الخميس 2013/06/27

آخر تحديث: 00:09 (بيروت)

مستشفى الحريري يحتضر

الخميس 2013/06/27
increase حجم الخط decrease
دخل إضراب العاملين في مستشفى رفيق الحريري الجامعي أسبوعه الثالث على التوالي. هذا الإضراب الذي يحدث في واحد من أكبر مستشفيات بيروت، والذي يستقبل الآلاف من المرضى شهرياً، لم يشغل بال الحكومة، ولم تجد فيه ما يستدعي التدخل العاجل للنظر بشكاوى العاملين. طبعاً، صحّة فقراء البلد ومحدودي الدخل  لم تكن يوماً على جدول الأولويات الوطنية للحكومة الحالية أو السابقة أو تلك التي سوف تأتي. ولا شك أن العديدين يجمعون على أنه لو استطاع واضعو السياسات، خصخصة كل المستشفيات الحكومية، لما ترددوا لحظة كي يزيحوا عن كتفهم همّ تمويلها، وهمّ مرضاها والعاملين فيها على حد سواء. 
إذن، يحجم 1150 موظفاً وموظفة في مستشفى الحريري عن إستقبال المرضى، باستثناء تلك الطارئة فضلاً عن قسم العناية، أي لحوالي 100 مريض فقط. إلى ذلك، توقفت العمليات بشكل كبير، وبادر الأطباء إلى تحويل مرضاهم للعلاج في مستشفيات أخرى. العمال والعاملات يطالبون بحلول جذرية لمشاكلهم، فسياسة "الترقيع" التي تعتمدها معهم الإدارة لم تعد تجدي نفعاً. فإن كان المطلب الذي يرفعونه هو دفع أجورهم عند الأول من كل شهر، بدون تأخير، والحصول على كامل راتبهم عن شهر أيار الماضي بالإضافة إلى المفعول الرجعي للزيادة على الأجور التي أقرت العام الماضي. إلا أن تحركهم هذا كشف الكثير، لناحية حالة الإهمال التي وصلت إليها المستشفى على الصعد كافة. 
فالسؤال الذي يدور على لسان جميع المعتصمين هناك: إذا كانت مستحقات العاملين وأجورهم لا تدفع في موعدها، وإذا كانت بعض الأقسام، خاصة قسم غسيل الكلى، تشكو النقص في المواد الطبية، وإذا كان هنالك نقص في الصيانة لناحية الأجهزة والتهوئة وغيره، أين تذهب أموال المستشفى إذن؟ 
إنه "الفساد المالي والإداري" يسارع بعضهم إلى الإجابة. كما أن جزءاً كبيراً من الأموال التي تصل إلى المستشفى تذهب إلى سد عجزها، حالها حال خزينة الدولة اللبنانية! أما العاملون، غير المسؤولين عن هذا العجز، فيدفعون ثمنه تأخيراً في تقاضي رواتبهم ومستحقاتهم وحرماناً من حقوقهم البديهية. 
وبالإضافة إلى هذا الواقع، يوجد في المستشفى 450 متعاقداً، 250 منهم غير مسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، على الرغم من أن بعضهم يعمل في المستشفى منذ أكثر من 5 سنوات. منال (اسم مستعار) مثلاً، إحدى الممرضات المتعاقدات إلا أنها كانت من "المحظيين" ممن سجلوا في الضمان. غير أنها لا تستفيد سوى من تقديمات الاستشفاء من دون التعويضات العائلية وفواتير الدواء. 
 تعمل منال منذ ثماني سنوات ولا يزال أجرها عند حدود المليون ليرة لبنانية. "حقوقنا بالأرض"، تقول لـ"المدن". فالإدارة تحرمها وزملاءها وزميلاتها المتعاقدين من المنح المدرسية المستحقة منذ السنة الماضية. هذا وعمدت الإدارة في الشهرين المنصرمين إلى تقسيط أجورهم، المنخفضة أساساً، على ثلاث دفعات، فيما تأخر دفع أجر الشهر الماضي حتى الرابع والعشرين من الحالي، ومن دون دفع بدل النقل. 
"أشعر بالتعب"، يقول محمد (اسم مستعار). و"لم يعد بمقدوري احتمال هذا الوضع" يضيف. حاله كحال العديد من زملائه. فمحمد يعمل على نقل المرضى داخل المستشفى. وغالباً ما يضطر للعمل لدوامين متتاليين، تعويضاً عن النقص في الكادر والموظفين. فيما يشكو من أجره المنخفض، الذي لا يكفي بحسب قوله سوى "لسداد قيمة فواتير أساسية". 
إلى ذلك، تبلّغ ثلاثة من العاملين أن الإدارة تنوي صرفهم من العمل على خلفية مشاركتهم في الإضراب. ما أشاع موجة من الاستنكار في صفوف المضربين، مهدّدين بتصعيد التحرك احتجاجاّ. ورجحت مصادر العمال أن تكون الإدارة قد تراجعت عن هذا القرار، حين وصل إلى مسامعها رد فعل العاملين التضامنية تلك، مخافة أن تزيد أزمتها تعقيداً. 
إلا أن العاملين لا يخفون محاولات الإدارة الحثيثة لضرب تحرّكهم وكسر وحدتهم عبر استعمال الأساليب المعهودة من ترهيب وترغيب. فبالإضافة إلى التهديد بالصرف، عمدت إلى ترقية البعض من القيّمين على الإضراب بهدف شق صفوف المضربين. كما لجأت إلى سلاح الطائفية للغاية نفسها، موحية أن أسبابا سياسية وطائفية ضيقة تقف وراء التحرك هذا. فيما ينفي العاملون التهمة، مؤكدين على وحدتهم، "فالجوع لا يعرف طائفة"، يقول أحدهم. 
وفي وقت سابق من يوم ألاربعاء، أصدرت إدارة المستشفى بياناً دعت فيه العاملين إلى استئناف عملهم بعد تعهدها بدفع بدل النقل والتعويضات العائلية، فور استكمال تدوير الإعتمادات من قبل وزارة المال، وذلك بعدما دفعت الإدارة كامل أساس رواتب العاملين عن شهر أيار الماضي. ويقول البيان أن العاملين يتقاضون رواتبهم وتعويضاتهم من شهر آب 2012، مضافاً إليها زيادة غلاء المعيشة الأخيرة، ولم يتبقّ لهم متأخرات سوى فروقات ستة أشهر فقط لا غير، وقد تعهدت الإدارة بتقسيط هذه المبالغ على ستة أشهر ابتداء من الشهر المقبل. كما تتعهد الإدارة بتأمين رواتب شهر حزيران 2013، وبدل النقل والتعويضات العائلية عن شهر أيار الماضي. في كل الأحوال، مصادر العمال لا تتوقف عن ترداد عبارة واحدة: تحركنا مستمر إلى حين وفاء الإدارة بالتعهّدات التي قطعتها. 
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب