الأربعاء 2015/11/04

آخر تحديث: 14:48 (بيروت)

الفرصة الكردية الضائعة في تركيا

الأربعاء 2015/11/04
الفرصة الكردية الضائعة في تركيا
السهل هو إلقاء اللوم في الخسارة على الآخرين، ولكن أليس للخاسر أيضاً دور في الخسارة؟ (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
لو دققنا النظر في خاسري انتخابات الإعادة التركية الأخيرة، نجد أنهم الرابحون في الانتخابات العادية السابقة التي جرت في 7 حزيران/يونيو، وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون مصادفة.

فقد أفرز المشهد الجديد خسارة تعتبر كبيرة لحزب "الحركة القومية" بلغت 4.3 نقطة، في حين خسر حزب "الشعوب الديموقراطي" 2.35 نقطة وهي تُمثل سدس مجموع أصواته التي حصل عليها، وانعكست خسارته عملياً على نصف مقاعده البرلمانية؛ إذ حظي بأربعين مقعداً بعد أن كان يشغل ثمانين مقعداً. ولكن حزب "الشعب الجمهوري" الذي تراجع في الانتخابات السابقة، حسّن وضعه بشكل طفيف جداً بزيادة بلغت 0.8 نقطة. بينما حقق حزب "العدالة والتنمية" زيادة بلغت تسع نقاط تقريباً، جاءته من مجموع خسائر الحزبين المتراجعين، وأصوات جديدة من زيادة نسبة المشاركة التي بلغت حوالي 2 في المئة بحسب نتائج غير نهائية.

عند صدور نتائج انتخابات 7 حزيران/يونيو، كانت قراءة كثير من المحللين الليبراليين، تقول إن عدم تفرّد "العدالة والتنمية" في الحكم، لدورة رابعة، هو مصلحة تركية. وتوقعوا إمكانية قيام ائتلاف حكومي بين "العدالة والتنمية" و"الشعوب الديموقراطي" اعتماداً على الانسجام الذي تحقق في العمل البرلماني التشريعي بين نواب الحزبين، خاصة في التعديلات الدستورية والقوانين المتعلقة بإعطاء الأكراد بعض حقوقهم. ولاشك أن هناك مصلحة للطرفين بذلك الائتلاف، ولعله كان يعدُ بمزيد من الخطوات الديموقراطية.

ولكن فجأةً، عادت عمليات حزب "العمال الكردستاني" العسكرية، وبعد تبني العمليات، نسبها الحزب إلى تصرف فردي لقوى على الأرض ليست على تواصل مع القيادة، ثم صمت. ثم عاد "العمال الكردستاني" ليتهم الحكومة التركية بأنها قامت بتلك العمليات ضد قواتها الأمنية من أجل اتهامه، وهكذا تعمقت القطيعة، وارتفعت حدة الصراع، ودخل الطرفان حالة حرب لم يشهداها من قبل. وهنا اعتبر "الشعوب الديموقراطي" أن أحداً لا يسمع الإيرانيين وهم يقرعون طبول الحرب، ويعلنون صراحة أنهم وراء هذه العمليات. وقد بلغ الأمر نزول وزير الداخلية الإيراني إلى أحد معسكرات حزب "العمال الكردستاني" في جبل قنديل، والتقاطه الصور بالبزة العسكرية ونشرها في حسابه الخاص. وعلى الرغم من كل هذا لنعتبرهذه التصرفات الإيرانية "مفبركة" وصُورت في "استوديوهات" أقيمت بشكل خاص لهذا الغرض..

بالتوازي مع تصريحات حزب "الشعوب الديموقراطي" حول الرغبة بالسلام، فقد قدّم تصريحاً، وموقفاً صريحاً يمكن استخدامه كدليل على عدم رغبته في السلام، بل رغبته الشديدة بالحرب. الموقف هو: "إعلانه خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية تقديم الدعم دون مقابل لائتلاف بين حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية". ولا يمكن أن يكون جاداً من يصرّح بأنه من أنصار السلام، ولا يريد القتال، ويقول إن العمليات العسكرية التي نُفذت ضد قوات الأمن التركية والجيش التركي هي عمل حكومي استفزازي، وأن حزب "العمال الكردستاني" بريء منها، ثم يقدم دعماً غير مشروط، ودون مقابل لحزب "الحركة القومية" الذي يرفض الحل السياسي مع الأكراد بكل تنويعاتهم وليس مع "العمال الكردستاني" فقط، ويعتبر أن أي حل غير الحل العسكري هو خيانة عظمى يجب أن يُحاسب من يقدم عليها. حتى أن "الحركة القومية" كان قد اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالخيانة العظمى "لتقديمه تنازلات وطنية لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية"، ورفع دعاوى قضائية فعلياً ضد أردوغان.

أحد رموز الليبراليين في حزب "العدالة والتنمية" الأرمني إيتيان محجوبيان، وصف تصرفات حزب "الشعوب الديموقراطي" بـ"المراهقة السياسية".

ويتشكل حزب "الشعوب الديموقراطي" من غالبية كردية عظمى، أتت من مؤيدي حزب "العمال الكردستاني" ذي الخلفية القومية الماركسية، مع نسبة من الشيوعيين من قوميات أخرى. وهكذا فهو يحمل في طياته كثيراً من خصوصيات الأحزاب الشمولية، وهذا النوع من الأحزاب في المنطقة كلها يعاني من نقطتي ضعف؛ الأولى عدم قبوله للنقد العلني، وربطه أي نقد من هذا النوع بالعمالة للإمبريالية والرجعية، والثاني استخفافه بالناس العاديين، واعتبارهم جهلاء في أحسن الأحوال. ولعل هذا ما جعل الناس العاديين المستخف بهم ينفضّون عن هذا النوع من الأحزاب.

في المقابل، لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى حزب "الحركة القومية" فهو حزب متشدد ولكنه على الطرف الآخر من الأحزاب الشيوعية، أي أقصى اليمين القومي. وحزب "الحركة القومية" إضافة إلى تعرضه للخسارة الأكبر في الانتخابات الأخيرة، فقد خسر قلعته الوحيدة وخزان أصواته لصالح حزب "العدالة والتنمية"، في محافظة عثمانية.

أثناء المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية بين "الحركة القومية" و"العدالة والتنمية"، وإثر تصريح الأخير بأنه "وضعَ خطة إيجاد حل سياسي للقضية الكردية في الثلاجة"، رد رئيس "الحركة القومية" دولت بهتشلي، قائلاً: "لا يكفي وضعها في الثلاجة، يجب سحب المأخذ الكهربائي، لتتفسخ"، رافضاً أي مهادنة في هذا الموضوع. ولعل هذا الأمر لعب دوراً ما في تعرض حزبه للخسارة الأكبر في انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، لأن الناس لا يريدون التوتر، وقد نعموا بالسلام، وقطفوا ثماره.

السهل هو إلقاء اللوم في الخسارة على الآخرين، ولكن أليس للخاسر أيضاً دور في الخسارة؟ ما أفرزته الانتخابات التركية هو أبعد من تعرض حزب "الشعوب الديموقراطية" لشيء من الخسارة. لقد كانت أمام "الشعوب" في الجمهورية التركية فرصة ذهبية للبدء بالسير على طريق إصلاح سياسي ودستوري يطور الديموقراطية التركية، وقد وُضعت حالياً في الثلاجة، خاصة بعد انضمام عدد كبير من أعضاء حزب "الحركة القومية" لحزب "العدالة والتنمية". وقد أصبح الأمر أصعب بكثير عما كان عليه قبل انتخابات 7 حزيران/ يونيو، وإثرها مباشرة.

من جهة أخرى، كان الرئيس المشارك لحزب "الشعوب الديموقراطي" صلاح الدين دميرطاش، مرشحاً ليكون زعيماً وطنياً على مساحة تركيا كلها، ولكن هذا التخبط الذي عاشه في الفترة بين الاستحقاقين الانتخابيين سلبه هذه الصفة، وأبقت عليه زعيماً كردياً فقط.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها