الخميس 2015/07/02

آخر تحديث: 13:43 (بيروت)

ملامح حكومة تركية متشددة.. وتحرك عسكري

ملامح حكومة تركية متشددة.. وتحرك عسكري
الاجتماعات الهامة ستكون بين هيئتي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بدأ هذا الشهر بتطورات متلاحقة بلورت كثيراً من ملامح مستقبل الحكومة التركية، بعد تكهنات وتحليلات متعددة. فانتهت انتخابات رئاسة البرلمان التركي بفوز مرشح حزب "العدالة والتنمية" عصمت يلماظ، بأكثرية الأصوات في الجولة الرابعة من الانتخابات. حظي يلماظ بـ259 صوتاً، أي بزيادة صوت عن مجموع أعضاء حزبه، فمن الذي منحه هذا الصوت؟ بينما حظي مرشح حزب "الشعب الجمهوري" دنيز بايقال ب 182 صوتاً من المتوقع أنها مجموع أصوات حزبه مع دعم من غالبية أعضاء حزب "الشعوب الديمقراطية". ذلك يدخل في إطار التوقعات لأن الانتخاب سري. وقد صبّ عدم تصويت أعضاء حزب "الحركة القومية" لأي من المرشحين، أو التصويت بأوراق باطلة، لصالح مرشح "العدالة والتنمية" ليحظى بالأكثرية الكافية في الجولة الرابعة، ويفوز برئاسة البرلمان.

حزب "الشعب الجمهوري" كان قد عرض على رئيس حزب "الحركة القومية" رئاسة الحكومة، وضمان دعم حزب "الشعوب الديموقراطية" لتشكيل حكومة خارج "العدالة والتنمية". حكومة راهنت عليها، قبل الانتخابات وبعدها، كثير من القوى الدولية والإقليمية. ولكن رئيس "الحركة القومية" دولت بهتشلي، رفض دعم "الشعوب الديموقراطية" الذي يعتبره عدواً، لا بل أن "الحركة القومية" تريد إيقاف مشروع حل القضية الكردية سياسياً، الذي بدأه حزب "العدالة والتنمية".

انتخاب رئيس البرلمان أعطى مؤشراً على تبدد آمال بعض القوى الدولية والإقليمية؛ الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران ومصر، بتشكيل حكومة خارج حزب "العدالة والتنمية". فعدم تصويت أعضاء حزب "الحركة القومية" هو إظهار حسن نية، ومواربة لباب تشكيل حكومة مع حزب "العدالة والتنمية".

التقاليد السياسية تقتضي تكليف رئيس أكبر كتلة برلمانية، وهو أحمد داوود أوغلو، بتشكيل الحكومة، ووجوب اتصاله بأكبر الأحزاب حسب تسلسل عدد مقاعدها. أي ما يفرض على أوغلو بدء المفاوضات مع حزب "الشعب الجمهوري"، لكن ذلك اللقاء يمكن أن يكون بروتوكولياً لأن الطبخة على ما يبدو قد باتت جاهزة، بانتظار اتخاذ الخطوات المعمول بها. فالاجتماعات الهامة ستكون بين هيئتي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية".

يبدو أن حزب "الشعوب الديموقراطية" شعر بأنه أضاع فرصة التحالف مع "العدالة والتنمية"، فصرّح صلاح الدين دميرطاش، بأنه لابد من إجراء انتخابات مبكرة، وأن الحكومة الائتلافية لن تستمر فيما لو تشكلت. هل هناك حزب يستطيع تشكيل حكومة وحده دون ائتلاف مع أحزاب أخرى؟ أي حزب سيكون هذا؟ هذا التصريح يدل على إضاعة فرصة ذهبية سنحت للحركة الكردية، وقد ضيعتها.

الحكومة التي بدأت تتبلور ملامحها، ستكون أكثر تشدداً من حكومة "العدالة والتنمية"، فحزب "الحركة القومية" كان ينتقد الحكومة التركية لعدم القيام بما يلزم لحماية التركمان شمالي سوريا والعراق. ولعل تحالف "الحركة القومية" مع "العدالة والتنمية" سيسهل تمرير ضربة عسكرية لتنظيم "الدولة الإسلامية" و"وحدات الحماية" الكردية لإبعادهما عن الحدود، وعن القرى التركمانية وحتى عن بعض القرى العربية.

بالتزامن مع إجراء الانتخابات، تم نقل عشرين طائرة "إف 16" إلى قاعدة ديار بكر العسكرية، وإلغاء الإجازات للعسكريين في المنطقة الجنوبية. وهذه مؤشرات على التأهب للدرجة القصوى على الجانب التركي، وإن لم يُعلن هذا التأهب بعد. أما على الطرف السوري، فقد تأهبت "داعش"، وزرعت ألغاماً على طول الحدود مع تركيا.

صحيح أن حزب "العمال الكردستاني" هدّد بالعودة إلى حمل السلاح والقتال من جديد في تركيا، في حال ضرب "وحدات حماية الشعب" الكردية، ولكن تصريح رئيس حزب "الإتحاد الديموقراطي" صالح مسلم، كان  أخف حدّة؛ فقد رفض التدخل التركي الأحادي الجانب من دون غطاء من "الناتو". و"الإتحاد الديموقراطي" هو جناح "العمال الكردستاني" في سوريا. كما جاءت تصريحات الولايات المتحدة، لتقول إنه لا ضرورة لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري حالياً، ولكنها تراعي المصالح القومية التركية، فهل هذا يعني أن تركيا إذا دخلت، وأبعدت "وحدات الحماية" الكردية و"داعش" دون إعلان منطقة آمنة، فستكون العملية مقبولة؟


كانت الولايات المتحدة تعوّل على تشكيل حكومة تركية ضعيفة تستطيع استخدامها في محاربة "داعش" فقط، ولكن الحكومة التي بدأت تظهر ملامحها ستكون أكثر تشدداً، فهل هذا ما سيدفع الولايات المتحدة للتعامل مع الأمر الواقع، والقبول ببعض الطلبات التركية؟ ومن هذه الطلبات عدم فرض أمر واقع شمالي سوريا دون أن يكون لتركيا دور في بلورة هذا الواقع؟

كلام دميرطاش حول ضرورة الانتخابات المبكرة يمكن أن يكون صحيحاً، ولكن لابد لـ"العدالة والتنمية" أن يتخذ بعض الإجراءات التي تعيد له النقاط التي خسرها قبل الإقدام على انتخابات مبكرة، أي أن الانتخابات المبكرة في حال تشكيل حكومة ائتلافية، لن تكون خلال الأشهر المقبلة. فإبعاد "داعش" و"وحدات حماية الشعب" الكردية عن القرى الحدودية، وتأمين حماية جوية لها يمكن أن يعيد أكثر من نصف مليون لاجئ سوري إلى تلك المناطق، وهذا ما سيريح حزب "العدالة والتنمية" في أي انتخابات عامة مبكرة، ويجعله يتلافى النقط التي خسرها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها