الجمعة 2013/03/29

آخر تحديث: 09:46 (بيروت)

استهلاك الأنثى تكنولوجياً

الجمعة 2013/03/29
استهلاك الأنثى تكنولوجياً
ترسيخ التسليع (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
منذ أن نُظّم الاستهلاك ونُظّر له وصار أداة سياسية – اقتصادية فاعلة، اتخذ من الأنثى رمزاً ترويجياً له، ووسيلة، وهدفاً رابحاً. ولطالما كان الترويج للسلع الاستهلاكية الموجّه جندرياً يستهدف المرأة، ويهمل الرجل. فبعد أن تُبتكر سلعة ما، وتُطرح في السوق، غالباً ما تتولد منها تنويعات أنثوية لاحقاً؛ إذ أن أي سلعة "عامّة" موجهة إلى الناس جميعاً، لا يُنظر إليها، في التصوّر العام، إلا  بوصفها ذكورية بالضرورة، حتى ولو لم تكن موجهة إلى الرجال أنفسهم.
وما توجّه بعض السلع إلى الرجال، كما صرنا نرى في السنوات القليلة الماضية، إلا فعل ترويجي مجدّد متأثر بالاشتغال الاستهلاكي التاريخي على الأنوثة، وعلى جمل مثل "إليكِ سيّدتي"!
 
بوصفها من أكثر المنظمات استهلاكيةً اليوم، تعرف شركات التكنولوجيا والاتصالات الحديثة هذه القاعدة وتشتغل عليها، لتحقيق الربح بطبيعة الحال. وتعمل المؤسسات التكنولوجية على استغلال الرموز التي تزيد من الاستهلاكية، فيما يتعلق بالأنثى، كاللون الوردي، الذي ترسّخ بُعده الجندريّ - الدعائي في المرحلة التي تلت ترسّخ التسليع. هكذا، صرنا نرى هذا اللون، الذي يرمز إلى البراءة والعذرية والنقاء، يصبغ الجيل الثاني، أو التوليد الأنثوي، من أي سلعة تكنولوجية تصدر أولاً بصيغة عامة للجميع. أي أن الهاتف الذكي الذي عرفناه في البداية بلونه الأسود مثلاً، سرعان ما صار متاحاً بتدريجات لونية حارة وأنثوية. وفي المرحلة ما بين طرح السلعة التكنولوجية في الأسواق بصيغة عامة، وطرحها في تنويع أنثوي لاحقاً، اشتغلت المرأة، بوصفها طرفاً في نمط العلاقة الاستهلاكية الجديد، على تأنيث أدواتها التكنولوجية، لتحقق فردانيتها. هكذا، صار لا بد للهاتف الذي تحمله امرأة، أن يكون مقروناً برموزياتها الخاصة مثل الأغطية الملونة، وسلاسل المفاتيح الأنثوية، وغيرها.
 
وبما أن أنماط الاستهلاك الجديدة، الموصوفة بالثانوية والمكمّلة، باتت هي التي تحدد المكانة الاجتماعية لامرأة ما، بعد أن كانت الأنثى (والرجل، أيضاً، بطبيعة الحال) مكتفية بحاجاتها الأولية وكلّياتها وبمنزلتها الاجتماعية الموروثة من العائلة؛ صارت هذه الرموزيات الجديدة، المتعلقة بالتكنولوجيا، واحدة من أهم شروط رضا الأنثى عن نفسها وسعادتها في محيطها الاجتماعي، حالها كحال الشروط الأخرى (ثمن الثوب وماركته، نوعية السيار والعطر...). بل إن هذه الرموزيات التكنولوجية باتت مكمّلة للشكل الظاهري العام للأنثى؛ إذ أن كثيراً من الفتيات بتن يسعين إلى أن يكون لون الهاتف متناغماً مع لون الحذاء أو الحقيبة.
 
إلا أن هذه العلاقات الاستهلاكية الجديدة، التي تشكل التكنولوجيا أيقونتها المعاصرة اليوم، لم تتوقف عند الترميز باللون أو المظهر للترويج لسلعها لدى الإناث، كما أنها لم تعد تسمح، أحياناً، للإناث بأن يكنّ طرفاً فاعلاً في العلاقة الاستهلاكية. هكذا، صارت الشركات تقوم بعملها وعمل المرأة، عندما تطرح في السوق هاتفاً أو كومبيوتراً محمولاً خاصاً بالإناث مشياً على المبدأ الإعلاني – الاستهلاكي الشائع: "إليك سيدتي"!
 
وتصبّ هذه السلع التكنولوجية المؤنثة في سياق النظام العالمي الجديد، الذي بات من التكرار وصفه بالرأسمالي (فهو، اليوم، أبعد من ذلك). أي أن كل المكمّلات والجزئيات التي قد تسعد المرأة، لا بد أن تكون موجودة، ولو الكترونياً، في هذه السلعة التكنولوجية. ويكفي تصفّح متجر "أندرويد" لاكتشاف العدد الهائل من التطبيقات "الخاصة بالنساء"، مثل تطبيقات الرياضة المنزلية، ووصفات الطبخ، وكيفية ارتداء الحجاب، وتطبيقات خاصة بالموضة، والمكياج، وأخرى للمساعدة في تحديد مواعيد الدورة الشهرية.
 
هكذا تنجح الاتفاقية غير المعلنة بين النظام الاستهلاكي والمرأة؛ إذ يبحث الأول عن الربح بكل الطرق على حساب الآخر، أو الأخرى، التي تسعى إلى العثور على السعادة والخصوصية، بكل الطرق أيضاً. إنها اتفاقية ترضي، تماماً، الطرف الأول، في حين لا تقنع إناثاً كثيرات، لاسيما اللواتي يشتغلن في مجالات التفكير والبحث والكتابة، بعيداً عن الموضة والاستهلاك و"النظام العالمي – الاقتصادي الجديد".
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب