الثلاثاء 2013/03/12

آخر تحديث: 09:54 (بيروت)

قراصنة بقبعات بيضاء

الثلاثاء 2013/03/12
قراصنة بقبعات بيضاء
الهاكرز... أبطال العصر؟
increase حجم الخط decrease
كيف يمكن لـ"هاكر"، أي قرصان إلكتروني، أن يكون أخلاقياً، وهو الذي يدخل البيوت من نوافذها ومن دون علم أصحابها؟ حتى وإن كان فعل الخير هو الهدف، فإن مصطلح "القرصان الأخلاقي" يبدو شائكاً، بوصفه تركيباً لغوياً يجمع بين متناقضين عمليين: بين الغاية السامية، وبين الوسيلة اللا-أخلاقية لتحقيقها (فلنتذكر "القتل الرحيم" بوصفه مصطلحاً شائكاً في الواقع، مشابهاً ومقابلاً لهذا المصطلح الإلكتروني). هؤلاء القراصنة قد يجمعون تناقضات في "مبادئهم"، فهم الذي يؤمنون بديموقراطية المعلومات ولا يؤمنون بأي نوع من الرقابة على الإنترنت (التي احتُفل بيومها العالمي الثلاثاء)، قد يُستخدمون في الوقت عينه كأداة لصالح الدول.
 
في الفترة الأخيرة، سطع نجم الشاب المصري الباحث في أمن المعلومات، محمد رمضان، بوصفه "قرصاناً أخلاقياً" ساعد عدداً من الشركات، مثل "فايسبوك" و"تويتر"، على سدّ ثغرات تقنية في أنظمتها. شكرت إدارتا موقعي التواصل الاجتماعي، رمضان، على مساعدته. وفي الحقيقة، كان لا بد للشركتين من شكر رمضان وتكريمه. هذا الفعل (الشكر أو التكريم) متوقع تكراره في العلاقة بين "القراصنة الأخلاقيين" من جهة، وبين كبرى الشركات المعنية بتكنولوجيا المعلومات والحكومات، من جهة أخرى. وهذا الفعل، الموارب، المتأرجح بين القيمة الأخلاقية والنفعية، هو أحد أهم أسباب الالتباس في اصطلاح "القراصنة الأخلاقيين" وفي وجودهم. فمن مصلحة الشركات الكبرى، والحكومات، أن تجذب هؤلاء إلى صفها، أن تكرّمهم (مالياً، معنوياً)، وأن تساهم في إسباغ الصفة الأخلاقية عليهم، وتعزيز المصطلح الخاص بهم (الإيجابي، والمغري في هذا الزمن الذي تجف فيه منابع الأخلاق) تجنباً لمواجهتهم لاحقاً. وفي المقابل، لا يبحث "القرصان الأخلاقي" عن رد فعل "مثالي" أكثر من ذلك، وهو الذي يقوم بعمله للمتعة الشخصية، ربما، وأحياناً لدواعٍ قيمية أخرى قد يكون الديني ضمنها.
 
هكذا، يصبح "القرصان الأخلاقي" في مواجهة القرصان الإلكتروني "العادي"، ومضاداً له. فالأول، المدافع إلكترونياً عن مبدأ فرديّ حياتي (أو "أخروي"، ديني، كالحسنات، وضرورة فعل الخير)، غالباً ما يكون في صف الدفاع عن الشركة أو الحكومة. بينما الثاني، الذي يهاجم شركة ما، غالباً ما يكون مدافعاً عن مبدء جمعي، كمطالب الفقراء، أو الرغبة في إنهاء حرب، الخ (وهذا لا يلغي، بطبيعة الحال، قرصنة لمجرد المتعة).
 
وتزداد هذه المواجهة تعقيداً، بين نوعَي القرصنة، كما يزداد المصلح "الأخلاقي" شكليةً، بالتوازي مع الدور الذي تلعبه المؤسسات العالمية والشركات الكبرى والحكومات السياسية للتحكم في مسألة القرصنة، بوصفها أداة معاصرة مهمة لإثبات القوة، وحرباً مستقبلية، وبديلاً مفترضاً للحرب الواقعية. وتندرج تحت هذا الدور كل الإجراءات التي تتخذها المؤسسات العالمية لتنظيم عمل "القراصنة الأخلاقيين"، مثل تدريس المبتدئين منهم، ومنح الناجحين منهم وبعض المتميزين شهادات عالمية، تحدد هويتهم، وتساعد في ستخدامهم لصد هجمات إلكترونية أو تلافيها، إضافة إلى التعامل معهم، خصوصاً إذا ما تمردوا لاحقاً.
 
هكذا، سينقلب الفعل الأخلاقي، من دون علم بعض القراصنة الذين يمارسونه، إلى فعل مضاد في نتيجته. لقد صار أشبه بوظيفة أو مكافأة، تشبه المكافآت التي كان يمنحها ملوك لفرسان نبلاء يساعدون في حماية المملكة وصد الهجوم عنها وعن حكمها الذي قد يكون ديكتاتورياً ومتحكماً بحيوات أناس آخرين. وفي حين يعتقد "الهاكرز الأخلاقيون" بصواب ما يفعلونه، كعمل أخلاقي، فإن المؤسسات العالمية الكبرى (إلكترونية كانت أم سياسية) تستخدم هذه النيّة لمصالحها الخاصة، التي في أقل تقدير اقتصادي، ليست صافية وأخلاقية تماماً.
 
ليس مستغرباً أن يتمرد القراصنة الأخلاقيون، مستقبلاً، على المنظومة التي رُسّخ وجودهم فيها. قد يكون سبب تحولهم شخصياً، أو سياسياً، أو وطنياً، أو قومياً. قد يتحول كثير منهم إلى مجموعات لها أهدافها الوطنية أو القومية، عند الحاجة، ويعزز هذا الافتراض ضعف الشعور الكوزموبوليتي الالكتروني أمام أي شعور أو انتماء واقعي يملكه "الهاكرز الأخلاقيون".
 
الحروب الإلكترونية اللاحقة ستكشف إن كان ذلك خطأ أم صواباً.
  
 
هؤلاء قرصنوا مواقع الحكومة اللبنانية
 
ترى مجموعة "Raise your voice" (إرفع صوتك)، التي تضم عدداً من القراصنة اللبنانيين، أنْ لا فرق بين قرصنة أخلاقية وآخرى غير أخلاقية. ذلك "لأنك، في الحالتين، تخترق حساباً ليس لك حق وُلُوجه". المجموعة، وفي حديث إلى "المدن"، تقول إن المسألة الأخلاقية في قضية القرصنة، تنحصر في أسباب ودوافع القيام بها.
 
وحول علاقة القرصنة بالحكومات وبعض الشركات العالمية، تشير "إرفع صوتك" إلى أن هناك "العديد من الحكومات والدول (ومنها السويد والولايات المتحدة) التي قامت بتوظيف بعض الهاكرز لمصلحتها، لتفادي هجماتهم أولاً، ولاستغلال قدراتهم الممتازة على فك ألغاز البرمجيات المعقدة، والاختراق، ثانياً. وكذلك فعلت بعض الشركات حول العالم". لكن المجموعة، التي تنوه بأنها لا تنشط من أجل المال أو المنفعة، تقول إن توظيف بعض القراصنة من قبل الحكومات والشركات الكبرى "أمر نادر الحدوث"، إذ في إمكان هذه المؤسسات السياسية والتكنولوجية ملاحقة ومقاضاة المخترقين قضائياً.
 
تعتقد المجموعة بأن استمرارية القرصنة وتطورها، عالمياً وعربياً، يرتبط على نحو وثيق بالأوضاع السياسية. "كلما زاد القمع وكمّ الأفواه، كلما تكاثرت مجموعات القرصنة من أجل رفع الصوت ضد الظلم وضد سلب حقوق المواطن"، تقول. وهنا، تشير "إرفع صوتك" إلى انعدام الرابط بين نشاطها والسياسة، لكننا "نقوم بعملنا (كقرصنة بعض المواقع الحكومية) بوصفنا جزءاً من الشعب اللبناني الذي نعيش معاناته".
 
وفي هذا الإطار، تشير المجموعة إلى أن الأهداف الاستراتيجية والسياسية لمجموعات مثل "أنونيموس" تستحق الدراسة، "فهي مرتبطة بالواقع الجيوسياسي حول العالم، و"أنونيموس" تنشط ضد الحكومات والدول، وتعمل كميليشيا منظمة. نستفيد من تجارب هذه المجموعة كثيراً، رغم اختلاف أهدافنا".
 
المجموعة التي تعد "الشباب والعمال اللبنانيين بهدية يجدونها قريباً على مواقع حكومية لبنانية"، تقول إن نشاطها "السلمي" الالكتروني، يمثل الفعل الموازي لبعض الأفعال الجماعية الواقعية، الساعية إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية والمعيشية وقضايا حقوق الإنسان.
 

increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب