الأحد 2013/05/05

آخر تحديث: 02:03 (بيروت)

ملحمة "نساء الكرنتينا" الساخرة

الأحد 2013/05/05
ملحمة "نساء الكرنتينا" الساخرة
increase حجم الخط decrease
 قال نائل الطوخي "لما كانت الموضة الرواية القصيرة كتبت روايات قصيرة، ودلوقتي الموضة الرواية الكبيرة فكتبت رواية كبيرة.. عادي يعني". هكذا يسخر الكاتب والمترجم الشاب في العادة، هذه السخرية المبطنة التي تمتد من أول صفحة في روايته الجديدة "نساء الكرنتينا" حتى مشهد النهاية.
يصنع نائل الطوخي في "الكرنتينا" ملحمة كبيرة. نحن أمام شخصيات كثيرة كلها تواجه مصائر قدرية وكلها تنصاع لأقدارها وتؤدّي دورها في الحياة – الرواية إيماناً منها بأهمية الخضوع للمصير الذي قرّره الرب.
لكن "نساء الكرنتينا" ليست ملحمة مأسوية رغم كمية الدماء الهائلة التي تراق على مدار الرواية، إنما هي أقرب إلى روح الكاريكاتير الذي يسخر من العالم وفظائعه بطريقته الخاصة. منذ الصفحات الأولى في الرواية يخبرنا الكاتب أننا بصدد قراءة حكاية "احتوت على الكثير من المواعظ والدروس الأخلاقية، والكثير من الفلسفة العميقة بخصوص الإنسان ورغباته وصفاته. القصة هي واحدة من القصص النادرة في تاريخ الإنسانية التي تربط المتعة بالتشويق بالمعلومة المفيدة والنصائح الغالية". تبدأ الحكاية بقصة حب بين "علي" صاحب محل الملابس بعين شمس وابنة عمه "إنجي" الآتية من أبوظبي وتدرس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. يلعب الكاتب على خلق تناص ساخر بين شخصيات ومواقف في داخل الرواية وأخرى اشتهرت في أعمال درامية من مسلسلات وأفلام مصرية قديمة (علي وانجي بطلا رواية رد قلبي ليوسف السباعي التي تحولت لفيلم دعائي شهير لانقلاب 1952). 
مسرح الأحداث الرئيسي في الرواية هو الإسكندرية، والمدى الزمني الذي تستغرقه الأحداث يتجاوز الستين عاماً، منذ بداية الألفيّة وحتى العقد السادس من القرن الحادي والعشرين. يهرب علي وإنجي إلى الإسكندرية عقب ارتكابهما جريمة قتل بالصدفة، وهناك في المدينة الساحلية يقودهما القدر إلى إنشاء إمبراطورية كبيرة يطلقان عليها اسم "الكرنتينا"  - وهو اسم منطقة حقيقية بالإسكندرية أزيلت في أواخر التسعينات - تقوم على الدعارة وتجارة المخدرات ومراكز الكومبيوتر والأنجلش عبر مجموعة من الشخصيات: "أبو أميرة"، "أم أميرة"، "سوسو"،"عادل"،"الحاجة اعتماد"، "مدام نادية" وآخرون. تقوم الإمبراطورية وتدور الصراعات البشرية من حب وغيرة وكراهية وتنافس وقتل ومؤامرات وانقسامات. 
موقع الكاتب هو الراوي الذي يسجل الأحداث للتاريخ، هو أشبه بنجيب محفوظ في "أولاد حارتنا" و"الحرافيش"، وهو أيضاً أقرب لراوي سيرة شفهية يتم نقلها عبر التداول الشفهي. يبدو هذا في الحوار الذي يحتل مركزاً هاماً في بناء الرواية. فحوار الشخصيات هو حوار شعبي، يشبه الكلام "الشوارعي"– شخصيات الرواية كلها تنادي إنجي بـ"إنشي"-  وكلما ازداد الحوار واقعية، ازداد إحساس القارئ بالسخرية الكاريكاتورية التي تلف الجميع.
ورغم الحجم الكبير للرواية والأحداث الكثيرة المتعاقبة والشخصيات التي تواصل الظهور حتى آخر صفحات الرواية، يبدو الكاتب قادراً على الإمساك بتفاصيل الحكي، والتحكم في خط سير الشخصيات بانسيابية لا تشعر القارئ بالملل أو بنسيان طوفان الشخصيات في ظهورها واختفائها.
لا يمكن وصف رواية "نساء الكرنتينا" بالأوصاف الشائعة أو النمطية التي تُطلق على الرواية الجديدة أو "الشبابية" في كونها تعرّي الواقع أو تتصدى لفضح قيم معينة فيه. "الكرنتينا" تجربة مغايرة تماماً، يحكمها منطق مختلف يتسم بالاتساق الذي يسحب القارئ إلى عالم خاص، حتى لو كانت حوارات الرواية والكثير من تفاصيلها المادية هي تفاصيل الحياة المصرية في العقود الأخيرة.
 
* "نساء الكرنتينا" رواية للكاتب المصري نائل الطوخي صدرت عن دار "ميريت" للنشر، 2013
increase حجم الخط decrease