الثلاثاء 2017/01/31

آخر تحديث: 11:09 (بيروت)

تركيا:الاستقرار والديموقراطية في النظام الرئاسي

الثلاثاء 2017/01/31
تركيا:الاستقرار والديموقراطية في النظام الرئاسي
"نطرق الصندوق، فإذا قالت الإرادة الشعبية نذهب، فنذهب" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بحسب التقاليد السائدة في الأوساط السياسية التركية، فإن أكبر التحولات الديموقراطية تجري عادة في فترات حكم أحزاب يمين الوسط. ولعل حزب "الوطن الأم" بزعامة طورغوت أوزال، هو أول من وضع أسس التحول الديموقراطي. وهناك من يعتبر عدنان مندريس، الذي انتهى على حبل المشنقة إثر انقلاب عام 1960 العسكري، هو أكثر من قدّم تحولاً ديموقراطياً في الحياة السياسية التركية، لكنه لصالح الإسلام السياسي. الظروف يومئذ لم تكن مؤاتية لتكتمل تلك المشاريع الإصلاحية.

لطالما تباهي حزب "العدالة والتنمية" بالسير على نهج "الوطن الأم" والحزب "الديموقراطي"، ويستغل كل مناسبة ليؤكد على هذا الأمر. وما يركز عليه حزب "العدالة والتنمية" هو النظام الرئاسي، الذي كان أوزال زعيم حزب "الوطن الأم" أول من دعا إليه.

في الحقيقة أن أوزال، طرح مشروعين للإصلاح السياسي والتحول الديموقراطي، أحدهما رئاسي والآخر برلماني، ولكنهما متشابهان في نقطة واحدة هي تحقيق الاستقرار السياسي. وقد ساهم في صياغة قانون الانتخابات التركية المعمول به حالياً، ويفرض على الحزب السياسي الحصول على نسبة عشرة في المئة من الأصوات على مساحة تركيا كلها، من أجل الدخول إلى البرلمان. وكان مبرره لإقرار هذا القانون هو أن تركيا في حاجة "استقرار سياسي" على الطريقة الأميركية، وأنها يجب أن تضم حزبين كبيرين أحدهما ديموقراطي والآخر جمهوري، يتنافسان على الحكم، ويحكم دائماً حزب كبير منهما، ليرسّخُ الاستقرار.

بالطبع، عندما يُذكر النظام الأميركي، فنحن أمام نموذج سياسي رئاسي. وقد طرح أوزال هذا الخيار مرات عديدة. ومنذ أن طرح  حزب "العدالة والتنمية" هذا الخيار، وهو يدل على صواب رؤيته من خلال طروحات الرئيس التركي الأسبق طورغوت أوزال.

في خطوة وصفت بأنها أوسع تعديل دستوري شهدته تركيا، تم إقرار مشروع تعديل ثماني عشرة مادة دستورية، فيما لو حظيت بغالبية بسيطة في الاستفتاء الشعبي العام، سيقر في تركيا النظام الرئاسي.

الغريب في الأمر أن حزب "العدالة والتنمية" الذي يتمسك بمصطلحات الإرادة الشعبية والصندوق، لم يأتِ هذه المرة خلال الترويج لما أسماه الإصلاح الدستوري على ذكر الصندوق والديموقراطية، ولكنه بقي يعزف على وتر الإرادة الشعبية. وبالمناسبة اتخذت المعارضة التركية من كلمة الصندوق طرفة تستخدمها في العديد من المجالات. على سبيل المثال؛ هناك كاريكاتور يصوّر رجلاً يسأل رجب طيب أردوغان: "هل ستذهب إلى الحمام؟"، فيرد عليه أردوغان: "نطرق الصندوق، فإذا قالت الإرادة الشعبية نذهب، فنذهب".

الكلمة الوحيدة التي كانت مهيمنة على الخطاب السياسي لحزب "العدالة والتنمية" في عملية الترويج للتعديلات الدستورية المقرة هي "الاستقرار". فـ"العدالة والتنمية" يعتبر الاستقرار، الهدف الأسمى من تحقيق هذا التعديل الدستوري، إن حظي بالموافقة الشعبية في الاستفتاء الذي سيجري قريباً.

على الرغم من موافقة البرلمان على التعديلات الدستورية، فإنها لن تقر بالمعنى الدقيق للكلمة، إلا بموافقة أكثر من نصف الناخبين الأتراك. بمعنى آخر فإن التعديل الدستوري سيتم وفق القواعد الديموقراطية المعمول بها. ويبدو أن حزب "العدالة والتنمية" قد جذب إلى جانبه حزب "الحركة القومية" اليميني المتطرف، وحظي بموافقة أعضائه على هذه التعديلات، وسيحصد عدداً كبيراً من أصوات هذا الحزب في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي وافق عليها البرلمان.

بمعنى آخر، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لم يكن الظاهرة اليمينية المتطرفة الوحيدة في العالم، فها هو حزب "الحركة القومية" الطوراني يسجل موقفه إلى جانب "الاستقرار" لا "الديموقراطية". ويتفق هذا الحزب مع "العدالة والتنمية" على تمرير التعديلات الدستورية. موقف هذين الحزبين المتطابق لا يشير إلى ظهور تيار يميني متطرف جديد في تركيا، بل يشير إلى أن الموقف الأردوغاني هو الذي تغير، وأصبح هذا الموقف أقرب من تيار اليمين المتطرف. ولذلك لم يكن رفع شعار الاستقرار، والمطالبة بالاستقرار، مجرد خيار مؤقت نشأ في ظروف سياسية معينة.

لطالما ردد حزب "العدالة والتنمية" مقولة: "الديموقراطية كفيلة بحل المشاكل التي تعترضها". ولكن المشكلة التي تعترضها اليوم لا تستطيع الديموقراطية القائمة حلها ببساطة. فلا يبدو من السهل إيجاد علاقة منطقية بين الديموقراطية والاستقرار، ولعل البحث عن حل لهذه المعضلة سيطول كثيراً.

لعل حزب "العدالة والتنمية" ينجح في إقرار التعديلات الدستورية، والانتقال من النظام الحكومي البرلماني إلى النظام الرئاسي، ولكنه هل سيحل مشاكل الديموقراطية لديه؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها