الثلاثاء 2015/06/30

آخر تحديث: 14:34 (بيروت)

تركيا بين "الحزم" ولعبة عض الأصابع في الشمال السوري

الثلاثاء 2015/06/30
تركيا بين "الحزم" ولعبة عض الأصابع في الشمال السوري
الأكراد هم الحلفاء الأقرب للولايات المتحدة الأميركية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
إنها المرة الأولى التي تتحدث فيها صحف المعارضة والموالاة التركية، على حد سواء، عن استعدادات عسكرية تركية للدخول إلى شمال سوريا. وبما أن الحكومة التركية بحكم تسيير الأعمال، فقد غابت التصريحات الرسمية حول هذا الموضوع. طبعاً يستثنى من الرسميين الرئيس رجب طيب أردوغان الذي انتقد تصرفات حزب "الاتحاد الديموقراطي" (PYD)  بشدة، وهذا ليس جديداً.

الصحف المعارضة عموماً تعيد ما تنشره حول تدخل عسكري تركي بين ساعة وأخرى، منذ أربع سنوات، مع تعديلات طفيفة، ومنها جريدة سوزجو "الناطق" التي تُحسب على اليسار، وهي في الغالب جريدة شائعات تحظى باهتمام "محور الممانعة"، فقد كان عنوانها الإثنين: "يمكنكم الدخول إلى سوريا، ولكنكم لا تستطيعون الخروج". وفي خبر آخر نقلاً عن الاسم المستعار "فؤاد عوني" نقلت الجريدة ما يمكن تسميته "تحريضاً" بالقول: "الجيش التركي والإسرائيلي سيدخلان سورياً معاً بتنسيق كامل"، وإذا كانت "تنبؤات" هذا الاسم قد حصلت في ما يتعلق بجماعة فتح الله غولان، فإن تنبؤاته حول دخول الجيش التركي إلى سوريا لم تصدق قط. جريدة "راديكال" المعارضة المعروفة برصانتها، كان خبرها أقرب إلى نهجها عموماً: "الحكومة تريد التدخل في سوريا، والعسكر مترددون". ولا ضرورة لتعداد المواقع والصحف الإخبارية المعارضة كلها، ولكنها عموماً تحذر من مخاطر التدخل، لأنها ستجد مقاومة عنيفة من "الجيش السوري الذي صمد أمام جيوش العالم مجتمعة"! وهي العبارة التي تستخدمها وكالتا الأنباء السورية "سانا" والإيرانية "فارس".

صحف الموالاة عموماً عبر كتّابها وجّهت انتقادات شديدة للولايات المتحدة الأميركية لقصفها المدنيين العرب والتركمان بناء على بنك أهداف قدمها لهم حزب "الاتحاد الديموقراطي" (PYD) الذي تصفه بـ"الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني" (PKK)، ويشترك الكتاب عموماً بالقول: "إن التغيير الديموغرافي الذي يقوم به PYD يشكل خطراً كبيراً، ولابد من إيقافه". كيف سيتم إيقافه؟ ذهب بعض الكتاب في هذه الصحف للإشارة بشكل خجول إلى احتمال التدخل، من خلال مقولة: "إذا تمادى، سيكون هناك تدخل" ما هو بُعد التمادي؟

تركيا منذ البداية اشترطت لتدخلها في سوريا موقفاً دولياً، وبالطبع ليس قراراً من مجلس الأمن، فهي تعرف بأن هذا غير ممكن، ولكنها طلبت موافقة أميركية، وبالتالي غطاءً من "الناتو". وشكّلت الولايات المتحدة الأميركية دائماً متراساً قوياً يمنع أي تدخل تركي، وحتى تمرير أي مضاد طائرات نوعي يمكن أن يغيّر الموازين على الأرض.

بناء على هذا الموقف رفضت تركيا المشاركة بقوات التحالف الدولي ضد "داعش"، واشترطت إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري، وتشكيل قوة برية، لأن القوى الجوية لا يمكن أن تحسم معركة.

يمكن قراءة التحالف الجديد بين الولايات المتحدة وقوات "الحماية الشعبية الكردية" كورقة ضغط أميركية على تركيا، من أجل زجها في الحرب ضد "داعش" فقط، وقبولها بقاء النظام السوري. كما يمكن اعتبار التسريبات حول إمكانية الهجوم التركي على مواقع "PYD" و"داعش" رسالة تركية للولايات المتحدة، بأنها يجب أن تكون حاضرة وبقوة في الخطط المتعلقة بالمنطقة. وهكذا كل طرف سيعض على أصابع الطرف الآخر.

الولايات المتحدة كعادتها تحيل اتهامات التهجير وضرب القرى العربية والتركمانية إلى التحقيق، والتأكد من هذه الأمور، هذا يعني أن تكذيبها لم يعد ممكناً. إثر هذا الأمر لم يكن أمام "وحدات الحماية الشعبية" سوى الاعتراف بما جرى، وإحالته إلى تصرفات فردية. ما الذي تغير؟ لا شيء.

لاشك أن الولايات المتحدة الأميركية حريصة على حلفائها، ولكنها هل تقبل من حليف لها أن يتمادى خارج إرادتها؟ لا تسمح بالطبع، ولابد من "تحذيره".

يدور الحديث حول التحالف الجديد بين الولايات المتحدة و"PYD"، وفي هذا المجال يقول رئيس "مجلس العلاقات الخارجية" ريتشارد هاس، الأقرب إلى مراكز صنع القرار الأميركي في حديث لجريدة "حريت": "الأكراد هم الحلفاء الأقرب للولايات المتحدة الأميركية" وبالطبع يقصد بكلمة الأكراد حزب الـ" PYD"، فهل تسمح الولايات المتحدة لأي قوة بضرب حليفها الجديد؟

عندما ينظر إلى المشهد العام، وتؤخذ بعين الاعتبار الأطراف الثلاثة: حزب "العدالة والتنمية"، و"PYD" والولايات المتحدة، لا بد من التوصل إلى أن التدخل العسكري غير ممكن. ولكن تركيا أيضاً حليف مهم للولايات المتحدة، وإن كان الحليفان في السنوات الأخيرة قد وقعا في كثير من الخلافات، فهل تتخلى الولايات المتحدة عن أكبر جيش في حلف "الناتو"، وهو الجيش التركي؟ يبدو أن هذا ما دفع السفير الأميركي في تركيا جون باس، لتقديم تصريحات لجريدة "ستار" يحاول من خلالها تخفيف التوتر، بالقول: "ليس للولايات المتحدة أي خطط سرية تتعلق بالشمال السوري".

يبدو المشهد معقداً جداً، وبقدر ما أن مؤشرات الضربة العسكرية منطقية، ولها ما يبررها من الزاوية التركية، بقدر ما للولايات المتحدة المبررات لمنعها. ولكن قياساً على ما جرى في اليمن، ومثلما جرت عملية تأديبية للحوثيين هناك على يد السعودية وبغض طرف من الولايات المتحدة الأميركية، أليس من الممكن أن تجري عملية تأديبية على يد تركيا وبغض طرفٍ من الولايات المتحدة الأميركية أيضاً؟ فالحوثيون حلفاء جدد للولايات المتحدة، والسعودية حليفة قديمة، وتمادى الحليف الجديد في اليمن، وشدت أذنه السعودية.

إنه منطقي، والممكن أكثر أن تكون عملية "حزم" صغيرة، أو ما يمكن تسميته بـ"حزمة" تذكّر "PYD" بأن العمل يجب أن يكون منسقاً مع الرعاة، ويمكن أن يحظى ببعض المكتسبات في إطار ما يسمح به الراعي فقط. وبهذا ترضي الطرفين، ويدفع الطرفان الثمن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها