الإثنين 2015/11/02

آخر تحديث: 12:25 (بيروت)

"العدالة والتنمية" فاجأ ذاته!

الإثنين 2015/11/02
"العدالة والتنمية" فاجأ ذاته!
لقد كانت مفاجأة كبرى، ولم يصدقوا ما حدث (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
غاب مرشحو حزب "العدالة والتنمية" عن الساحة الإعلامية قبيل إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية التركية، التزاماً بالقانون لكي لا يخرق ظهورهم الصمت الانتخابي. لذلك لم نستطع رصد وجوههم لحظة البدء بإعلان النتائج الانتخابية، ولكن من وقع نظره على وجوه بعض المحللين السياسيين القريبين من "العدالة والتنمية" في تلك اللحظات، فقد شاهد تعبيرات يصعب وصفها. ولكن الوصف الأقرب هو الذهول لفترة طالت حتى بعد فتح أكثر من خمسين في المئة من الصناديق.

لقد كانت مفاجأة كبرى، ولم يصدقوا ما حدث. هل يمكن لحزب أن يحظى بزيادة تسع نقاط خلال بضعة أشهر؟ إنها حالة تشبه المستحيل. ولم تكن توقعات الرأي العام القريبة من حزب "العدالة والتنمية" تشير إلى غير هذا، فهي بغالبيتها تقول: "إما فوز بسيط على الحدود لحزب العدالة والتنمية، أو تحسين وضعه بنقطتين أو ثلاث!". بالطبع هناك استطلاعات رأي نشرتها المعارضة التركية قالت إن حزب "العدالة والتنمية" لن يحصل على ثلاثين في المئة.

لقد اعتمدت الدعاية الانتخابية لأحزاب المعارضة التركية قبيل الانتخابات الماضية في 7 حزيران/يونيو، على كسر الحاجز النفسي الذي سيطر على الناخب في عموم تركيا، وهو إيمانه بعدم وجود بديل عن حزب "العدالة والتنمية". وكان الأمل معقوداً على فشل هذا الحزب لتشكيل حكومة بمفرده، وتشكيل حكومة من أحزاب المعارضة مجتمعة، أو الذهاب إلى انتخابات الإعادة بعد كسر هذا الحاجز النفسي في حال عدم التمكن من تشكيل الحكومة. وقد نجحت استراتيجية المعارضة، ودخلت انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، بضخ آمالٍ كبرى بأن حول نهاية "العدالة والتنمية".

رافقت هذه الحالة النفسية توقعات رأي عام كانت بمجملها تعطي "العدالة والتنمية" نتيجة مشابهة لما حصل عليه في الدورة السابقة، مع تقدم كبير جداً لحزبي "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية". وقد ذهب البعض إلى اعتبار الحكومة التركية التي ستظهر صباح 2 تشرين الثاني/نوفمبر هي حكومة ائتلافية من حزب "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية". بل أن هناك من بحث عن سجن لرجب طيب أردوغان!.

في الطرف المقابل ظهرت استراتيجية حزب "العدالة والتنمية" بأنه يريد استهداف الكتلة القومية، وجذبها، وقد كانت أولى الخطوات هي ترشيح الزعيم القومي طغرول توركش على قوائم "العدالة والتنمية". وعلى الرغم من محاولة "الحركة القومية" إظهار طغرول توركش بأنه مجرد فرد، ولكن الأمر لم يكن مقنعاً، فالرجل ابن مؤسس هذه الحركة، وكان نائباً لرئيسها الحالي وله جمهور واسع. وقد شهدت الأيام التي سبقت الانتخابات انشقاقات عديدة في "الحركة القومية"، وإعلان المنشقين انتسابهم إلى "العدالة والتنمية". هناك رؤساء بلديات وأعضاء مجالس بلدية بين أولئك المنشقين عن "الحركة القومية" والمنتسبين إلى "العدالة والتنمية"، ولكن أعداد هؤلاء لم تتجاوز المئات. أي بما يمكن أن يضيفوا نقطة على الأكثر.

كانت قيادات "العدالة والتنمية" في تصريحاتها ومقابلاتها التلفزيونية تقول إنها ستفوز في الانتخابات، ولكنها لم تقدم أرقاماً تزيد عن 45 أو 46 في المئة من الأصوات، وهي الحد الأدنى لتشكيل الحكومة، لأنها تنعكس بـ50 في المئة زائد واحد، من المقاعد البرلمانية.

عند صدور النتائج أصيب العالم كله بالجمود. لم تكن هذه النتيجة متوقعة نهائياً، وحتى إن نائب رئيس "العدالة والتنمية" بولند أرينتش، لم يخفِ دهشته، وقال: "لم يحدث أن حسّن حزب سياسي وضعه بما يقارب العشر نقاط في فترة قصيرة كهذه". بالطبع هي تسع نقط تقريباً، وهذه تعني زيادة بمقدار ربع الأصوات التي حصل عليها الحزب قبل خمسة شهور فقط، وفعلاً هي نسبة مذهلة.

لاشك أن ما حققه "العدالة والتنمية" هو نجاح مذهل، وقد ذُهل الناجحون أنفسهم بهذه النتيجة. ولكن ثمة حقيقة جلية وهي أن الدعاية ضد "العدالة والتنمية" قوية وغير مسبوقة، ووسائل الإعلام التركية على الرغم من كل ما يقال، فهي تعمل بغالبيتها ضد "العدالة والتنمية". ولا يقف الأمر عند هذه الحدود، فكثير من وكالات الأنباء العالمية الكبرى مثل "وكالة الصحافة الفرنسية" و"رويترز" تخلت عن مهنيتها في الشأن التركي، ودفعت ببروبغاندا ضد "العدالة والتنمية". فما الذي يجعل كل هذه الجهود تبوء بالفشل؟ الجواب على هذا السؤال بسيط، وهو كلمة واحدة: المعارضة.

دائماً تجد المعارضة التركية نفسها على حق، وتبحث عما يثبت أنها على حق. عندما سأل أحد الصحافيين رئيس حزب "الشعب الجمهوري" كمال قلتشدار أوغلو، تعليقاً على نتيجة الانتخابات: "هل ستستقيل؟" قال قلتشدار أوغلو: "لقد أعطانا الناخب التركي نقطة زيادة عما حصلنا عليه في السابع من حزيران، وهذا يشير إلى أنه اعتبر موقفنا صحيحاً، ويطالبنا بالاستمرار".

تشير التصريحات التي قدمتها المعارضة التركية إبان ظهور نتائج الانتخابات إلى ثباتها على مواقفها، وهو بمعنى آخر اعتبار الفشل نجاحاً، ولكن هل يعتبر هذا الموقف واعياً؟ إذا كان "العدالة والتنمية" نفسه مذهولاً، وفوجئ بما حققه، أليس من الممكن أن تكون قيادات المعارضة التركية مازالت تحت تأثير هذه الصدمة والذهول؟ من الممكن ألا يتخلى رؤساء الأحزاب عن مواقعهم بسهولة، ولكن هل ستقبل قواعد هذه الأحزاب باستمرار الفشل إلى ما لانهاية؟ لابد أن يكون هناك ممتعضون من أداء أحزابهم، ما يدفعهم للضغط على قياداتهم لإجراء مراجعات، وتجديد هذه الأحزاب. السنة القادمة حبلى بتطورات سياسية داخلية كبرى، وهناك استحقاقات أمام المعارضة التركية، لأن شرط الديموقراطية هو وجود معارضة متوازنة تقدم انتقادات منطقية، وبدائل سياسية مقنعة، وألا تكتفي بالقول "لا". وإن لم يتحقق هذا سيبقى حزب "العدالة والتنمية" حاكماً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها