مؤيديها.

قبل أيّام، ظهر المصوّر الصحافي "شوكان" من محبسه في فيديو خلال إحدى جلسات محاكمته، يمسك بقبضته كاميرا وهمية، مثبتاً أصابعه في وضعية التصوير ومحاولاً أن يصنع من الفراغ صورة. المصوّر الشهير المقبوض عليه منذ أحداث فض اعتصام "الإخوان" في "رابعة العدوية" في آب/أغسطس 2013، صنع بمشهده التمثيلي البسيط وخزاً إنسانياً مؤنباً وحاز على تعاطف واسع لفجيعته، فتداول عشرات النشطاء مقطع الفيديو بعنوان "شوكان يفتقد الكاميرا".

شهور قليلة تفصل شوكان عن إتمام ثلاث سنوات كاملة في السجن بلا ذنب اقترفه سوى الصحافة وآداء واجبه في نقل الوقائع، وهو الذنب نفسه الذي يحتُجز به الإسكندراني وأكثر من 30 صحافياً آخرين داخل السجون المصرية الآن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها