الأحد 2015/09/20

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

مفاجآت قوائم الانتخابات التركية

مفاجآت قوائم الانتخابات التركية
تضع جميع استطلاعات الرأي العام التركي نسبة 16-18 في المئة، للمترددين (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
على الرغم من أن الأحزاب الأربعة الكبرى في تركيا، أعلنت فوزها في الانتخابات التي أجريت في 7 حزيران/يونيو، إلا أن حزبين فقط يمكن القول إنهما حسّنا وضعهما، وهما حزب "الشعوب الديموقراطي" الكردي، وحزب "الحركة القومية".

استطلاعات الرأي العام التركي بغالبيتها لا تعطي نتائج مختلفة كثيراً عن نتائج الانتخابات الماضية، ولعل هذا ما وضع الحزبين الفائزين تحت الأنظار لمحاولة جذب بعض أصواتهما.

بقي حزب "الشعوب الديموقراطي" على تحالفه السابق مع حزب "العمل" (الجهد) اليساري الماركسي اللينيني، دون أن يُدرج أياً من أعضاء هذا الحزب على قوائمه. وفي الحقيقة أن الأحزاب الشيوعية التركية كلها تقريباً تعلن تأييدها لـ"الشعوب الديموقراطي"، ولكن مجموع ناخبي هذه الأحزاب جميعها لا يشكل واحداً في المئة من مجموع الأصوات، ما يعني أنها ليست مؤثرة، والتالي ليست هدفاً لأي حزب سياسي آخر. ولكن هناك بعض الأصوات التي حصل عليها حزب "الشعوب الديموقراطي" والتي تُسمى "أصوات أمانة"، وهي عموماً أصوات اليساريين الديموقراطيين والعلويين تحديداً من ناخبي حزب "الشعب الجمهوري" التقليديين.

تشير التوقعات إلى أن أصوات الأمانة –أو بعضها- ستعود إلى حزبها بعد عودة الصراع بين حزب "العمال الكردستاني" والقوى العسكرية والأمنية التركية، ويختلف المحللون بحسب ولاءاتهم في تحديد نسبة هذه الأصوات. زعيم "الشعوب الديموقراطي" صلاح الدين دميرطاش، أقر بأن أصوات حزبه ستكون في الانتخابات القادمة في حدود 11 نقطة. وبهذا فهو يعترف بشكل غير مباشر بأن لديه ثلاث نقاط أصوات أمانة. وحزب "الشعب الجمهوري" يحاول استعادة هذه الأصوات، وهذا ما جعله يُدرج على قوائم مرشحيه اثنين من قادة الجمعيات العلوية، حيث هناك كثافة لهؤلاء الناخبين في الدائرة الثالثة من اسطنبول، والدائرة الأولى من أنقرة.

الحزب الآخر الذي حسّن وضعه أيضاً هو "الحركة القومية"، وقد عارض "مرحلة الحل" مع "العمال الكردستاني"، ورفع دعوى قضائية على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لأنهما وضعا مشروع ما سمي "مرحلة الحل". وتشير الدراسات إلى أن حزب "العدالة والتنمية" خسر بعض ناخبيه بسبب "مرحلة الحل"، وقد انزاحت هذه الأصوات إلى "الحركة القومية"، وبالنتيجة تحقق ما كان يطرحه هذا الحزب من أن "السلام مع حزب العمال الكردستاني مستحيل"، فهو يدخل واثقاً من نفسه بأن توقعاته حول هذه القضية قد تحققت.

عند تشكيل الحكومة المؤقتة التي تشرف على الانتخابات، رفض حزب "الحركة القومية" المشاركة فيها، ولكن نائب رئيسه، وابن مؤسسه طوغرول توركش، وافق بشكل شخصي على المشاركة، وحصل على منصب نائب رئيس الحكومة. وصباح تقديم قوائم الأحزاب للجنة العليا المستقلة، الجمعة، أعلن توركش استقالته من الحزب الذي أسسه والده وفي الوقت نفسه أعلن حزبه فصله، وبعد بضع ساعات ظهر أن اسم طوغرول توركش مدرج على قوائم حزب "العدالة والتنمية" عن مدينة أنقرة.

لا أحد يُنكر أن اسم توركش مهم جداً في "الحركة القومية" التركية، وله شعبية كبيرة بين أنصارها، وليس من المتوقع أن يستمر في "العدالة والتنمية"، فالرجل متمسك بأيديولوجية والده القومية الطورانية، وغير مستعد للتنازل عنها، وعلى الأغلب سيكون نائباً مستقلاً فيما لو نجح، ولكن التوقعات تشير إلى أنه يمكن أن يأتي بنسبة من أصوات القوميين إلى "العدالة والتنمية".

هناك شخصية مهمة أخرى في "الحركة القومية" أُسقطت من قوائم مرشحيه، وهي ميرال آقشنر النائبة عن هذا الحزب لدورات عديدة مضت. وسبب شطبها من قوائم "الحركة القومية" هو اختلافها مع الأمين العام دولت بهتشلي، عند انتخاب رئاسة المجلس؛ فهي لم تؤيد ترشيح الأمين العام السابق لمنظمة "التعاون الإسلامي" أكمل الدين إحسان أوغلو، لرئاسة البرلمان لأنه جديد على الحزب، وليس له سوى بضعة أشهر في صفوفه، ويمكن لغيابها أن يفرز بعض الغاضبين من حزبهم.

من جهة أخرى، فقد استبعدت أسماء مهمة جداً من جداول "العدالة والتنمية" مثل نائب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان السابق بولند أرنتش، والذي كان يعتبر الشخصية الثالثة بعد غول وأردوغان في الحزب قبل صعود نجم أحمد داوود أوغلو، إضافة إلى شخصيات أخرى من الجيل القديم، ونائب التقطت له صورة أثناء نومه في إحدى جلسات البرلمان استُبعد أيضاً عن القوائم. ولكن المفاجأة الكبرى هي أن الشخصية الأساسية في الاقتصاد التركي علي بابا جان، والذي كان أصغر عضو مؤسس في "العدالة والتنمية" لم يتقدم بطلب ترشيح لحزبه، ولكن ورود اسمه في قائمة الحزب عن دائرة أنقرة فاجأ الجميع. وكان من المتوقع أن يُقبل طلب المطرب الكردي المحبوب جداً إبراهيم طاطلِ سَس "تاتليسيس" عن إحدى المحافظات الكردية (أورفة) على قوائم "العدالة والتنمية"، وعلى الرغم من مطالبة الفنان بالعلن بترشيحه، ولكن اسمه لم يُدرج في القائمة.

تضع جميع استطلاعات الرأي العام التركي نسبة 16-18 في المئة، للمترددين، أو الذين لم يحسموا أمرهم بعد، وهذه هي المرة الأولى التي تعود فيها هكذا نسبة إلى عمليات استطلاع الرأي بعد خمس سنوات من غيابها. ففي الانتخابات الأربعة الماضية لم تكن هناك نسبة للمترددين، وإن وجدت فلم تكن تتجاوز نقطتين أو ثلاثة، بمعنى آخر أن الانقسام بين التيارات السياسية التركية كان حاداً، والناخب قد حزم أمره بشكل مسبق. ولكن وجود نسبة كبيرة تصل إلى 18 في المئة هذه المرة تعيد التنافس السياسي إلى المشهد العام التركي. وعلى كل حزب أن يعرف من هؤلاء الذين يشكلون نسبة تجعلهم الكتلة البرلمانية الثالثة فيما لو كان هناك حزب "للمترددين"، وما هي رغباتهم، وكيف يمكن إقناعهم.

نقطة الخلاف الكبرى بين "العدالة والتنمية" وبقية الأحزاب التركية كانت "حل القضية الكردية بطريقة ديموقراطية"، وبعد سقوط هذه الورقة من التداول، وتعليق ما سمي "مرحلة الحل" إلى أجل غير مسمى. لا أحد يريد أن يطول الأجل غير المسمى، لأن إطالته تعني مزيداً من الدماء، ولكن المؤشرات ونبرة الخطاب لدى الطرفين لا تُنبئ بأن الحل السياسي الذي لا بد منه سيكون قريباً. خاصة إذا كان انزياح حزب "العدالة والتنمية" إلى اليمين القومي استراتيجياً وليس تكتيكياً لتمرير مرحلة انتخابية صعبة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها