الأربعاء 2016/12/07

آخر تحديث: 14:15 (بيروت)

شرارة قصف القوات التركية تتوهج

الأربعاء 2016/12/07
شرارة قصف القوات التركية تتوهج
لم يبق سوى طرف ثالث بيده مقاليد الأمور في سوريا: إيران، فهل يمكن أن تكون العملية إيرانية؟ (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بيان هيئة أركان القوات المسلحة التركية، حول هوية الطائرة التي قصفت في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، قوات تركية عاملة في إطار عملية "درع الفرات" على تخوم مدينة الباب، اعتبر غائماً، على الرغم من تأكيد رئيس الحكومة صيغة البيان، فقد جاءت الصيغة: "قدّرت الأركان العامة أن الطائرة التي قصفت القوات التركية هي طائرة تابعة للنظام السوري".

ولكن تصريح وزير الدفاع التركي فكري إشق، بعد أيام، جاء أكثر دقة إذ حدد نوع الطائرة: "L-39 Albatros" معدة للتدريب، وتم تحويلها إلى مقاتلة؛ كما حدد مسار الطائرة، ومكان هبوطها: في مطار النيرب العسكري. وأضاف بشكل ملفت: "المطار الذي تسيطر عليه القوات الجوية والفضائية الروسية". ولكن الروس يؤكدون على لسان وزير خارجيتهم سيرغي لافروف، من مدينة ألانيا التركية، عدم علاقتهم أو علاقة النظام السوري بهذه العملية.

لم يبق سوى طرف ثالث بيده مقاليد الأمور في سوريا: إيران، فهل يمكن أن تكون العملية إيرانية؟

أكد وزير الدفاع التركي فكري إشق، أن هناك طائرة من دون طيار كانت ترصد أمام الطائرة التابعة للنظام السوري، وتعطيها المعلومات، وأن العمل جارٍ على تحديد هوية تلك الطائرة... هذا يثير السؤال التالي: "من يمتلك طائرات من دون طيار في سوريا؟".

الأمر اللافت هو الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بصحبة مستشار المخابرات التركية هاقان فدان، إلى طهران، صباح الثلاثاء، بالتزامن مع هذه التصريحات. وعلى الرغم من تصريح وزير الخارجية التركي بأن قضية الطائرة، وقصفها لم تُبحث في اللقاءات التي جرت في طهران، فقد ترك الباب مفتوحاً حول هوية الطائرة من دون طيار.

على الرغم من العلاقات الاقتصادية القوية بين إيران وتركيا، وضبط البلدين نفسيهما، وتجنب الصدام المباشر بينهما، إلا أن الإيرانيين لا يخفون البعد العقائدي الذي يستخدمونه في الحرب على الشعب السوري، ويثيرون دائماً ذكرى معركة تشالدران بين السلطان العثماني سليم الأول، والشاه إسماعيل الصفوي، والتي مُنيت فيها القوات الصفوية بخسارة كبرى لم تقم لها قيامة إلى العام 2003 مع الغزو الأميركي للعراق، وسيطرة إيران على هذا البلد بشكل مباشر.

الصدام بين البلدين لا يقتصر على الساحة السورية، بل يمتد إلى الساحة التركية نفسها، فهناك نشاط تشييع واضح بين صفوف العلويين بانتماءاتهم القومية كلها، وبات اليسار التركي عموماً يعمل بقيادة قائد الثورة المذهبية العالمية الإمام علي خامنئي، قدس الله سره.

تبدو عملية القصف التي راح ضحيتها أربعة جنود أتراك، ونفذتها طائرة سورية رسالة واضحة. وعدا عن أبواق النظام السوري، فإن الجميع يدركون أن النظام السوري أبعد ما يكون عن تقديم الرسائل في هذه المرحلة، وخاصة الرسائل الدموية مثل هذه، ويقتصر دوره على تبني العملية عند الضرورة ليدفع الثمن، مثله مثل "داعش" التي تبنت العملية على الرغم من عدم امتلاكها طائرات وطيارين.

وعلى الرغم من تزامن عملية القصف مع ذكرى إسقاط الأتراك طائرة سوخوي روسية قبل عام، والتي أدت إلى تدهور العلاقات بين البلدين، فالروس ينكرون أية علاقة لهم بالطائرة، وأوامر إقلاعها، ويشددون على هذا الإنكار، ولو أرادوا تقديم رسالة لفعلوا، ولديهم هذه الإمكانية.

هل يعقل أن يكون مستشار المخابرات التركية برفقة وزير الخارجية في زيارة لطهران، ولم يتم بحث قضية هوية الطائرة، والاطلاع على ما تريده طهران من هذه العملية؟

القضية السورية دخلت من قبل في مراحل معقدة، وتطورت لتصبح قضية صراع دولي، انخرطت فيه إيران وروسيا بشكل مباشر إلى جانب النظام، وانخرطت فيه قوات "تحالف دولي" ضد داعش، وانخرطت فيه تركيا والسعودية وقطر بشكل غير مباشر. وليس هناك مجال لإنكار فاعلية الدور التركي، ورغبة الروس والإيرانيين في إبعاد تركيا عن هذا الصراع بأي شكل من أجل القضاء على المعارضة المسلحة كلها. وخلال هذا الصراع أرسلت الأطراف رسائل دموية كثيرة، لم تكن عملية إسقاط الأتراك للسوخوي الروسية فيها الأولى، ولن تكون عملية قصف القوات التركية على تخوم الباب الأخيرة.

الأمر اللافت هو عدم إطفاء هذه الشرارة، أو توجيه ضربة محدودة للنظام السوري الذي يحتمل ضربات من هذا النوع، وإغلاق الملف. ومن يبقي على الموضوع حيوياً هو الطرف التركي. ولم يصدر عن الطرف الإيراني أي إيضاحات أو بيانات حول القضية.

لهذا الأمر معنى واحد هو أن الأتراك يريدون الاستفادة بالحد الأقصى من هذه العملية، ولكن كيف؟ هذا ما يصعب التنبؤ به الآن...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها