الجمعة 2015/06/26

آخر تحديث: 15:24 (بيروت)

الحكومة التركية المفترضة.. وإحباط التدخل الخارجي

الحكومة التركية المفترضة.. وإحباط التدخل الخارجي
الحكومة المقبولة أميركياً وإسرائيلياً، حكومة الأحزاب الثلاثة خارج "العدالة والتنمية"، هي الخيار الأفضل أيضاً لإيران والنظام السوري (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بغض النظر عن الجدل الدائر حول استطلاعات الرأي التركية، وما إذا كانت صحيحة أو غير صحيحة، فإن الذين يقبلون بصحتها ومن يرفضونها، على حد سواء، لا يختلفون حول نقطة واحدة: الاستطلاعات تخدم كأداة لتوجيه الرأي العام.

وتقول استطلاعات الرأي حول تشكيل الحكومة التركية الجديدة، بإن أكثر من ثمانين في المئة من المستطلعة آراؤهم في تركيا، يحبذون تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" بعد الانتخابات التركية العامة. وبالطبع فإن هذه النسبة لم تأتِ من فراغ، فالصحف القريبة من الحكومة، ومنذ صدور نتائج الانتخابات، وهي تشير بشكل أو بآخر إلى أن هذا هو أكثر الخيارات منطقية..برغم تصريحات رئيسي حزبي "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديموقراطي" الرافضة لأي اتفاق مع حزب "العدالة والتنمية".

لم تخفِ القوى الخارجية صاحبة المصالح في المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل رغبتها بتشكيل حكومة تركية من الأحزاب الثلاثة الفائزة في الانتخابات، من دون "العدالة والتنمية". وهذه الآراء كانت تُطرح بقوة قبل إجراء الانتخابات، فالجميع كان يراهن على تراجع أصوات حزب "العدالة والتنمية" بحيث لا يستطيع تشكيل حكومة وحده، وحصول الأحزاب الأخرى الثلاثة مجتمعة على الغالبية البسيطة؛ النصف زائد واحد، وهذا ما حدث بالضبط. وعلى الرغم من إعلان رئيس حزب "الحركة القومية" دولت بهتشلي، قبل الانتخابات بأن تحالفاً كهذا مستحيل، إلا أن تصريحاته عموماً لم تؤخذ بعين الاعتبار. ومن الصعب التكهن حالياً ما إذا كانت مصلحة حزبه أم ردة فعله تجاه الضغوط الخارجية ستجعله يميل للتحالف مع حزب "العدالة والتنمية".

بموجب التسريبات أو توجيه الرأي العام، فإن حكومة كهذه، هي الوحيدة الممكنة حالياً كخيار خارج انتخابات الإعادة. وبالطبع فإن هذه الحكومة لا تُبعد شبح الانتخابات المبكرة، إذ يمكن لهذين الحزبين، في أية لحظة، أن يختلفا، وأن تفرط الشراكة بينهما، وتجري انتخابات مبكرة.

وإذا كانت الحكومة التركية المزمع تشكيلها، تحظى باهتمام عالمي واسع، فلا شك أن هذا الاهتمام ناجم عن تأثير تركيا في المنطقة، والتحولات السياسية التي من الممكن أن تحدث في حال تغيير الحكومة.

فإسرائيل تنتظر تطبيعاً للعلاقات مع تركيا، وطلاقاً بين الحكومة التركية وحكومة غزة، وعدم إثارة القضايا الإنسانية الفلسطينية في أوروبا كما يفعل حزب "العدالة والتنمية"، وتعوّل على حكومة يلعب بها يسار الوسط التركي دوراً فاعلاً يوقف هذه السياسة، وهي حكومة لا يشارك فيها حزب "العدالة والتنمية". لا تخفي إسرائيل هذا الأمر، وهو معلن.

بدورها، الولايات المتحدة الأميركية تريد حكومة تركية تتوافق معها بوقف العمل على إسقاط الأسد، أو تأجيله على الأقل حالياً، والدخول معها بالحرب ضد "داعش" تبرعاً دون مقابل، ودعم القوى التي تقاتل "داعش" فقط وعلى رأسها"وحدات حماية الشعب" الكردية. وهنا تقف عثرة حزب "الحركة القومية". فهذا الحزب يقف ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولكنه يرفع شعار حماية التركمان، وحتى إنه كان يعتبر بأن حكومة "العدالة والتنمية" مقصّرة بدعم التركمان وحمايتهم، ويرفض تقديم أي شكل من أشكال الدعم لـ"وحدات حماية الشعب". لأن هذه الحزب بحسب "الحركة القومية" يحارب التركمان، ويهجّرهم.

الحكومة المقبولة أميركياً وإسرائيلياً، حكومة الأحزاب الثلاثة خارج "العدالة والتنمية"، هي الخيار الأفضل أيضاً لإيران والنظام السوري. هذا ناجم عن التقاء المصالح، وليس عن مؤامرة وسيناريوهات المؤامرة كما يحلو للبعض أن يقدمها. لأنه في الحكومة المقبولة أميركياً وإسرائيلياً سيكون للأقلية العلوية واليسار ويسار الوسط التركي المدافع عن الأسد، دور كبير فيها.

لهذه الأسباب مجتمعة تبدو الخيارات محدودة جداً، وليس هناك سوى ائتلاف حكومة "العدالة والتنمية" وحزب "الحركة القومية" الذي يحافظ على ماء وجه "العدالة والتنمية"، ويبقيه في حدود سياساته العامة التي انتهجها. على الأقل هكذا تحالف لا يُجبر "العدالة والتنمية" على تقديم تنازلات كبرى؛ ففي القضية السورية يمكن أن يستمر تقديم الدعم لما بات يُصطلح على تسميته "المعارضة السورية المعتدلة"، وألا تحدث تغييرات كبرى في هذا الميدان سوى في إضافة كلمة "التركمان" على المشمولين بالدعم. ولكن ثمة ورقة حارقة تجعل هذا الائتلاف في مهب الريح، وهي الورقة الكردية. سيكون شرط حزب "الحركة القومية" الذي لا يمكن التنازل عنه هو وقف ما يسمى "مرحلة الحل" والمقصود من هذا الاصطلاح حل القضية الكردية بإقرار دستور لا مركزي، يحصل من خلاله الأكراد على بعض حقوقهم.

ولكن في السياسة دائماً ثمة مفاجآت وتراجعات كبرى. وإذا كان من الممكن تشبيه تشكيل حكومة الأحزاب الثلاثة خارج حزب "العدالة والتنمية" بخلط الزيت مع الماء، فهل تقوم قوة قاهرة بعملية هذا الخلط القسري؟ نعم يمكن أن تكون هذه مفاجأة سيتظاهر كثيرون أنهم فوجئوا بها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها