الإثنين 2015/06/08

آخر تحديث: 13:53 (بيروت)

الانتخابات التركية تنتج أزمة: رَبِحَ الجميع.. وخسروا

الإثنين 2015/06/08
الانتخابات التركية تنتج أزمة: رَبِحَ الجميع.. وخسروا
الأحزاب التركية تعلن الفوز مهما كانت النتيجة، فهي لا تعجز عن إيجاد مقياس تثبت فيه أنها نجحت. (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
عبرت تركيا أصعب امتحان انتخابي في تاريخها على الإطلاق، فقد جرت الانتخابات في جو من التوتر السياسي والانقسام الداخلي، وتدخل مباشر من دول العالم كلها تقريباً، بسبب الدور التركي في السياسة الإقليمية، وبعد الانتخابات أعلنت الأحزاب الأربعة الكبرى كلها أنها نجحت في الانتخابات، فهل نجحت في هذا الامتحان؟

من عادة الأحزاب جميعها بعد الانتخابات أن تعلن الفوز مهما كانت النتيجة، فهي لا تعجز عن إيجاد مقياس تثبت فيه أنها نجحت. ولكن الأحزاب التركية هذه المرة حقيقة نجحت كلها، وهل يمكن للأحزاب كلها أن تنجح دفعة واحدة؟

لنبدأ بحزب "العدالة والتنمية"، فقد ألقى رئيسه أحمد داوود أوغلو، كلمة الشرفة التي غدت تقليداً ابتدعه سلفه رجب طيب أردوغان، معلناً الفوز في هذه الانتخابات، لأنه حصل على أكبر نسبة من الأصوات، ويفصله عن الحزب الذي أتى في الدرجة الثانية خمس عشرة نقطة. وهذا فوز كبير وفق عملية تعداد النقاط والترتيب بين الأحزاب.

حزب "الشعب" الذي أحرز المركز الثاني، بدأ الاحتفالات والألعاب النارية وأطلق الأغاني التي استمرت إلى ما بعد منتصف الليل، فرحاً بالنصر، فهو خسر بعض نقاطه التي كانت لديه، وبعض مقاعده، ولكنه اعتبر ما حققه نجاحاً كبيراً ونصراً مؤزراً. فهو ينظر إلى الأمر من منظور مختلف، يكفيه ألا يتمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة وحده، وليخسر ليس ثلاث أو أربع نقاط فقط، بل ليخسر عشر وخمس عشرة نقطة. فالنصر بمقياسه عدم تمكن حزب العدالة والتنمية من حصوله على الأغلبية.

حزب "الحركة القومية" أيضاً حقق نصراً مؤزراً وفق مقاييسه، فقد زاد عدد نقاطه نقطتين. وهذا ما يعتبره نجاحاً يستحق الاحتفاء.

حزب "الشعوب الديمقراطية" الكردي كان مفاجأة الموسم، فقد خاض الانتخابات بشكل حزبي للمرة الاولى، وحاز على قرابة 13 بالمائة، ولم يكن فوز هذا الحزب وحده هو المفاجئ، بل حصوله على هذه النسبة العالية أيضاً، لأنه كان يدخل الانتخابات كأفراد خشية من عدم حصوله على نسبة العشرة بالمائة التي تؤهله لدخول البرلمان. وبالتالي هو الفائز، ويعتبر من أكبر الفائزين.

من جهة أخرى، فالواقع يقول إن الأحزاب كلها قد خسرت!

فحزب "العدالة والتنمية" لم يتمكن من الحصول على النسبة التي تؤهله لتشكيل الحكومة، وسيصعب عليه تشكل حكومة ائتلافية بسبب الانقسام السياسي الحاد الذي تجلى في تركيا خلال العقد الأخير. فحزب "الحركة القومية" يشترط عليه إيقاف عملية السلام مع الأكراد من أجل التحالف معه، وحزب "الشعوب الديمقراطية" الذي يمثل الأكراد أعلن رفضه التحالف مع حزب "العدالة والتنمية"، وهكذا نجد أن "العدالة والتنمية" لم يخسر نقاطاً فقط، بل خسر أكثر من هذا بكثير.

حزب "الشعب الجمهوري" أيضاً انخفضت نقاطه، وخسر بعض النقاط، ولم تبق خسارته في هذه الحدود، فسيواجه رئيسه كمال قلتشدار أوغلو، استحقاقاً وعد به، وهو أنه سيستقيل من رئاسة الحزب فيما لو لم يحصل على نسبة 25 في المئة، وهو لم يحصل عليها بحسب الأرقام النهائية غير الرسمية، فهل سيفي بوعده، ويستقيل؟ أوليس وعده هذا هو مؤشر على هزيمة هذا الحزب؟

أمام حزب "الحركة القومية" فرصة تاريخية نادراً ما يحصل عليها، وهي أنه الأقرب من الناحية الأيديولوجية لحزب "العدالة والتنمية" الذي فاز بالمرتبة الأولى، فهو صحيح أنه طوراني وفق أدبياته، ولكنه يعتبر الدين الإسلامي جزءاً من مكونات الهوية القومية التركية، وهناك عدد مهم من قواعده تميل إلى الدين. "الحركة القومية" أعطى إشارات يرفض فيها المشاركة في الحكومة الائتلافية، لأنه يشترط قبل كل شيء أن يقطع "العدالة والتنمية" مسيرة السلام التي بدأها مع حزب "العمال الكردستاني". وقطع هذه المسيرة يعني العودة إلى الحرب، وإراقة الدماء، وهذه ليست خسارة له وحده فحسب، بل خسارة للأتراك والأكراد معاً، وهي قبل كل شيء خسارة لتركيا.

حزب "الشعوب الديمقراطية" الممثل الشرعي لأكراد تركيا والمفاوض الرئيس مع الحكومة التركية حول مرحلة السلام، يرفض الانضمام إلى الحكومة، وبالتالي ماذا سيفعل بنصره، وحصوله على عدد كبير من المقاعد البرلمانية إذا لم يستغلها أحسن استغلال؟

نعم، عندما نقول نجح الجميع، وخسر الجميع، فهذا يعني أن هناك أزمة سياسية كبرى، وانسداداً في الأفق السياسي. وإذا أردنا أن نلخص النتيجة بعبارة مختزلة، يمكن القول: "لقد خرج من الصندوق صندوق"، وهذه العبارة لها تفسير واحد، الدخول في مرحلة انتخابية جديدة بعد استنفاذ الفرص والمهل الدستورية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها