الجمعة 2013/03/15

آخر تحديث: 02:08 (بيروت)

"الجزيرة" و"العربية" على المحكّ السوري

الجمعة 2013/03/15
"الجزيرة" و"العربية" على المحكّ السوري
increase حجم الخط decrease
لم تكن تغطية قناتي "الجزيرة" و"العربية" للثورة السورية حاسمة في التأثير على سياستيهما، أو في السباق بينهما، بقدر ما كانت حاسمة في علاقة كل منهما بالناس، وما تعنيه هذه العلاقة من أفق لمستقبل الفضائيتين. 
أعاد حدث مؤثر ومعقد ومديد، كالثورة السورية، إنتاج الكثير من الروابط السياسية والإعلامية والاقتصادية والفكرية عالمياً وعربياً. لكنْ في حالة هاتين القناتين، فإن الثورة السورية لم تفعل أكثر مما تفعله العدسة المكبّرة. يمكن القول إن الأحداث اليومية المكثفة والمتشابكة التي أفرزتها الثورة، ساعدت في اختصار مدة زمنية طويلة كنا نحتاجها لنكتشف "جوهري" القناتين.
في الحديث عن تغطية "الجزيرة" و"العربية" للثورة، خصوصاً بحلول الذكرى الثانية لخروج السوريين إلى الشارع، لا بد من العودة إلى السؤال المكرر طرحه: لماذا تأخر التفات القناتين إلى الحدث السوري في أيامه الأولى؟ الإجابة ليست صعبة. يمكن اختصارها بكلمة "أجندة"، أو كما يحب بعض الديبلوماسيين: "كانت القناتان ترتبان بيتيهما الداخليين، وتنتظران جلاء المشهد السوري". وعلى أي حال، لا يمكن عزل الإجابتين عن علاقة كلتا القناتين بالنظامين الحاكمين في قطر والسعودية، وموقفهما، الذي كان يُنتظر تحديده في ذلك الوقت، من الثورة في سوريا.
يمكن لأي شخص يتابع التلفزيون أن يقدّر طبيعة هذه العلاقة، بين السياسة والإعلام، ببساطة قد لا تكون الأداة النموذجية لفهم علاقات مجرّدة، سياسية واقتصادية، أكثر تعقيداً، وغيّرتها الثورة. إذ أن الإعلام المتوجّه إلى "المشاهد العادي"، ليس سوى واجهة مبسّطة لكل ما يعتمل في الظل من سياسات لا يقدّر لـ"العامة" فهمها على نحو قطعي. ولئن كانت هذه العلاقة موضع نقد إعلامياً، إلا أنها ساعدت على نحو لا يمكن نكرانه، في إفادة الثورة، لا سيما في بداياتها.
لعل البساطة في تقدير طبيعة القناتين وتغطيتيهما للثورة، لا تعني أكثر من التنقل بينهما، لمشاهدة تغطيتيهما، كل على حدة، لأحد أحداث الثورة، والمقارنة بين ضيوفهما مثلاً. ويجدر هنا القول إن عوامل أخرى، مثل نتائج الانتخابات المصرية وصعود "الإخوان المسلمين" إلى الحكم، ساعدت في تنميط هذه الطبيعة. كأن "الجزيرة" باتت تتبنّى سياسات موصوفة بـ"المعتدلة" وإن اختصرها ومثّلها خطاب "الإخوان". في حين ترسّخ، مع الثورة السورية، الاعتقاد السابق بأن "العربية" تتبنى صيغة غريبة من الليبرالية القائمة على قاعدة سلفية. وتتمظهر هذه الصيغة، مثلاً، في استضافة المذيعات (وهنّ في القناة أحد وجوه ليبراليتها) شيوخاً راديكاليين للتعليق على حدث سوري.
في المقارنة العملية بين تغطية القناتين، يمكن القول إن "الجزيرة"، في متابعتها للثورة السورية، أفادت على نحو كبير مما صنعته في تاريخها من سعة جماهيرية ومن تأثير و"حرفية" يفترضها كثيرون. هذه "الحرفية" تشوبها أحياناً انحيازات يرصدها مراقبون، منها مثلاً ما يحول دون الإضاءة على انتهاكات ترتكب في ظل الثورة وربما باسمها، لكنها تبقى ضمن تصنيف "المعقولة". في حين ما زالت "العربية"، منذ إطلاقها، تسعى إلى ما حقّقته قرينتها القطرية لدى كثير من المتابعين العرب. وعلى أساس هذه المقارنة أيضاً، يتذكر معظمنا محاولات "الجزيرة" الحثيثة لاختراق الحاجز الأمني السميك الذي وضعه النظام بين الإعلام وبين ما يحدث في البلد. اشتغلت القناة على تدريب ناشطين سوريين شباب، ليصبحوا "مراسلين – مواطنين"، خلال الشهور الأولى من الثورة. وعندما توسعت الرقع التي يسيطر عليها "الجيش الحر"، راح مراسلو القناة يتوافدون إلى سوريا، لنقل الحدث والمواضيع الاجتماعية والحياتية من هناك. أما "العربية"، فلم نرها على الأرض السورية إلا في الفترة الأخيرة. وتمثل ذلك في زيارات قصيرة لمندوبي القناة، وإن كان ذلك مفهوماً لجهة المحاذير الأمنية والعلاقات بضابطي الحدود التي يمكن عبورها من تركيا أو غيرها. لكن، بالحديث عن المهنية، قدّمت "العربية" لأحد تقارير ريما مكتبي بالقول: "وفي ظروف استثنائية، تمكنت موفدة العربية، ريما مكتبي، من دخول الأراضي السورية من الجانب التركي، وهي تنقل حكايا الثورة وعذاب ضحايا الحرب من المدنيين"، ناهيك عن النَّفَس الاستعراضي الذي يظهر المندوب/المندوبة في دور البطولة بدلاً من الحدث في حد ذاته. 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب