الخميس 2014/10/16

آخر تحديث: 15:12 (بيروت)

ماذا يفعل الأدب المصري الآن؟.. لا شيء اسمه رسالة

الخميس 2014/10/16
ماذا يفعل الأدب المصري الآن؟.. لا شيء اسمه رسالة
يوسف رخا: الأدب بطبيعته يثير الأسئلة، إنما من طريق التقدير الجمالي (غيتي)
increase حجم الخط decrease

هل يختلف الأدب في المرحلة التي تشهدها مصر حالياً؟ وهل يجب على الأدب أن يكون له دور سياسي بصفته منتجاً ثقافياً، خصوصاً في حين تغلي السياسة بتقلبات تاريخيّة؟ استهلكت هذه الأسئلة خلال السنوات الأخيرة، لكن الفترة الراهنة، شديدة التقلب، تطرحها علينا باستمرار وبشكل جدي. أخذت "المدن" آراء روائيين مصريين أربعة، في محاولة للنظر إلى الاحتمالات القائمة بين الأدب والسياسة، بين الأدب والواقع. 

مصطفى ذكري، الكاتب الذي يمثل النموذج الأسطع عربياً في عزل الأدب عن الواقع والسياسة منذ كتابه الأول "تدريبات على الجملة الاعتراضيّة" الصادر في 1995، اتجه مؤخراً إلى الكتابة السياسية المباشرة عبر "فايسبوك"، ثم طوّر تلك الكتابة إلى مقالات أدبية – سياسيّة. وعن هذا الاهتمام المفاجئ بالسياسة، يقول "إن الخطر المتمثل في الإرهاب والإسلام السياسي والتقسيمات في المنطقة، يطاول حياتنا الشخصية بل وصل إلى عتبة درانا"، معتبراً أن التحرك الكتابي هو تحرك للدفاع عن النفس. لكنه يوضح رفضه القاطع، مع ذلك، لفكرة دور الكاتب والمثقف في الدفاع عن قضية ما، يعتبر أن تناوله للخطاب السياسي يتم رفعه بخطاب أدبي حتى يكون ذا عمق. فهو حين يكتب الهجاء السياسي، يحاول أن تكون الكتابة مركبة وأبعد من اللحظة الراهنة. ويضيف أنه ليست عنده مقدسات أو دوغما، ولا يخاف أن يترك قناعات (جمالية) كبيرة. فحين يكتب مقالات سياسية يقدر أن يفرق بينها جمالياً ويصطفي منها ما يرضيه.

يوافق ذكري، الروائي محمد علاء الدين، الذي أصدر أخيراً رواية "كلب بلدي مدرب"، والتي تتحدث عن شاب يكسب قوته من كتابة القصص الإباحية على الإنترنت ويتورط مع مجرمين في قصة درامية، ويعتبر أن الأدب ليس له أي دور اجتماعي أو سياسي مقصود من الكاتب، بل الطبيعي أن الظروف التي يعيشها الكاتب ورؤيته للعالم تتسرب من خلال كتاباته، من دون أن تكون رؤيته للعالم تعني الدوغما أو الأحاديّة، أو أن تكون الآراء المكتوبة هي رأيه الشخصي تحديداً. أما عن شكل الأدب المصري في الفترة الراهنة، فيرى أنه سيتضح في المستقبل القريب، ويضيف علاء: "إننا محكومون الآن بأجواء ديكتاتورية قعمية وفي هذه الحالة يتجه الأدب عادة إلى الكتابة الرمزية، أو من ناحية أخرى إلى الواقعية الاشتراكية الفجة".

هذه النظرة توافق عليها، بتشاؤم، الكاتبة إيمان عبد الرحيم، التي تعمل الآن على روايتها الثانية، بعد روايتها الأولى "الحجرات" التي صدرت العام الماضي وذُكرت فيها الثورة ذكراً عابراً. وتقول "إن الوضع الحالي سلبي على الأدب بطريقة ملحوظة، فالرقابة منعت نشر كتاب لمفكر مهم مثل نصر حامد أبو زيد، وكتاب آخر للفيلسوف الفرنسي آلان باديو لأسباب غير واضحة، وهذا ما يجعلنا نقلق على الكتب والأعمال الأدبية التي قد تتناول النظام بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أوقف عرض فيلم "حلاوة روح" لأسباب أخلاقية، ما يدفعنا أيضاَ للقلق على مستقبل نشر الأعمال الأدبية التي قد لا تكون أخلاقية من وجهة نظر الرقيب". وتعتبر إيمان أن الأدب فن إنساني، "يشمل كل ما يتعلق بالإنسان وتفاصيل حياته، ونحن بذواتنا وشخوصنا التي نكتبها في الأدب، نتاج ما حولنا، بدءاً من المناخ، وصولأ إلى الإقتصاد والسياسة. وقد يظهر التأثير جلياً وواضحاً بصورة مباشرة، أو قد يكون، بشكل مبطن شديد التعقيد، متخفياً خلف تكوين الشخصيات". إلا أن إيمان تتفق مع ذكري وعلاء في أنها لا تصدق شيئاً اسمه "رسالة"، من منطلق أن لا أحد يقدر أن يعرف كل شيء، أو حتى يعرف نفسه بما يكفي من يقين، حتى تكون له رسالة حول أي شيء ويحاول أن يوصلها لغيره. وإن كانت هناك واحدة، فستكون الرسالة هي شخوصها التي تعكس ما يدور من حولها.

ويرى الكاتب والشاعر يوسف رخا، الذي ستصدر له رواية قريباً تدور حول فترة الثورة المصرية، يقوم فيها البطل في أحد الفصول بالتعذيب البدني والنفسي لأحد شباب الثورة، أن الأدب بطبيعته يزيد الوعي ويكسر الأفكار المتحجرة ويثير الأسئلة، ليس بشكل مقصود بل من طريق التقدير الجمالي، كما لروايته الجديدة "باولو" مثلاً أن تدفع قارئها إلى إعادة النظر في ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية. ويفرّق رخا بين تعريفين لمصطلح السياسة وعلاقتهما بالأدب. فهناك السياسة بالمعنى المباشر الصريح، كالصراع على السلطة، ونظم الحكم، والنشاط الاحتجاجي، والخطابات التي تسمى في العادة سياسية، وهي مجرد موضوع في كتابته وليست هدفاً، ويقول رخا "إن رواية باولو تستعمل فكرة الانحياز السياسي كسياق أو كنموذج، كما يمكن أن تستخدم رواية أخرى الغرام كموضوع لها". أما التعريف الثاني، وهو المعنى الأعمق للسياسة بالنسبة إليه، فهو مرتبط بمفهوم السلطة، وبتركيب القوى في المجتمع، ومن خلال هذا المعنى فإن "الأدب في حد ذاته موقف سياسي، بما له علاقة بالمنظومة القيمية، والقيمة بشكل عام، وعلاقته بالسيادة المرتبطة بدورها بالفرد وما يتصارع داخله". ويرى رخا ان "باولو" مجاز عن احباطه الشخصي في الثورة، لكنها تحليل سياسي لها بالمعنى العميق، بما لها من التعقيد والعمق في التعامل مع الوضع الانساني من جوانب الحياة والموت والجنس، إلخ.. والهدف في النهاية الذي يسعى إليه، هو عمل فني/أدبي يتعامل مع الواقع الذي يوجد داخله، ويتخذ موقفاً من الحياة ككل، وليس تعليقاً على الحياة السياسية المحدودة جداً، أي أن النص الأدبي لا يخدم مواقف اجتماعية وسياسية، بل تكون له السيادة على نفسه، ولا يخضع لسيادات خارجه، سواء كانت سياسية واجتماعية أو حتى وجاهة أو شهرة.

يبقي الأدب وعلاقته بالواقع السياسي والاجتماعي محل تأويلات فنيّة مختلفة، رغم رفض صيغ الرسالة والهدف ودور الأديب. ويظل سؤال الأدب مطروحاً في سياقات تاريخيّة مختلفة، تشكِّل ذوات الكتّاب وكتاباتهم في عالم لم تعد أبعاده وحدوده وتراتبيته ثابتة، ولا معروفة بشكل حاسم ومستمر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها