السبت 2013/07/27

آخر تحديث: 22:37 (بيروت)

الجسر يضيق بلاجئيه

السبت 2013/07/27
الجسر يضيق بلاجئيه
سكان جسر الكولا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
 تحت جسر "الكولا" يفترش العديد من العائلات السورية الأرض. وبينما تروج ماكينات المؤسسات الأمنية والوزارات المختلفة وبعض الإعلام بأن جل العائلات من "البدو" و"النور" ممن "يستغلون حالة اللجوء السوري"، وكأن بذلك مبررا للتطهر من أي مسؤولية تجاههم، نجد بين العائلات من قدم من اللاذقية وحلب وحتى من باب التبانة في طرابلس ممن هجروا من قراهم قسراً ليحطوا رحالهم في تلك المنطقة. عائلات، بشيبها وشبابها، بأطفالها ونسائها، حزموا معهم قصصا لمآس إنسانية كبيرة ليتقاسموها تحت جسر واحد. 
منذ أسبوعين فقط، كان المئات يفترشون الرصيف تحت الجسر. بـ"مساع" من بلدية بيروت، وبالتنسيق مع القوى الأمنية تم إخلاء المنطقة. ما خلا وافدين جددا وبعض العائلات، التي تتحايل على دوريات الأمن، لتقتنص بضع ساعات من الراحة تحت الجسر قبل أن يتم طردها، لتعود للمبيت مجدداً. 
ظاهرة التشرد تحت جسر "الكولا" ليست بجديدة، فالعديد ممن اعتاد المرور في المنطقة يتذكر جيداً الرجل الخمسيني الذي اتخذ لسنوات من الجسر منزلاً له، وكان يرفض الانتقال لمأوى العجزة لعزة في نفسه، كما كان يردد. اليوم تحول الجسر إلى مأوى للعشرات من الأفراد والعائلات السورية بفعل استمرار تدفق اللاجئين إلى لبنان. وبحسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، بلغ مجموع عدد النازحين السوريين الذين يتلقون المساعدة من المفوضية وشركائها أكثر من 604000 شخص (أكثر من 517000 شخص مسجلين و87000 شخص في انتظار التسجيل). ويتوزع السكان المسجلون حالياً في شمال لبنان 35%، في البقاع 34%، في بيروت وجنوب لبنان 18% وفي جنوب لبنان 13 %.. ولكن، من يعيش تحت جسر الكولا لم يتم تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، ولم يروا من الدولة اللبنانية سوى أذرعها الأمنية التي تعمل على طردهم من المكان. 
"أقل ليلة بالأوتيل 40$، من أين آتي بهم؟ الدرك يلاحقوننا وكأننا مجرمون. فأين تذهب الناس؟" يسأل محمد، أحد لاجئي جسر الكولا. بجواره يجلس نصّوح الذي قدم مع أحد عشر من أولاده من اللاذقية إلى الكولا منذ يومين، بعد أن فقد مصدر رزقه. فقد كان يعمل في صناعة أطقم الأسنان "من الكروم والبلاتين" يقول. مهنة ورثها عن أبيه. "كان عليّ مغادرة سوريا، فهل أطعم أولادي ترابا؟" يسأل القادم للمرة الأولى إلى لبنان. لم يكن بمقدور نصّوح دفع إيجار غرفة تأويه. بحث في منطقة "الأوزاعي" فوجد أن مقابل "غرفة تتسع لمرحاض" توجّب دفع 300$ شهرياً"، فإذا به وعائلته يتخذون من الرصيف ملجأ. "لو بقي لي عمل في سوريا لبقيت. فاليوم يعز علي أن أترك ذقني هكذا دون حلاقة. اعتدت حلقها يومياً. يجلس نصوح طول النهار تحت الجسر. لا يستعطي أحدا، لكن كل ما يطلبه أن تهتم الجهات المعنية من مؤسسات وحكومة وأمم متحدة بأولاده.  فتلك العائلات تشكو بأغلبها الإهمال، ويردد معظمها أنه، وبعكس ما صرح به وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور عن رفض مزعوم ومسبق للعائلات لأي نوع من المساعدات، لم يزرهم أحد من الجمعيات والهيئات الإغاثية. 
صباح مثلاً، التي قدمت من الشام منذ 7 أشهر، وتتخذ من جسر الكولا ملجأ لها منذ ثلاثة أسابيع، لا تملك سوى قطعة كرتون لتجلس وتنام عليها. فهي لا تستطيع الحركة بسبب شلل أصاب رجليها، ويدها اليسرى. فوجدت بالعائلات السورية المهجرة، من يؤنسها، ويخفف من ألمها، ويعينها بمصابها. محمد، جارها، يحرص على مساعدتها بالانتقال إلى حمام موقف سيارات مجاور. لا تريد صباح سوى إمكانية المشي مجددا، وذلك يتطلب 50 جلسة علاجية وفق ما أفادها طبيب في إحد مستشفيات بيروت، لا تملك من كلفتها شيئا "ما بدي تصح إيدي، بدي بس أمشي، لكي لا أبقى عالة على المجتمع"، تقول. 
إلا أن المرض أقل ما يشكوه هؤلاء. فقد تردد على أكثر من لسان تعرضهم لهجمات من قبل "زعران" وسرقة تحت تهديد بالسكاكين ما يجمعه بعضهم من بضعة آلاف ليرة خلال اليوم أو ما يوزعه عليهم بعض من المتعاطفين من مواد غذائية. "إلى من نشكو؟" يسأل محمد ويضيف "نحن عالقون بين الزعران والملاحقة الأمنية". 
مصدر في بلدية بيروت يقول لـ"المدن" أن القوى الأمنية عمدت إلى نقل السوريين تحت الجسر الممتد من "الكولا" إلى سليم سلام إلى مركز يجمع اللاجئين السوريين في عاليه"، من دون أي معطيات إضافية. ويشير المصدر إلى أن دوريات قوى الأمن الداخلي تعمد إلى منع أي تجمعات إضافية في المنطقة.  
حتى غبار أرصفة الجسر وترابه ضاقت على اللاجئين السوريين في لبنان. 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب