السبت 2013/09/14

آخر تحديث: 02:02 (بيروت)

مَشاهد "إخوانية" في أوروبا

السبت 2013/09/14
مَشاهد "إخوانية" في أوروبا
الورقة التي وزعها شباب في ميلانو
increase حجم الخط decrease
مشهد 1: مالمو - السويد
أصل مدينة مالمو في جنوب السويد، لقضاء إجازة قصيرة بعد رحلة عمل في كوبنهاغن. المسافة بين المدينتين قصيرة، نصف ساعة تقريباً بالقطار. أعرف من أصدقاء أن مهرجان مالمو للسينما العربية بدأ منذ يومين. لم أهتم كثيراً. أردت إجازة بعيدة من ثقل المشهد السياسي.. لكن هذا يبدو صعباً. أقلب سريعاً، صباح يوم أحد، في المواقع الإخبارية المصرية، فتقع عيني على خبر انسحاب أعضاء من الوفد المصري إلى مهرجان مالمو، إثر اعتداء أفراد من "الإخوان"عليهم.

لم أفهم طبيعة الاعتداء، لكن هناك استعدادات أمنية ستتخذها إدراة المهرجان التي اتفقت مع شركة أمن خاص لحماية أعضاء الوفد المصري. أسأل اصدقائي، إذ ربما تكون الصحف السويدية نشرت تفاصيل أكثر، لكن الخبر لم يكن قد عرف طريقه إلى الصحف السويدية.
في اليوم التالي، نشر تقرير في صحيفة سويدية، عن تظاهرة صغيرة أمام مقر المهرجان ساعة الافتتاح، نظمها مؤيدون للمعزول محمد مرسي، وارتدى المتظاهرون قمصاناً تحمل "علامة رابعة"، كما لوحوا بأيديهم بالإشارة نفسها لحظة عبور الوفد المصري إلى قاعة الاحتفال.
أقرر الذهاب إلى حفلة الختام، فإذا نظمت تظاهرات في حفلة الافتتاح، لا بد أن أخرى ستنظم في نهاية المهرجان.

حفلة الختام في قاعة عرض سينمائي في قلب حديقة عامة. المكان هادىء، خافت الإضاءة. أدور حول المكان، لا يوجد ما يلفت النظر. وحال عودتي إلى المدخل الرئيس، أجد مجموعة صغيرة، سبعة أو ثمانية أفراد، معظمهم بقمصان صفراء عليها إشارة "رابعة"، ويحملون لافتات صغيرة الإشارة نفسها. أقترب منهم وأعرفهم بنفسي، فيحيطونني بنظرات شك وريبة عندما يعلمون بأني صحافي مصري. أحدهم أشار إلى أكبرهم سناً بألا يتكلم معي. المجموعة من سوريا وفلسطين. اسألهم لماذا هم هنا، فيجيبني الأكبر سناً "أبو محمد": نحن هنا كي نعلن اعتراضنا على ما يحدث من قتل وقمع في البلاد العربية من مصر إلى سوريا وفلسطين.. لكن اللافتات التي تحملونها وقمصانكم تشير إلى "رابعة العدوية"، أقول. فيشير إلى وشاح حول رقبته: هذا علم سوريا، وهذا كوفيات فلسطينية، فأي بلاد عربية أخرى تريد؟
أحاول أن أفهم ما حدث خلال حفلة الافتتاح، فيندفع أكثر من شخص للشرح، مؤكدين أنهم لم يفعلوا أكثر من التظاهر أمام مقر الاحتفال، ورفع لافتات، والتلويح بإشارة "رابعة"، وهو ما اعتبرته الممثلة المصرية عبير صبري (أول المنسحبين من المهرجان) تحرشاً جنسياً! وقالوا إن ما روته عبير يخالف الحقيقة تماماً، إذ وصفتهم بأنهم خلايا "حماس" و"القاعدة" ويريدون "اغتيال" الوفد المصري!

تواصلت محاولات البعض لمنع الحديث معي، باعتباري من "الإعلام المصري" الذي يزيف الحقائق، لكن الحديث كان قد فتح: "اتصل الوفد المصري بالشرطة السويدية، ظنوا أنهم سيعتقلوننا كما يحدث في مصر، لكننا هنا في بلد ديموقراطي ومن حقنا كمواطنين سويديين أن نعبر عن آرائنا كما نشاء، ونحن هنا من أجل إيصال رأينا في يحدث في مصر، ولسنا ضد المهرجان أو الافلام، هي فقط مناسبة للتنديد بما يحدث في مصر".. أسألهم لماذا لا يوجد بينهم مصريون، فيجيبني شاب ملتح: "ربما ستعتبر ما أقوله كذباً، لكن بعد تظاهرة الافتتاح، التي ضمت عدداً من المصريين، تلقت عائلاتهم في مصر تهديدات من الأمن". أترك المجموعة، وأغادر مُشيّعاً بنظرات الريبة في الصحافي المصري الذي "سيزيف بالتأكيد" ما قيل.

مشهد 2: ميلانو - إيطاليا
في شارع بوينس أيريس بميلانو، ألمح شاباً يرتدي القميص الأصفر نفسه. أقترب لأجد مجموعة صغيرة من الشباب يوزعون ورقاً أصفر يحمل من جهة علامة "رابعة"، ومن الجهة الثانية سرد بالإيطالية لما فعله "الانقلاب" في مصر. سيدة عجوز، للوهلة الأولى تبدو إيطالية وغنية أيضاً، لكنها تتحدث العربية المصرية، وتزعق في الشباب: "كذب، كل هذا كذب، انتو مش مكفيكو الكذب جوّه مصر، وكمان بتكذبوا برّه مصر؟". وراحت تتجادل مع الشاب قليلاً، ثم صرخت: "أنا هجيبلكم البوليس"، وبالفعل سحبت هاتفها. تجادلت المجموعة مع العجوز بأن من حقهم في "بلد ديموقراطي" أن يعبروا عن رأيهم بحرية. انضم مصري إلى المرأة وصاح: "عايز تعبر عن رأيك روح مصر.. السيسي ده أحسن مسلم في مصر!".

طبعاً، تحول الأمر إلى مشادة في الشارع، وراح الناس يتساءلون عن سبب المشادة. ويبدو أن الشباب لم يكونوا يحملون أوراق إقامة، لذا انسحبوا، تاركين المرأة التي رفضت الانصراف وأصرت على انتظار الشرطة للإدلاء بشهادتها.

الورقة التي وزعها هؤلاء الشباب تحمل معلومات عن "إنقلاب الثالث من يوليو" الذي قام به الجنرال السيسي بهدف استعادة الحكم العسكري في مصر. الورقة تحمّل الجيش كل فاتورة الأحداث: قتلت المؤسسة العسكرية خمسة آلاف مصري، وجُرح ما لا يقل عن 15 ألفاً، وأغلقت 17 قناة تلفزيونية، وحرق عدد من المساجد والكنائس، واعتقل ما يزيد عن 25 ألف مدني. ويدعو المنشور الإيطاليين للتبرع للحملة، ولتوقيع بيان يرفض "الانقلاب" في الموقع الالكتروني للحملة.

فينالي
يجيد "الإخوان المسلمون" دور الضحية، هو تقريباً الدور الوحيد الذي يجيدونه، وتسهّله عليهم الطرق الغبية التي يدير بها أهل السلطة في مصر المعركة الإعلامية. "فالإخوان" يستخدمون بالفعل وسائل أكثر "حداثية" و"أوروبية" لعرض قضيتهم، من تظاهرات تلتزم بقانون البلاد، إلى توزيع منشورات مختصرة معدّة جيداً، بينما يواصل الجنرالات في مصر بثاً تلفزيونياً بالانكليزية لا يشاهده أحد، لا في الداخل ولا في الخارج.. وفي أوروبا يلجأ مؤيدو العسكر إلى الجانب القمعي عبر التهديد بالشرطة او توجيه اتهامات بالانضمام إلى "حماس" و"القاعدة". وتلك طرق لم تعد تقنع أحداً في مصر، فكيف بجذب انتباه الخارج؟

increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب