الإثنين 2015/10/19

آخر تحديث: 17:34 (بيروت)

تركيا: انزياح "العدالة والتنمية" إلى اليمين.. لضمان فوزه

الإثنين 2015/10/19
تركيا: انزياح "العدالة والتنمية" إلى اليمين.. لضمان فوزه
تراجع هدف "العدالة والتنمية" إلى الحصول إلى 276 معقداً (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
لا تشير استطلاعات الرأي العام التركي حول الانتخابات العامة المبكرة، التي ستجري في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، إلى تغيير جوهري في المشهد السياسي التركي.

ولم يعد حزب "العدالة والتنمية" يُقدم طموحات كبرى للحصول على 400 مقعد في البرلمان، كما كان يقول سابقاً، لضمان إعادة كتابة دستور جديد للبلاد، والانتقال إلى نظام شبه رئاسي أو رئاسي. فهذا الأمر أصبح شبه مستحيل، ولتحقيقه لا بد أن ينزل أحد الأحزاب الثلاثة الكبرى الأخرى التي دخلت البرلمان إلى ما دون عتبة العشرة في المئة، وليس ثمة استطلاع أو ادعاء يؤيد هذا الكلام. كما تراجع هدف "العدالة والتنمية" إلى الحصول إلى 276 معقداً، تكفيه من أجل تشكيل حكومة بمفرده.

السبب الرئيس لثبات هذا المشهد، وانخفاض سقف طموحات حزب "العدالة والتنمية" هو دخول الحركة الكردية لأول مرة في الانتخابات الماضية كحزب سياسي وليس كأفراد، وتحالفها مع اليسار التركي في الانتخابات، ما يمنحها نقطة أو نقطتين إضافيتين. وهذا ما يحول دون حصول "العدالة والتنمية" على أصوات إضافية مجانية من غير المتجاوزين لعتبة العشرة في المئة، إذ أن أصوات غير المتجاوزين لهذه النسبة تُقسم على الأحزاب التي تتجاوزها، كل بحسب ما يحصل عليه من نسبة، بحسب قانون الانتخابات المعمول به في تركيا.

ما هي الوسيلة التي يستخدمها حزب "العدالة والتنمية" من أجل تعويض بعض النقاط التي يحتاجها للحصول على النصف+واحد من مجموع مقاعد البرلمان؟

منذ صدور قوائم المرشحين للانتخابات، وترشيح الزعيم القومي اليميني طغرول توركش، على قوائم "العدالة والتنمية" في العاصمة أنقرة، تبين أن هذا الحزب يستهدف الحصول على ثلاث أو أربع نقاط من أصوات "الحركة القومية"، وهي التي تلزمه من أجل الحصول على الأغلبية. فهذه الشخصية مؤثرة جداً في هذا التيار، وهو ابن مؤسس حزب "الحركة القومية" البصلان توركش، وكان نائباً لرئيس الحزب.

من الناحية الإيديولوجية لم يكن حزب "الحركة القومية" بعيداً عن الإسلام السياسي أو يمين الوسط، الذي تتشكل منه غالبية قواعد "العدالة والتنمية". حتى إن التعديلات الدستورية التي سمحت بدخول المرأة المحجبة إلى الوظائف، وحصولها على حقها بالتعليم تمت بالتوافق بين نواب "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية". هناك قضية واحدة اختلف عليها الحزبان بشدة، وأدت إلى صراع حاد بينهما، وهي سعي "العدالة والتنمية" إلى إيجاد حل سياسي للقضية الكردية، فحزب "الحركة القومية" يعارض أي حل غير العسكري، ويرفض حتى الحوار مع عبد الله أوجلان، أو أي ممثلين آخرين لحزبه. وكان "الحركة القومية" قد رفع دعاوى ضد "العدالة والتنمية" لإقدامه على هذا الحوار باعتبار الحوار مع منظمة إرهابية هو خيانة عظمى.

وفي اجتماعات مناقشة إمكان تشكيل ائتلاف حكومي بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، طالب الأخير بأن يوقّع "العدالة والتنمية" على وثيقة رسمية يتعهد فيها عدم العودة مستقبلاً إلى الحوار السياسي مع حزب "العمال الكردستاني" وعقد أي اتفاق معه، وأن تعليق ما اصطلح على تسميته "مرحلة الحل" غير كافٍ.

أكثر الدراسات التي تناولت شريحة واسعة جداً من قواعد "الحركة القومية"، توصلت إلى نتيجة مفادها أن القواعد تؤيد التحالف مع "العدالة والتنمية" بعد انهيار "مرحل السلام" مع "العمال الكردستاني" باعتبارها نقطة الخلاف الرئيسة. ولكن موقف رئيس هذا الحزب دولت بهتشلي حال دون تحقيق هذا التحالف.

دولت بهتشلي نفسه مقتنع بنتائج هذه الدراسات على ما يبدو، لأنه في وعوده الانتخابية قدّم وعداً صريحاً بأنه سيكون منفتحاً على التحالفات السياسية، وتشكيل حكومة ائتلافية بعد صدور نتائج الانتخابات، مستثنياً حزب "الشعوب الديموقراطي" من هذه التحالفات. وهذا ليس له سوى معنى واحداً، أي أنه منفتح على التحالف مع حزب "العدالة والتنمية"، لأن مقاعده ومقاعد حزب "الشعب الجمهوري" -بحسب استطلاعات الرأي التي تجريها حتى الشركات القريبة من هذين الحزبين- لا تعطيهما ما مجموعه 276 مقعداً، وهي المقاعد المطلوبة لتحظى الحكومة بثقة البرلمان، وهكذا فالحزب الوحيد الذي بقي مرشحاً للتحالف هو "العدالة والتنمية".

تجري كثير من استطلاعات الرأي العام حول نتائج الانتخابات المتوقعة بعد أقل من أسبوعين، ونلاحظ لدى شركات الاستطلاعات التي سبق وأن أعطت نتائج قريبة من نتائج الانتخابات السابقة أن استطلاعاتها عموماً تعطي زيادة لحزب "العدالة والتنمية" بنقطة أو أجزاء النقطة بين يوم وآخر.

بالتوازي مع هذه الاستطلاعات، تنقل الصحافة المقربة من الحكومة التركية يومياً إعلان جمعيات قريبة من حزب "الحركة القومية" مثل "البيرانلر"، وشخصيات من هذا الحزب تأييدها لحزب "العدالة والتنمية"، أو انضمامها إليه. بالإضافة إلى بعض التأييد أيضاً من حزب "الوحدة الكبرى" وهو حزب قومي أيضاً، تحالف مع حزب "السعادة" الإسلامي الأقرب فكرياً إلى الإخوان المسلمين.

وتشير التوقعات إلى أن حزب "العدالة والتنمية" إن لم يفز بالأغلبية البسيطة، وهي الخمسين في المئة زائد واحد، سيكون بحاجة إلى بضعة مقاعد تجبره على التحالف مع حزب "الحركة القومية".

انخراط القوميين المتطرفين في صفوف حزب "العدالة والتنمية"، سيفرض على هذا الحزب التشدد أكثر في مواقفه من الانفتاح على القضية الكردية، حتى لو حصل على الأغلبية البسيطة التي تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، من أجل المحافظة على هذه القواعد. وهذا التشدد بالطبع سيقابله استمرار بالحرب الدائرة حالياً بين الجيش التركي وحزب "العمال الكردستاني". بمعنى آخر، إذا تحقق الاستقرار السياسي، وتشكلت حكومة تركية، فإن هذا الاستقرار لن ينعكس كثيراً على الحياة بشكل عام في تركيا، ولن يكون هناك استقرار أمني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها