الخميس 2013/05/23

آخر تحديث: 04:52 (بيروت)

مطالب تحت الرصاص

الخميس 2013/05/23
مطالب تحت الرصاص
عمال شركة "فال" يعرضون مطالبهم (المدن)
increase حجم الخط decrease
أبى العمال اليوم الخميس أن تكون الكلمة النهائية لصوت الرصاص المتراشق بين الميليشيات وزعمائها العازفين على وتر التحريض الطائفي شمالاً وجنوباً. فقد شهد اليوم اعتصامين عماليين مطلبيين. أولهما إضراب عمال مصلحة الميكانيك التحذيري للمطالبة بضمان ديمومة عملهم. ثانيهما اعتصام هيئة التنسيق النقابية التحذيري أيضاً، ضد الاقتتال الأهلي ومن أجل إحالة سلسلة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب. ولا شك أن هذين التحركين يكتسبان أهميتهما كونهما يأتيان في ظل حالة العنف المسلّح في الشمال التي يذهب ضحيتها فقراء المنطقة أولاً وآخراً. الإعتصامان، في رمزيتهما، كما لو أنهما جاءا ليوصلا رسالة مفادها أن عمال لبنان لن يقبلوا أن يكونوا وقوداً في معارك من عمل لسنوات على وضع سياسات اقتصادية هدفت إلى إفقارهم وتشريدهم. 
فقد شهدت مصلحة معاينة السيارات إضراباً جمع الفروع كافة في الزهراني والحدث وزحلة وطرابلس. تحرك جامع إذن، هو الذي نفذه 400 عامل في الميكانيك تحت مطلب واحد: "الدفاع عن ديمومة العمل". فالعمال جميعا يعيشون حالة من القلق على مصيرهم ومصير عائلتهم، بعد ان أبلغتهم الشركة المشغلة لهذا المرفق العام وهي شركة "فال" السعودية، بقرار إنهاء جميع عقود العمل المبرمة معها ابتداء من 30 حزيران 2013 (مدّد لاحقاً إلى 31 تموز)، بسبب انتهاء عقدها مع الحكومة اللبنانية. "ماذا سيحصل لنا بعد هذا التاريخ؟"، يتساءل العمال. إدارة الشركة ترد بأنها بعد تموز لن تعود مسؤولة عنهم. إذن، مصيرهم وعائلاتهم يبقى معلقاً في الهواء. يشبّه العمال قرار الشركة بـ"الفرمان العثماني المسقط"، الذي يهدف إلى إعادة توزيع الحصص والمكاسب على حسابهم وحساب حقهم بديمومة العمل. 
وزارة العمل، من جانبها، اعتبرت هذا القرار إساءة لاستعمال الحق وأن عقد العمل ليس عقداً محدود المدة، وبالتالي فإن الصرف يصبح تعسفياً. كما اعتبرت أن المادة 60 من قانون العمل تنطبق على هذه الحالة، كونها تشير إلى استمرارية العقود بكامل مفاعيلها إن مع الشركة الحالية أو أي مستثمر جديد أو مع الدولة. إلا أن ما يقلق العمال هو "الصمت المريب" بحسب تعبيرهم من قبل الحكومة لوقف تشريد 400 عامل. فالحكومة لم تعمد حتى اللحظة إلى إعداد دفتر الشروط الذي على أساسه يفترض أن تقام مناقصة لشركات جديدة.  شدد العمال على أن اعتصامهم اليوم هو اعتصام تحذيري، لن يلبث أن يتصاعد ليصبح بحجم لا مبالاة الحكومة والتهرب من المسؤولية التي قوبلوا بها من قبل المعنيين. 
انتقالاً إلى رياض الصلح، وتحديداً أمام السرايا الحكومية، نفذت هيئة التنسيق النقابية اعتصاماً رمزياً. والمفارقة أن الهم الأساسي الذي غلب على كلمات قيادات الهيئة هو الهم الأمني، ليضاف إلى الهم الاجتماعي الذي يقلق ما يزيد عن مئتي ألف عامل في الإدارة العامة وقطاع التعليم الخاص والرسمي.  رفع المعتصمون مطلب إحالة سلسلة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب، إلى جانب مطلب الوحدة في مواجهة "الفتنة الطائفية والمذهبية والاقتتال والاحتراب". هكذا قال النقيب نعمة محفوض: "لن نسمح بجر لبنان إلى حرب جديدة، فالحكومة مسؤولة عن القرار السياسي لإعطاء الأوامر للقوى الأمنية بضبط الوضع الأمني وإلا سيكون لنا موقف كبير، كهيئة تنسيق ومجتمع مدني". ولفت إلى أن "الحفاظ على الوضع الأمني من ضمن مهمات حكومة تصريف الأعمال". وطالب المسؤولين بتقديم "شرح للشعب اللبناني عن أسباب عدم إحالة السلسلة، وإبقائها في الأدراج"، محملاً إياهم "مسؤولية تعطيل الإدارة العامة وشل البلد". كما حملت كلمتا رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر ورئيس رابطة الأساتذة في التعليم الثانوي حنا غريب المضامين نفسها. هذا الأخير وجه دعوة "إلى الشعب اللبناني وهيئات المجتمع المدني والجمعيات والنقابات والاتحادات والأحزاب، إلى اخذ المبادرة، كل من موقعه، والتحرك بالنزول إلى الشوارع والساحات في المدن والأحياء والقرى والبلدات وكل الطرقات وأمام المدارس والوزارات والتجمع تحت عنوان: لا للحرب الأهلية، لا للفتنة المذهبية والطائفية، نعم لوحدة لبنان".
لعبت هيئة التنسيق النقابية في السابق دوراً، من خلال تحركاتها الجامعة، في مواجهة السياسات التقسيمية والتفتيتية على أساس مذهبي وطائفي. وجاء اعتصامها اليوم استكمالاً لهذا الدور. نجحت الهيئة خلال المرحلة السابقة في فضح تهافت الخطاب الطائفي بما هو خطاب تعتمده السلطة الحاكمة لتقسيم العمال وإبعادهم عن مواجهة من يسرقهم، مهما كانت الطائفة التي ينتمون لها. وهي مطالبة اليوم، لا بتحييد مطلب السلسلة ومن خلفها مطلب العدالة الاجتماعية، بل طرحه بشكل أقوى من أي وقت آخر، على اعتبار أنه المطلب الموحد للشغيلة كافة والعابر للمناطقية والطائفية، ولكونه المطلب الذي يسحب السجادة من تحت أقدام قوى الأمر الواقع التي لطالما وضعت اللبنانيين أمام خيارين أحلاهما مر: إمّا السكوت عن أي مطلب بالإصلاح الاقتصادي الاجتماعي أو الحرب الأهلية. ولذلك آن أوان رفض هذه الثنائية واعتبار إحقاق العدالة الاجتماعية ومواجه الطائفية وأسلحتها الدموية، أساس الأمن والأمان.  
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب