الأربعاء 2015/08/05

آخر تحديث: 14:05 (بيروت)

الدلال والحاجة عثرتان أمام تشكيل الحكومة التركية

الأربعاء 2015/08/05
الدلال والحاجة عثرتان أمام تشكيل الحكومة التركية
رئيسا "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديموقراطي" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بعد اشتعال الحرب بين حزب "العمال الكردستاني"والجيش التركي، وخروج احتمال مشاركة حزب "الشعوب الديموقراطي" الكردي -الذي تعتبره غالبية القوى السياسية التركية، عدا الشيوعية منها، جزءاً من "العمال الكردستاني"- من أي سيناريو تشكيل لحكومة تركية، انخفض عدد هذه السيناريوهات إلى ثلاثة فقط.

ولم تعد الأخبار العاجلة التي تبدو متناقضة تجذب القراء أو المشاهدين، لأن الخبر العاجل ما إن يصدر حول قرب تشكيل الحكومة بين "العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري"، حتى يصدر عاجل آخر بأن الأبواب فتحت أمام تشكيل الحكومة بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية".


عثرة الحاجة

ما الذي يعيق تشكيل الحكومة بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"؟

يُعتبر "الشعب الجمهوري" من أشد الأحزاب عداءً للمحافظين، ويرى هذا الحزبُ أن "العدالة والتنمية" مغالٍ في المحافظة، وحتى إنه يدعي وجود مخطط سري لهذا الحزب لنقل الجمهورية التركية من علمانية إلى إسلامية. بالإضافة إلى الموقف من سوريا، فرئيس "الشعب الجمهوري" كمال قلتشدار أوغلو، مؤيد علني لبشار الأسد، ويُربط تأييده للأسد بانتمائه الطائفي.

على الرغم من هذه التناقضات الشديدة التي تُظِهر الحزبين على أقصى طرفي نقيض، إلا أن مفاوضات تشكيل الحكومة بينهما لم تنقطع ولو للحظة. فحزب "الشعب الجمهوري" أعلن انتصاره في الانتخابات، على الرغم من خسارته عدداً من النقاط، وعدداً من المقاعد البرلمانية. والمؤشرات كافة، تقول إن أي انتخابات مبكرة ستخسّره نقاطاً أكثر، لذلك ليس من مصلحته خوض معركة انتخابية جديدة.

من جهة أخرى، فإن "الشعب الجمهوري" ابتعد كثيراً عن الحكم، وحتى إن كوادره ملّت هذا الابتعاد، وهو الذي كان حزباً حاكماً يقود الدولة والمجتمع، لذلك يريد أن يشارك في الحكم، من أجل تخفيف الضغط على رئيس الحزب الذي وعد بالاستقالة فيما لو لم يحصل حزبه على نسبة الخمس وعشرين في المئة بالانتخابات العامة، ولم يحصل عليها. ولعل مشاركته في الحكومة هي الفرصة الوحيدة التي تنسي أنصاره وعده بالاستقالة.

يعرف "العدالة والتنمية" هذه الأمور كلها بالطبع، لذلك فهو يستثمر حاجة "الشعب الجمهوري" للمشاركة في الحكومة، وهذا ما يجعل المفاوضات بين الحزبين متعثرة، وطالت كثيراً على الرغم من تشكيل لجان تعمل على بنود "برتوكول الائتلاف الحكومي". فإلى أي مدى ستجبر الحاجةُ "الشعب الجمهوري" على تقديم التنازلات؟ نعم، الحاجة تجعل الحزب –ليس "الشعب الجمهوري" فقط، بل أي حزب- على تغيير اتجاهه 180 درجة. مثلاً، كان "الشعب الجمهوري" حتى آذار/مارس 2011 من أشد المعادين لإيران، وكان شعاره الوحيد "الحكومة التركية تريد أن تجعلنا مثل إيران"، ولكن الحزب ذهب بالاتجاه المعاكس تماماً، وبدأت سياسته الخارجية أقرب، بل تكاد تكون شبه متطابقة مع إيران، ولم يعد يأتي على ذكر النموذج الإيراني. وهكذا ليس من المستغرب أن نرى هذا الحزب في الحكومة، ويطلق مقولات معاكسة تماماً لما كان يطلقه، فالمثل يقول: "صاحب الحاجة أرعن".

ولكن هذه الحاجة فيما لو وصلت إلى درجة تخلي الحزب عن كل ما يطرحه، فستخسّره أكثر مما يخشى من خسارته، لذلك يمكن في أي لحظة أن تتحول الحاجة إلى "عقدة" وتنقطع المفاوضات.


عثرة الدلال

لعل الموقف من "العمال الكردستاني"، وبالتالي "السلام" معه، كان من أهم العثرات بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، وكان "إلغاء" عملية السلام مع "العمال الكردستاني" من أهم شروط "الحركة القومية" للمشاركة في الحكومة. حتى رأى أكثر المراقبين بأن الحكومة الأكثر منطقية هي التي تجمع بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، وخاصة بعدما أفسح "الحركة القومية" المجال لمرشح "العدالة والتنمية" للفوز برئاسة البرلمان التركي.

يبدو حزب "الحركة القومية" اليوم مرتاحاً أكثر من الجميع، فقد زادت أصواته، وتحقق مطلبه بتعطيل ما سمي "مرحلة السلام" مع الأكراد، وهذا التعطيل يثبت مقولاته السابقة بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام مع "العمال الكردستاني". زيادة على ذلك، يبدو وضعه الانتخابي مرتاحاً، فالمؤشرات تقول إنه من المحتمل أن يزيد نسبة أصواته. يبدو أن "الحركة القومية" يضع وضعه هذا بعين الاعتبار أثناء مفاوضاته مع "العدالة والتنمية"، وعلى الرغم من إعلانه إغلاق الأبواب فإن المباحثات بينه وبين "العدالة والتنمية" لم تغلق يوماً. فهو بمقاعده الثمانين يمكن أن يفرض ما يريد في حال تعثر مفاوضات الحاجة بين "الشعب الجمهوري" و"العدالة والتنمية".

من جهة أخرى يعرف حزب "الحركة القومية" أن دخوله في الحكم يمكن أن يؤدي إلى خسارته بضع نقاط كان قد كسبها في الانتخابات الأخيرة، لأن القاعدة تقول "الحكم يؤثر على الحزب"، لذلك لا يرى بدخوله الحكومة مصلحة. حتى إن "الحركة القومية" يساهم بالضغط على حزب "الشعب الجمهوري" من أجل دخوله الحكومة.

وأهم ورقة ضغط يستخدمها حزب "الحركة القومية" هي استعداده لدعم حكومة أقلية يشكلها "العدالة والتنمية" في حال حدد تاريخاً معيناً لإجراء انتخابات مبكرة، بحسب تصريح لنائب رئيس "الحركة القومية" سميح يالتشن. وإذا كانت وكالة "رويترز" قد حذفت "في حال حدد تاريخاً معيناً لإجراء انتخابات مبكرة" فإن صاحب التصريح، أكدها في بيان آخر أرسله للوكالة، ونشره.

من جهة أخرى، رفض رئيس هذا الحزب تقديم الدعم لحكومة أقلية يشكلها حزب "العدالة والتنمية"، فهل هناك تناقض؟

إنها لعبة الألفاظ ثانية، فإذا كان حزب "الحركة القومية" على لسان يالتشن، يقبل بحكومة أقلية تحدد انتخابات مبكرة، فإن رئيس الحزب لا يوافق على حكومة أقلية تحكم إلى أجل غير مسمى. أي أن السيناريو الثالث، وهو سيناريو حكومة الأقلية بقي مطروحاً، ويمكن أن يعيد حزب "الحركة القومية" ما فعله في انتخابات رئاسة البرلمان، ويسمح بتشكيلها، ولكن بشرط تحديد الانتخابات المبكرة.

وهكذا فإن وضع حزب "الحركة القومية" المريح، وتحقق مطالبه دون أي تنازلات، يجعله متمهلاً بل و"مدللاً" في قضية تشكيل الحكومة التركية...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها