الجمعة 2016/07/01

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

لاعب اللوتو: أي نوع أنت؟.. وحظك؟

الجمعة 2016/07/01
لاعب اللوتو: أي نوع أنت؟.. وحظك؟
كيف يربح مَن يسحب مرةً واحدة، ويخسر مَن سحب آلاف المرات؟"
increase حجم الخط decrease
بعد توطئة سلسلة "لنلعب"، والحلقة الأولى منها عن "لعب العرب" لأحمد تيمور باشا، هنا، الحلقة الثانية، عن اللوتو.

يصل عدد لاعبي اللوتو في لبنان إلى أكثر من 800 ألف، خصوصاً حين ترتفع قيمة الجائزة الأولى، وتتعدى المليارين. هؤلاء ينتظرون مساء كل إثنين وخميس، ليعرفوا نتيجة مشاركاتهم، وليقفوا على حظوظهم، التي لكي يكون بعضها حسناً، ويؤدي إلى الفوز، على بقيتها الغالبة أن تكون سيئة، وتؤدي إلى الخسارة. فللمصادفة والنصيب في اللوتو وطأتهما، إذ يستأثران باللعبة، ويحملان ممارسها من فعل السحب إلى ترقب منتهاه قبل تحوله إلى فائز أو خاسر. وعلى طول هذا المسار، يواظب، لا سيما عند "تتكيس الشبكات"، إلى تحدّيهما، وجعل رهانه على الأرقام، التي يختارها من 1 إلى 42، مضموناً، كما لو أنه متأكد من إصابته. فاللوتو تشير إلى سُبل التصرف مع الرجحان والإمكان، وكيفيات تركهما على وقعهما أو التخفيف منه.

الوقاية في العشواء
في أثناء اختيار الأرقام من الشبكة، يعمد اللاعب إلى تفضيل ستة منها، وفي خاطره، أمنية الربح. إلا أن تحقيق بغيته هذه هو عرضة لحظوة الطالع، فيقرر إنتقاء أرقامه بطريقةٍ، يعتقد أنه، ومن خلالها، يغلبه. إذ يتوجب عليه، وهذا أول شرط من شروط لعبته، أن يصطفي في الفوضى، وأن يجد توازنه داخلها، منصرفاً منها بأعداده، التي يعكف على تشطيبها. بهذا الفعل، ينقلها من مجموعة مبعثرة ومتفرقة إلى مجموعة مرتبة ومنتظمة، معتزماً تهدئة فوضاها واضطرابه حيالها. لكن، من المتاح له ألا يقدم على هذه الخطوة بذاته، بل أنه يطلب من مراكز اللوتو، أو ماكينتها، اختيار أرقامه عشوائياً، فلا يجهد في تلقي فوضاها، ولا في الإنصراف منها. وعندما يضع العشواء في مواجهة الحظ، تبدو الأولى، وبحسب اللغة العربية، هي الليل، التي تقيه من نهار الثاني، بحيث أنه يختفي من أمامه، وبذلك لا يسمح له ببلوغه، وإضاءة القلق الذي يعتريه.

لما يصمم اللاعب على الاختيار العشوائي، يحتاط من تحدّي طالعه، ويتلافى استئثار المصادفة به، كما لو أنه يسمح للأرقام تفضيل نفسها بنفسها، حتى تستقر على المطلوب منها. ولاحقاً، عندما لا تحمله إلى الفوز عبرها، ستأتي نتيجتها هذه خفيفة، ولن تستحيل موضوعاً لحسرته: "لقد سحبت الأرقام عشوائياً، فإذا خسرت، لن أشعر بالضيق، لأنني لم أكلف نفسي عناء التشطيب حتى". فهو ليس مسؤولاً عن عاقبة لعبته، لأنه، بالأصل، ليس مسؤولاً عن الشروع فيها. غير أنه، في وقت آخر، قد يصّر على اختيار الأرقام بذاته، مراهناً عليها، وعلى بخته، ولهذا السبب، ينتقيها على إجراءات أخرى.

تسكين التاريخ المقبل
قبل أشهر قليلة، فاز المدعو أنطوان عقيقي بجائزة اللوتو الكبرى. أطلّ على التلفزيون، وتحدث عن كون الأرقام، التي اختارها وربّحته، هي الأرقام ذاته التي واظب على انتقائها منذ عام، أي منذ المرة الأولى لخوضه اللعبة. كما صرح عقيقي بأنه اصطفاها بالإنطلاق من تواريخ محددة، كتاريخ عيد ميلاده مثلاً. من هنا، ينجلي واحد من إجراءات التشطيب، وهو ربط الأرقام الستة بأرقام غيرها، لا تحضر كأعداد بل كعلامات وقتية على واقعاتٍ أو حادثات، كانت قد جرت في المُعاش، كيوم الولادة، وشهر الحب، وسنة الفقدان إلخ. وبـ"تأكيس" أرقام اللوتو بالعطف على تلك العلامات، يرغب اللاعب في التباري مع حظه المجهول بمصيره المعلوم، فيأخذ إشارات من تاريخه السابق كي يتقدم عبرها في تاريخه المقبل، كأنها تسكّنه أمام الغيب، وتجعله ثابتاً في إزاء غموضه.

وإذا كان التطشيب العشوائي للأرقام يعني الإختباء في الليل من نهار الطالع، فالتشطيب الذي يقوم بإرجاع أرقام الشبكة إلى أرقام المُعاش يعني الإعتصام بنهار التاريخ السالف- ومحوره الواقعات، لمجابهة ليل التاريخ الآتي- ومحوره الحظ. بعبارة أخرى، التمسك بالجليّ من أجل إطاقة المكنون. وفي الوقت عينه، يحاول اللاعب الكشف عن حظه بتضمينه أرقاماً مبينة وصريحة، كأنه يعتقد بأن بخته المبهم موجود ومستور في ماضيه البارز، وها هو يهيّء مجيئه، ويعدّ فوزه به. فحظه، بحسب هذا الإجراء، لن يصيب، يومي الإثنين والخميس، في حال لم تكن أرقامه عائدة إلى أيام خلت، وإن لم يكن متوارياً فيها.

الوفاء للموتى
ثمة، في هذا السياق، ضرب من ضروب الإستذكار لواقعات، واستنتاج أرقامها، وتسهيل الحظ بها، كي لا يكون عاثراً. على أن هذا الإستذكار قد يستحيل استحضاراً لأشخاص، وليس لأحداث، بحيث أن اللاعب لا يختار أرقامه، بل أن هم الذين يهبونه إياها. وهؤلاء ليسوا سوى الراحلين، الموتى، الذين يقطنون بين الجليّ والغيب، بين التاريخ السابق والتاريخ المقبل، فيطلعون له في الحلم على سبيل المثال، ويعينونه على تشطيب أرقامه وتحديدها.

على وقع اللعب مع الحظ، الموتى يظهرون من جديد، كي يؤدوا دور المساعد والكاشف، خصوصاً أنهم على صلة بعالم الغيب والمجهول. بفعل اللعب، يقتربون من عالم الأحياء، ينتقلون إليه، لكي يعطوا أرقام الحظ لممارسه. هذا ما عبّر عنه فيلم لماريو مونيتشيلي بعنوان "توتو وملك إيطاليا"، إذ أن خلاله ينتحر البطل من أجل الإنتقال إلى عالم الموتى، حيث في مقدوره أن يكشف عن أرقام اللوتو الرابحة قبل أن يظهر في حلم زوجته، طالباً منها اختيارها، علّ أسرته تضحي ثرية.

ولكي لا يمكّن المصادفة منه، يستعين اللاعب بموتاه، الذين يُهدونه الأرقام، فيرد لهم الهدية باختيارها، والرهان عليها. وعليه، يعطونه حظه من عالمهم، ويعطيهم حضورهم من عالمه وفيه، والفعلان يتجسدان في التشطيب أو السحب. فللموتى، هنا، دور الواهب، الذي قد لا ينتظر من الآخذ أن يعطيه أي شيء سوى إثبات هبته: "خذ حظك، وأكّده". طبعاً، قد لا يصيب هذا الحظ، لكن هذا لا يغير في معنى الهِبة. بل إن متلقيها، أي اللاعب، يعاود كرتها، ويواظب على سحب أرقامها مرة تلو المرة، كأنه يعلن وفاءه المستمر لموتاه، فتكرار اللعب هو بمثابة إخلاص لعودتهم.

إرجاء العاقبة
بالإضافة إلى الإصطفاء العشوائي، والإستذكار، والإستحضار، هناك، إجراء آخر، يمارسه بعض لاعبي اللوتو، وهو شراء أكثر من شبكة، وتشطيب أرقامها. فبالإكثار من الأرقام المختارة، يحاولون الإمساك بأرقام الحظ الرابحة، ومطابقة أرقامهم معها. ومع ذلك، يبقى الحظ أقوى من كل إجراءات لَجمه ومعرفته قبل وقوعه. فنافل القول ان تعدد احتمالاته، وانعدام القدرة على توقعها، هو سمته الأساس، التي تحمل عدداً من اللاعبين على إدمان السحب من أجل الوصول إلى نتيجته قبل حينه. لكن الحظ ليس في المتناول، كما أن "تجريبه" مرة تلو المرة، قد لا ينم عن نزوع إلى اللعب معه، بل عن ضروب من الهجس في نتيجته فقط: "أسرف في اللعب بغاية الربح". إلا أن هذا الإسراف يعطل اللعب، ينهيه، مثلما يختزله بالفوز والخسارة. فلاعب اللوتو، الذي يحقق شروطها، هو الذي يعمد إلى إجراء الحظ كي يرجئ محصلته، وليس من يعمد إلى إجراء الحظ كي يبلغ نهايته فقط.

ذات مرة، سمع أحد الأصدقاء أن أحدهم فاز بجائزة من جوائز اللوتو، مع أنها كانت المرة الأولى التي يسحب فيها شبكةً ويشطب أرقاماً منها. سمع الصديق هذا الخبر، فغضب، صارخاً: "أين العدالة؟ كيف يربح مَن يسحب مرةً واحدة، ويخسر مَن سحب آلاف المرات؟". بديهي القول ان صرخة الصديق هذه مضادة للوتو، التي لا عدالة ولا ظلم فيها، بل هي تمرين على المجازفة، وعلى التصرف مع الحظ والمصادفة الذين يقعان بين الـ"تأكيس" ونتيجته. فبينهما يتدرب اللاعب على أن يستحيل فائزاً بأمر وحيد: عندما يخونه الحظ، يبادله الخيانة، وذلك، بسرور ومرح.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها