الأحد 2013/03/17

آخر تحديث: 08:12 (بيروت)

سوريا تستعيد سلطتها الرابعة

الأحد 2013/03/17
سوريا تستعيد سلطتها الرابعة
increase حجم الخط decrease
صار ممكناً اليوم، بعد عامين من الثورة، الحديث عن صحافة سورية. حتى أنه بات ممكناً الذهاب أبعد من ذلك، لخلع صفة "المعارِضة" عن المطبوعات الجديدة، الأسبوعية أو الشهرية، التي أفرزتها الثورة، إذا نظرنا إليها بوصفها ناطقة باسم الناس، وبوصفها حجر أساس لمستقبل السلطة الرابعة في سوريا. وعلى أي حال، هذه الصحف، المتواترة الصدور في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، ومعها وسائل الإعلام الجديدة، وكذلك النشاطات المدنية والفنية والثقافية، كلها خطوات أولى على طريق استعادة الفضاء العام من نظام استبدادي صادره طيلة خمسة عقود.
يستعيد السوريون اليوم سلطتهم الرابعة، ويسعون إلى إعادة بنائها من جديد، في الوقت الذي تؤذن فيه هذه السلطة بالأفول، ورقياً على الأقل، في كثير من الدول. قد تبدو هذه المفارقة مؤلمة لناحية وضعها السوريين أمام مرآة الزمن، الذي توقف لديهم مع وصول "البعث" إلى السلطة. إلا أن شعباً انتفض على واحد من أكثر الأنظمة ديكتاتورية في العالم، لا بد أن يجد حلولاً لمفارقة تبدو أبسط من مفارقات سورية عديدة، مولودة من رحم هذه الديكتاتورية.
عندما يحيل أحدنا مسؤولية استعادة الصحافة، إلى "الشعب"، فإنه يقصد الناس، جميعاً، ولا يحدد الصحافيين وحدهم. إذ أن الصحافيين "الفعليين"، وحتى المحتملين منهم، كانوا من أوائل ضحايا "البعث"، الذي قضى على الصحافة بعد أيام من وصوله إلى الحكم، في ما يعرف بالبلاغ الرقم 4. كما أن العاملين الجدد في هذا المجال، والذين يؤسسون المطبوعات الجديدة، ليسوا صحافيين في غالبيتهم. وينطبق هذا الكلام على كل الصحف التي صدرت منذ بدء الثورة، والتي غالباً ما يكون القيمون عليها شباباً لم يخوضوا تجربة العمل الصحافي من قبل، بل فرضته عليهم سياقات الثورة، أو إنهم اختاروه للمشاركة في أحد جوانب الثورة، أو بدلاً من حمل السلاح.
تتميز غالبية المطبوعات السورية الجديدة، عدا عن كونها أسبوعية ولا تحمل سوى "إيديولوجيا الثورة"، بأنها مناطقية، تصدر في مدن محررة، وتُعنى بالكتابة الخبرية والتحليلية لأوضاع هذه المدن: سوريتنا (دمشق)، سوريا الحرة (حلب)، جسر (الجزيرة)، زيتون (إدلب) عنب بلدي (داريا)، أوكسجين (الزبداني)، الخ. ثمة معايير عدة تفرض هذه الصفة، من بينها قلة السيولة المالية، وكون غالبية العاملين في الصحيفة من أبناء مدينة واحدة، إضافة إلى تشرذم الجغرافيا السورية بين مدينة أو قرية محررة، وأخرى يسيطر عليها النظام، وكذلك الافتقار إلى جسم صحافي مؤسساتي يوحّد تلك المطبوعات أو ينسق العمل في ما بينها.
غير أن صحفاً سورية جديدة استطاعت الخروج من هذه الدائرة الضيقة، لتوزع في أكثر من مدينة في الوقت نفسه، أو حتى في دول أخرى غير سوريا، مستفيدة من جسم سياسي يمولها ويقوم بتوزيعها. نتحدث هنا عن "سوريا بدا حرية"، التي تصدرها وتوزعها في كل المدن السورية "لجان التنسيق المحلية"، كما نتحدث عن "العهد" الناطقة باسم "الإخوان المسلمين"، والتي توزع في أكثر من مدينة سورية، لا سيما في الشمال. ويضاف إلى هاتين المطبوعتين،  صحيفة "شام"، التي أطلقتها "شبكة شام" الإخبارية أخيراً، وتوزعها في عدد من المدن المحررة. هذه الصحيفة، التي فاجأت كثيرين بحرفيتها، يمكن القول إنها مثال لصحافة سورية واعدة بما هو أكثر، غداة نجاح كامل للثورة، والبداية من سعيها إلى استعادة "ذاتها" من نظام استبدّ بها طويلاً.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب