الجمعة 2013/07/05

آخر تحديث: 01:26 (بيروت)

القضاء كساحة للمهمشين

الجمعة 2013/07/05
القضاء كساحة للمهمشين
خلال تحرك هيئة التنسيق أمام قصر العدل (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
 هل يختزل دور المحامين في تطبيق القانون حصراً؟ ما هو دورهم في دفع المنظومة القانونية لتكون أكثر عدالة وأكثر إنصافاً للفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع؟ وهل من دور اجتماعي قد يلعبه المحامين على صعيد التغيير المجتمعي؟ هذا ما حاولت أن تبيّنه "المفكرة القانونية" عبر تنظيمها مؤتمراً تحت عنوان: "ثلاث تجارب رائدة للمحاماة في المناصرة للقضايا الاجتماعية من المنطقة العربية" مع محامين من مصر واليمن وليبيا نقلوا ساحة النضال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلى حلبة القضاء، وكانوا في الوقت عينه امتدادا لهذه الساحة.
 في لبنان لا يزال اللجوء إلى القضاء كحلبة لتظهير قضايا اجتماعية وكوسيلة لتعزيز حضور شؤون المواطنين، خاصة منهم المنتمين إلى فئات مهمشة، محدوداً نسبياً مقارنة مع التجربة المصرية مثلاً. هذه التجربة عبدها أمثال من يلقب بالمحامي "القديس" أحمد نبيل الهلالي وأحمد شرف الدين الذين انتزعوا معاً واحدة من أهم الأحكام في تاريخ الطبقة العاملة المصرية وهو حق العمال في الإضراب بعد أن كان مجرّماً، في القضية المعروفة بإضراب سائقي القطارات. لتنشأ بعد ذلك في مصر العديد من المنظمات الحقوقية للدفاع القانوني كـ"مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان". ومن ثم "مركز هشام مبارك" ومركز "النديم لمناهضة التعذيب" و"المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" وغيره. 
وتشكل التجربة المصرية، التي عرضها المحامي في "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" والمرشح السابق للرئاسة المصرية خالد علي، مثالاً شديد الأهمية على الدور الذي تلعبه المناصرة الحقوقية في مجال القانون في وضع مداميك أساسية للتغيير في المجتمع، خاصة "في ظل النيوليبيرالية الاقتصادية وتوحشها في استغلال العمال والفقراء" على حسب ما يقول خالد علي لـ"المدن". مضيفاً: "لذلك فإن صعود المحامين الاجتماعيين مرتبط بتأثرهم بمشاهد الظلم والقهر الاجتماعيين الناتجين عن النمط الاقتصادي القائم، محاولين بدورهم التأثير عليها وتغييرها". وتبقى أساليب المناصرة القانونية "واحداً من وسائل المقاومة للنظام القائم التي على التيارات السياسية والحقوقية اعتمادها" على حد قول علي. 
ويبقى الهدف الأساسي من المناصرة القانونية، بالإضافة إلى رفع الظلم عن أفراد أو مجموعات، وانتزاع أحكام أو إرساء مبدأ قضائي، هو بتأجيج الصراع الاجتماعي وبالدفع بالحراك المجتمعي إلى الواجهة. فعرض خالد علي لعدد من القضايا، التي عمل إلى جانب العديد من المحامين والباحثين والمنظمات الحقوقية عليها، ومنها قضية وقف خصخصة "الهيئة العامة للتأمين الصحي". وذلك بالإستناد إلى مبدأ الحق الأساسي للإنسان بالصحة، وتحت عنوان "الحفاظ على الطابع الاجتماعي للخدمات الاجتماعية". إلى ذلك يعطي خالد علي مثالاً على كيفية تحول حكم قضائي إلى مطلب ترفعه حركات اجتماعية، كالحكم الذي أصدرته المحكمة على خلفية دعوى رفعها أحد العمال لوضع حد أدنى للأجور في مصر العام 2010، والذي كان قد شهد آخر تحديد له العام 1985 بقيمة 35 جنيه! حكم ولدت على أثره حركة اجتماعية وسياسية وتلقفته الحركة العمالية وأصبح عنواناً أساسياً في كل تحركاتها ما قبل الثورة واثناءها.
إلى التجربة المصرية، عرض المحامي عبد الحفيظ غوقة من ليبيا لقضية مفقودي سجن أبو سليم. حيث تم انتزاع حكم قضائي "تاريخي" بإلزام الدولة بكشف مصير حوالي 1260 سجيناً قتلوا في عهد القذافي. وشرح غوقة كيف أن هذه القضية شكلت رافعة لتحركات قام بها أهالي المفقودين والتي مهدت برأيه لقيام لثورة "17 فبراير 2011". 
أما أحمد سيف حاشد وهو نائب مستقل وقاض سابق يمني، فعرض قضية جرحى الثورة، الذي انتزع فيها إلى جانب محامين حكماً قضائياً بتحمل الدولة مسؤولية علاج مصابي الثورة، والتي تحولت بدورها إلى قضية رأي عام.  
 المؤتمر يسلط الضوء على واحدة من الوسائل التي تمد الحركات الاجتماعية بأداة للتغيير، أي الساحة القانونية. ويأتي أيضاً ليغيّر النظرة النمطية إلى المحامين كمقربين من مراكز السلطة الحاكمة السياسية والاقتصادية، وكنخبة مفصولة إلى هذا الحد أو ذاك عن المشاكل والأزمات الاجتماعية أو المستفيدة منها حتى.. وليظهر أنه يمكن للمحامين أن يشكلوا محركاً فعالاً للحركات الاجتماعية التغييرية والمطلبية. "هؤلاء المحامون، وغيرهم العديدين، اختاروا الانخراط في الدفاع عن قضايا اجتماعية وسياسية واضعين خبراتهم القانونية والمهنية والتنظيمية في خدمة أهداف عامة تتخطى الملف الواحد أو الموكل الواحد"، على حد قول المحامي في "المفكرة القانونية نزار صاغية، محولين كل قضية إلى فرصة لعرض وشرح أطروحتهم السياسية بما تتضمن من نقد وفضح لسياسات النظام الذي نحكم بموجب قوانينه. هؤلاء المحامون ساهموا بنقد النظرة السائدة لدورهم، مبينين عن وظيفة مهمة لهم كمعنيين في عملية التغيير، كداعمين لها أحياناً وكصانعين لها في أحيان أخرى. 
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب