الأحد 2015/09/13

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

مؤتمر استعراضي لـ"العدالة والتنمية" التركي

مؤتمر استعراضي لـ"العدالة والتنمية" التركي
ترشح رئيس الحزب أحمد داوود أوغلو، منفرداً لرئاسة الحزب، وحصد كامل أصوات المندوبين الصالحة وهي 1353 صوتاً (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
قبل الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، كان المحللون السياسيون المعارضون يعتبرون أن عدم حصول حزب "العدالة والتنمية" على خمسين في المئة من مقاعد البرلمان، ولو بنقطتين أو ثلاث، سيكسر الحاجز النفسي لدى الناخب التركي، ويجعله أكثر تفاؤلاً بإسقاط هذه الحزب، وبالتالي ستكون الخطوة الأولى لإسقاطه. وفعلاً تحقق هذا الهدف.

بعد ظهور نتائج الانتخابات، والفشل بتشكيل حكومة ائتلافية، والإعلان عن الذهاب إلى انتخابات مبكرة، أعلن حزب "العدالة والتنمية" عن عقده لمؤتمره العام الخامس. وبدأت الصحافة المعارضة تروّج لخلافات وانقسامات حادة في صفوف "العدالة والتنمية". وفي الحقيقة أن أطروحات من هذا النوع لها ما يبررها، فهذا الحزب يتألف من تيارات عديدة أهمها ينتمي الى يمين الوسط والقوميين والإسلاميين المعتدلين، إضافة إلى بعض الليبراليين. وهذا النوع من الأحزاب غالباً ما يربطها رئيس قوي، بغيابه يتفكك الحزب. وأهم مثال على هذا الأمر هو حزب "الوطن الأم" الذي أسسه الراحل طورغوت أوزال. فبعد تسلم أوزال رئاسة الجمهورية، وقبل وفاته ذهب كل تيار من حزبه إلى الحزب الأقرب إليه، فضعف "الوطن الأم"، ثم أصبح في وفاة سريرية، ولم تبق منه سوى اللوحة تقريباً.

تحليلات الانقسامات في "العدالة والتنمية" لم تخضع لمقياس مشابه، فتارة يحكى عن جناح عبد الله غول، وتارة عن جناح بولند أرنتش، وكلاهما من التيار الإسلامي المعتدل، والقادمين من حزب "الرفاه". وإذا كان عبد الله غول، قد تغيب عن حضور المؤتمر، فقد أرسل رسالة قرئت بالنيابة عنه.

صحيح أن أحداً من نواب "العدالة والتنمية" أو قياديه لم يعلن انسحابه منه حتى الآن، ولكن يبدو أن المؤتمر كان رسالة جوابية على هذه الادعاءات. فترشح رئيس الحزب أحمد داوود أوغلو، منفرداً لرئاسة الحزب، وحصد كامل أصوات المندوبين الصالحة وهي 1353 صوتاً، وهناك سبعة أصوات فقط كانت غير صالحة. بمعنى آخر أنه فوز بالإجماع إلا إذا كان المندوبون السبعة قد تعمدوا التصويت بورقة غير صالحة. وعلى الرغم من هذا فإن النسبة التي حصل عليها داوود أوغلو رقم قياسي بالنسبة إلى رئيس حزب. وهكذا قدّم الحزب عملية استعراضية يثبت من خلالها وجود رئيس حزب تلتف حوله القواعد، وليس هناك أي شرخ في بنيته. هذه الصورة يمكن أن تكون مخاتلة أيضاً، لأن المعارضة تعتبر داوود أوغلو رئيساً بالأمانة، وهو يقوم بعمله بوكالة، والرئيس الحقيقي للحزب هو رجب طيب أردوغان.

ما كان يستند إليه المراقبون بتوقع الانقسام، هو النظام الداخلي للحزب ذاته، الذي لا يبيح لأي عضو فيه شغل مقعد نيابي لثلاث دورات متتالية. وفق هذا البند من النظام الداخلي، كان الحزب سيخسر عدداً كبيراً من شخصياته المؤثرة ذات الثقل الكبير، ولكن المؤتمر حلّ هذه المشكلة بعدم اعتبار النواب الذين فازوا في انتخابات 7 حزيران/يونيو قد قضوا دورة، واستثنيت هذه الدورة التي تستمر لأقل من خمسة أشهر، من 8 تموز/يوليو إلى 1 تشرين الثاني/نوفمبر.

وإذا كانت قد حُلت معضلة النواب القدماء الأقوياء، فهذا لا يعني بقاء الجميع، ففي الوقت ذاته خرجت شخصيات مهمة من اللجنة المركزية للإدارة، والقرار بعدم ترشحها، ومن هذه الشخصيات وزير المالية محمد شمشك، والاقتصادي الكبير الذي لعب دوراً أساسياً برسم سياسة الحزب الاقتصادية منذ التأسيس علي بابا جان، إضافة إلى طنر يلضظ، وجودت يلماظ، وهذه إشارة إلى أن هناك تبديلاً في الوجوه الاقتصادية للحزب، وخاصة بعد التعثر الاقتصادي الذي حدث في تركيا خلال السنة الأخيرة، وتجاوز الليرة التركية حاجز ثلاث ليرات مقابل الدولار الأميركي.

صحيح أن المؤتمر ألغى استخدام الموسيقى التي عادة ما تستخدم في المؤتمرات كلها حداداً على أرواح الشهداء وفق ما أعلن مديره، وافتتح المؤتمر بقراءة الفاتحة على أرواحهم وأرواح الحجاج الذين فقدوا حياتهم في مكة وبينهم أتراك، ولكن الحزب أراد أن يستغل المؤتمر للإعلان عن البدء بحملته الانتخابية، فعرّف الحاضرين بالأغنية الخاصة بالانتخابات، وكانت لازمة الأغنية ملفتة وهي: "هيا باسم الله"، وتقول كلمات الأغنية: "بالعشق انطلقنا في الطريق/ تجددنا، وأصبحنا أكثر طزاجة/ نحن عشاق هذا الوطن/ هيا باسم الله.. لنا كلمة سنقولها/ أمامنا طريق سنقطعه/ لنقطعه معاً/ هيا باسم الله.. في كل شبر من الأرض/ لنا أثر من البداية حتى النهاية/ وأملنا بالغد/ هيا باسم الله".

من المحتمل أن ترفع دعاوى لحظر هذه الأغنية، وأن تُحظر بدعوى استخدام عبارة "باسم الله" لأنها رمز ديني، وكان الحزب قد حُظر له فيلم دعائي بذلت فيه جهود كبرى من أجل الانتخابات السابقة بدعوى استخدامه العلم التركي، فالعلم التركي للجميع وليس لحزب معين، ولا يجوز استخدامه في الدعاية الانتخابية بموجب قانون الانتخابات التركية.

مرّر "العدالة والتنمية" مؤتمره العادي الخامس من دون تصدعات، أو تمكن من إخفاء التصدعات إن كانت موجودة، وأعلن البدء بحملته الانتخابية لانتخابات الأول من تشرين الثاني، وجدد الكادر الاقتصادي الذي رافق الحزب منذ التأسيس، وحل إشكالية الدورات الثلاث ليرضي عدداً كبيراً من نوابه الذين لهم ثقل كبير في الحزب ولدى الناخب عموماً.

صحيح أنه تجاوز هذه المرحلة، ولكن أمامه عوائق كثيرة عليه أن يقطعها. بعد المؤتمر توجهت أعين المراقبين منذ الآن إلى قوائم المرشحين التي ستصدر قريباً، وعادة ما تظهر تصدعات عديدة في الأحزاب عند صدور قوائم المرشحين، وهذه التصدعات ليست حكراً على الأحزاب المكونة من تيارات سياسية مختلفة، بل تشمل حتى الأحزاب الأيديولوجية.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها