الجمعة 2015/08/21

آخر تحديث: 13:17 (بيروت)

الانتخابات التركية: الديموقراطية هي الحل؟

الانتخابات التركية: الديموقراطية هي الحل؟
الحكومة تتهم حزب "العمال الكردستاني" باقتياد الناس إلى صناديق الانتخاب بقوة السلاح (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
إنها المرة الأولى التي تفشل فيها الأحزاب السياسية في تركيا بتشكيل حكومة، ومن جهة أخرى، لا بد من التذكير بأنها المرة الأولى التي تتحول فيها تركيا إلى نوع من الديموقراطية، بعد سيطرة العسكر على الحياة السياسية طوال المرحلة الجمهورية تقريباً. فهل "الديموقراطية هي الحل" كما ينادي أنصارها؟

تركيا ليست بمعزل عن الانقسام السياسي الحاد الذي يحكم المنطقة كلها، لكن ما يضيف الغرابة إلى الانقسام السياسي في هذا البلد هو الحدة في المواقف، حتى من الأحزاب القريبة بالرؤى الأيديولوجية من بعضها البعض. المثال الأبرز على هذا الأمر، هو موقف حزب "الحركة القومية"؛ فبعد إشارات عديدة لليونة كان الحزب قد قدمها في أكثر من مناسبة، وأهمها تمهيد الطريق لانتخاب رئيس للبرلمان من حزب "العدالة والتنمية"، عاد إلى التشدد، وأغلق باب إمكانية تشكيل الحكومة.

هناك أربعة أحزاب قادرة على التواجد في الساحة السياسية التركية حالياً، وثلاثة من هذه الأحزاب لم يتغير وضعها كثيراً خلال الاستحقاقات الانتخابية العشرة الأخيرة، والتي جرت خلال 13 عاماً. هناك بضع نقاط متغيرة في كل انتخاب لم تغير في المشهد كثيراً. ولا شك أن الجديد الوحيد في الانتخابات العامة التركية الأخيرة هو حزب "الشعوب الديموقراطية" الذي خاض الانتخابات أول مرة كحزب بعدما كان يخوضها كأفراد، وحصل على نسبة مهمة من الأصوات لم يتوقعها أي استطلاع للرأي في تركيا. وكانت المفاجأة مزدوجة، ففي المناطق الكردية حصل على نسب غير مألوفة في البلدان الديموقراطية، وقد اقتربت في بعض المناطق من 90 في المئة. المفاجأة الأخرى كانت تقدم "الشعوب الديموقراطي" على "الحركة القومية" في اسطنبول.

عندما تتقرر انتخابات الإعادة، أو الانتخابات المبكرة (تسمى الإعادة في حال جرت تحت سلطة حكومة تسيير الأعمال، ومبكرة في حال شكل رئيس الجمهورية حكومة مؤقتة تشرف على العملية الانتخابية)، فما الذي سيحصل عليه حزب ما، زاد رصيده الانتخابي نقطة أو نقطتين؟ بالطبع ليس هناك من يدفع باتجاه انتخابات وهو يعلم بأنه يخسر بعض النقاط، فالكل يسعى إلى تحسين وضعه الانتخابي.

لقد قلبت الحرب المندلعة داخل الحدود التركية وخارجها على حزب "العمال الكردستاني" الكثير من الموازين، ويبدو أن نتائجها هي الحاسمة. فما سيخرج من الصندوق يرتبط ارتباطاً مباشراً بما سينتج عن هذه الحرب. فالحكومة تتهم حزب "العمال الكردستاني" باقتياد الناس إلى صناديق الانتخاب بقوة السلاح، وهكذا فإن النتائج الكاسحة التي حصل عليها حزب "الشعوب الديموقراطية" في المحافظات الكردية يمكن أن تتغير فيما لو قصقصت أجنحة حزب "العمال الكردستاني".

ولكن ماذا عن اسطنبول حيث القوات الأمنية التابعة للدولة هي صاحبة السيطرة؟ وكيف حصل هذا الحزب على نسبة كبيرة من الأصوات في مدن الغرب التركي؟

يرى حزب "الشعب الجمهوري" أن هذه أصوات أمانة ذهبت من عنده إلى حزب "الشعوب الديموقرطية". وفي الحقيقة، عندما استطلعتُ آراء بعض المثقفين حول هذا الأمر، أكدوا أنهم طوال حياتهم صوتوا لحزب "الشعب الجمهوري"، وهذه هي المرة الأولى التي يصوتون فيها لحزب "الشعوب الديمقراطية". ولكن هذه النسبة لا يستطيع أحد تحديدها بالضبط، لأن المكون الكردي متواجد بقوة في الغرب التركي، وخاصة اسطنبول، وهذا المكون غالباً ما لم يكن يصوت، وإن صوّت فأصواته غالباً ما كانت تتوزع على الأحزاب الأخرى لعدم وجود حزب كردي يمثله يستطيع تجاوز عتبة العشرة في المئة. بمعنى آخر فإن ما يسمى أصوات الأمانة، أي الأصوات المنتقلة من حزب "الشعب الجمهوري" مجهولة تماماً، ودخول هذا الحزب الانتخابات من جديد يمكن أن يشكل له مفاجأة.

لا يسعى حزب "الشعب الجمهوري" وحده وراء أصوات الأمانة في الانتخابات، بل هناك حزب "العدالة والتنمية" أيضاً. فقد خسر هذا الحزب أنصاره القوميين، وعندما خاض الانتخابات السابقة فقد عرف تماماً أنه خسر أنصاره هؤلاء. وقد شكل قبل أكثر من سنة لجاناً زارت أهالي ضحايا الحرب التي استمرت طويلاً بين السلطات التركية والأكراد من أجل اقناعهم بضرورة الحل السياسي، واستمالتهم. لكن يبدو أن عملية إرضائهم لم تكن ناجحة. ولعل الحرب التي اشتعلت أخيراً، وأسقطت إمكانيات الحل السياسي للقضية الكردية مرحلياً تجعل أصحاب هذه الأصوات يعودون إلى حضن "العدالة والتنمية"، فهل يحصل هذا؟ 
المشهد السياسي يوضح بأن حزب "العدالة والتنمية" هو الحزب الوحيد الذي يمكن أن تغير ثلاث أو أربع نقاط وضعه السياسي كله، فهي تكفيه للحصول على أغلبية في البرلمان، فهل يحصل على هذه النقاط؟ وهل هذا ما جعله متشدداً في تشكيل الحكومة الائتلافية؟

الانتخابات ستخسّر تركيا مبالغ طائلة، ولعل أبرز مؤشرات هذه الخسائر هي عودة نسبة انخفاض العملة التركية في السنة الأخيرة إلى نسبة تشبه كثيراً ما كانت عليه قبل وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم، والخسائر لن تكون على الصعيد الاقتصادي فقط، بل على الصعيد البشري والتنموي أيضاً، فكثير من مشاريع التنمية في المنطقة الكردية توقفت، وحتى لو فُرض الأمن بالقوة العسكرية في تلك المناطق، فهل ستعود الاستثمارات من جديد إلى هناك؟

صحيح أن هناك انتخابات جديدة في تركيا، وسينتظر العالم كله نتائجها، لكن نتائج الحرب الدائرة هي التي ستحسم تلك الانتخابات، ولا أعتقد بأن حزباً ما ستكون نتائجه إيجابية على أي طرف من الأطراف المتحاربة حتى وإن كسب بعض النقاط. الديموقراطية هي الحل، ولكن يجب أن تؤمن القوى السياسية كلها بهذا الشعار.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها