الخميس 2016/12/15

آخر تحديث: 10:13 (بيروت)

تركيا واتفاق اللحظة الأخيرة

تركيا واتفاق اللحظة الأخيرة
هل تستطيع تركيا الحيلولة دون حصار حلب؟ (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تُعقد على مدار الأرض حفلات بكاء على حلب، ومقابلها حلقات رقص وهز بطن وشد وسط احتفاء بها. وتشهد تركيا هاتين الحالتين مثلها مثل كثير من دول العالم، ولكن الراقصين والراقصات هنا ينتمون إلى المواطنية التركية لا سوريين كما يجري في العديد من مدن العالم، وأوروبا على وجه الخصوص.

مقابل هذا الزخم الاحتفالي، تخوض الحكومة التركية غمار صراع ديبلوماسي حثيث -يراه البعض لعبة ديبلوماسية- من أجل إنقاذ ما تبقى من مدنيين في المدينة المنكوبة، ويراه البعض من أجل بيع حلب.

توصلت خارجيتا تركيا وروسيا، مساء الاثنين 12 كانون الأول/ديسمبر، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حلب على أن يتبعه إخلاء لمن تبقى فيها. وعلى الفور تحركت القوى المدنية التركية على الأرض، وبنت مخيماً يتسع لأكثر من عشرة آلاف شخص في مكان لم يعلن عنه في الشمال السوري، ووسعت مخيمات أخرى في المنطقة نفسها، وبدأت عمليات الإغاثة وجمع المواد اللازمة للمهجرين على وتيرة عالية. وكل هذه مؤشرات على جدية ما جرى الاتفاق عليه.

وعلى الرغم من موافقة الروس على هذا الاتفاق، وإعلانهم عن توقيعه بين فصائل معارضة وممثلين للنظام السوري برعايتهم ورعاية تركيا لكي تعطيه بعداً داخلياً، ولكن الطرف الإيراني أبى إلا أن يقول أنا موجود، بل وصاحب قرار، ولا أقبل بأي اتفاق لا أوقعه أنا. ولهذا خرق وقف إطلاق النار، ولكن خرقه لم يكن بالضراوة التي جرت في الأيام السابقة، ولكنه بكل الأحوال يمنع وصول الإغاثة، أو عملية الإخلاء.

عادت الحركة الديبلوماسية التركية إلى العمل من جديد، وتواصلت مع الخارجية الايرانية من جهة، ومع الخارجية الروسية من جهة أخرى لتثبيت وقف إطلاق النار على الجبهة الإيرانية. 
يبدو أن الخارجيات التركية والإيرانية والروسية لم تتوصل إلى عملية تثبيت وقف إطلاق النار، وهذا ما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتصل بنظيره الروسي مساء 14 كانون الثاني، من أجل فرض الأمر.

على الرغم من هذه الحركة الديبلوماسية الحثيثة، والحركات الشعبية فلا تغيب عبارة "تركيا باعت حلب" عن بعض الناشطين والإعلامين العرب عموماً، والسوريين خصوصاً.

الصوت الجديد بين هذه الأصوات هو صوت عبدالله المحيسني الذي يسمي نفسه رمزاً وطنياً سورياً على الرغم من أن كلمة "الوطنية" تؤدي إلى الكفر في منهجه. وبينما كان أنصاره يخوضون حربهم المقدسة ضد المعارضة المرتدة في حلب المحاصرة، كان يدعو تركيا "المسلمة" ورئيسها "المسلم" للتدخل من أجل إنقاذ حلب لأنها شرف الأمة. وبعدما اعتبر المحيسني المعارضة السورية المقيمة في تركيا عميلة لأنها تعمل تحت وصاية دولة علمانية كافرة، وهز بسبابته أمام الكاميرات مهدداً بتكسير أرجل من يأتي من هذه المعارضة إلى إدلب بُعيد سيطرة "جيش الفتح" عليها مباشرة، التف على موقفه السابق، وناشد أردوغان "المسلم"، وتوسل إلى الشعب التركي "المسلم" بغالبيته للعمل بسرعة على التدخل من أجل إنقاذ حلب... 
وهكذا قدم المحيسني مادة غنية للمعارضة التركية الطائفية المؤيدة للأسد لأنها تصنف المحيسني رمزاً للجهاد السلفي، وأحد رموز "القاعدة" في بلاد الشام على الرغم من ادعائه عدم الانضمام إلى أي فصيل.

ثلاث حملات أطلقت حول بيع تركيا لحلب؛ الأولى إبان قطع طريق الكاستيللو وبدء الحصار، والثانية بعد فشل فك الحصار فيما سمته الفصائل المسلحة في إطار "جيش الفتح" بـ"ملحمة حلب الكبرى"، وإضافة اسم "المرحلة الأولى" بعد فشلها، ثم الأخيرة بعد "المرحلة الثانية" من تلك "الملحمة"...

هل هناك بيع حقاً؟ هل تستطيع تركيا الحيلولة دون حصار حلب؟ وما الذي يمكنها فعله لمنع هذا الحصار؟

الأجوبة على هذه الأسئلة يقود إلى نقطة واحدة وهي تدخل عسكري تركي يمنع الحصار... هل هذا ممكن في ظل التوازنات الدولية الراهنة؟ من جهة أخرى لمصلحة من سيكون هذا التدخل المفترض؟ ألن يكون لصالح "فتح الشام"؟ سيقال إن هناك مدنيين، والتدخل سيكون لصالحهم، ولكن المدنيين يمكن إخراجهم، وقد عملت تركيا بكل جد من أجل إخراجهم، ولولا "عقبة" "فتح الشام" لكانت هناك إمكانية إخراجهم...

نعم، كانت "فتح الشام" تستفيد من دخولها في بنى عسكرية مشكلة من فصائل ترتبط بقوة بتركيا وقطر، وبهذا تحصل على حصة كبيرة من المساعدات، وتدعي عدم الرضوخ لـ"الموم"، ولكن الأمور اختلفت منذ فترة طويلة، أي منذ ما سمي "فتح إدلب"، إذ لم تعد العلاقات بين تركيا و"أحرار الشام" كتنظيم جيدة كما كانت، وغيرت تركيا موقفها من الفصائل المتعاونة مع "فتح الشام". تشير التطورات إلى أن العلاقة بين تركيا و"أحرار الشام" تحولت إلى التعاون مع مجموعات ضمن هذا التنظيم. وفي الحقيقة أن الموقف من "فتح الشام" والمتشددين عموماً لم يكن على الصعيد التركي فقط، بل امتد إلى الأوساط الشعبية السورية، فالأخبار الواردة من مناطق سيطرة هذا التنظيم، وخصوصاً محافظة إدلب، تشير إلى تذمر واسع منه.

تشير المواقف التركية إلى أن هناك عملية بيع قد تمت بالفعل، ولكن البيع لا يبدو أنه لحلب على الرغم من سقوطها، بل هو لـ"فتح الشام"، لذلك كان صوت هذا التنظيم متألماً، ومناشداً على غير عادته بلسان عبدالله المحيسني، ولم تعد السبابة تهتز مهددة...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها