السبت 2015/06/13

آخر تحديث: 16:49 (بيروت)

السيناريو المُغفل بعد الانتخابات التركية

السيناريو المُغفل بعد الانتخابات التركية
الانتخابات المبكرة تكاد تشخص أمام المراقبين كحقيقة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

تقتضي الأعراف السياسية أن ترفع الأحزاب الصغيرة سقف مطالبها من أجل المشاركة في تشكيل حكومة ائتلافية في تركيا. فرفع المطالب يهدف الحصول إلى أكبر حصة ممكنة من مقاعد الحكومة. ولهذا، جرت العادة أن يتم تناول تلك المطالب كأخبار عادية تتغير على مدار الساعة أكثر من تناولها في ميدان التحليل. وهذا ما تفعله الأحزاب التركية بعد نتيجة الانتخابات، وظهور عدم إمكان أن ينفرد حزب واحد بتشكيل الحكومة.

الجميع يطرح سيناريوهين رئيسين لتشكيل الحكومة. الأول: حكومة يشكلها حزب "العدالة والتنمية" برئاسة أحمد داوود أوغلو، وبمشاركة أحد الأحزاب الثلاثة الأخرى. والثاني: تشكيل الأحزاب الثلاثة الأخرى حكومة خارج حزب "العدالة والتنمية".


الأخبار المتداولة حول سيناريوهات تشكيل الحكومة الآن تعكس أمنيات أكثر مما تعكس واقعاً. صحيح أن حزبي "العدالة والتنمية" والحركة القومية هما أقرب إلى بعضهما بعضاً من الناحية الأيديولوجية، ولكن يمكن أن يكون حزبا "الشعوب الديموقراطية" و"العدالة والتنمية" أقرب على صعيد الجرأة بالتجديد، والتحول الديموقراطي. وحتى إنه من غير المستبعد أن يقبل حزب "الشعب الجمهوري" التحالف مع "العدالة والتنمية"، على الرغم من الخصام التاريخي بين هذين التيارين. فهناك سابقة تحالف بين التيار الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان، وحزب "الشعب الجمهوري" بزعامة بولند أجاويد عام 1972. وهكذا على الرغم من ظهور أن تشكيل حكومة بين حزب "العدالة والتنمية" وأحد الأحزاب الأخرى متاحاً من الناحية النظرية، ولكن ماذا لو كانت الأحزاب جادة برفع سقف مطالبها، وليست مجرد عملية تحسين وضع التفاوض؟


السيناريو الآخر هو تشكيل الأحزاب الثلاثة الفائزة بالدرجة الثانية والثالثة والرابعة حكومة ائتلافية. الحزب الرئيس الذي يضغط لتنفيذ هذا السيناريو هو حزب "الشعب الجمهوري"، باعتباره أكبر الأحزاب الصغيرة، وبالتالي في حال تشكيل حكومة كهذه سيحقق حلمه وحلم الحزب برئاسة الحكومة، ولكن هل يمكن أن يجتمع حزب قومي طوراني ينكر وجود الأكراد، ويرفض إعطاءهم حقوقهم القومية، مع حزب كردي يجد أن ما قدمه حزب "العدالة والتنمية" للقضية الكردية قطرة من بحر، ويريد المزيد والمزيد؟


من جهة أخرى فإن هذه الأحزاب من الصعب أن تنجح بإدارة البلد، وعلى سبيل المثال: انتزع حزب "الحركة القومية" بلدية أضنة الكبرى من حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات المحلية التي جرت قبل أقل من عام، ولكن هذا الحزب عاد وخسر أمام حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات العامة الأخيرة. والأمر نفسه حدث مع حزب "الشعب الجمهوري" حين انتزع بلدية هطاي (لواء الاسكندرون) من حزب "العدالة والتنمية"، وعاد ليخسر أمام هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة.


لن تعجز هذه الأحزاب عن إيجاد مبرر لفشلها هذا، ولكنها تبقى من المؤشرات على فشلها في الإدارة.


حكومة الأحزاب الثلاثة كسيناريو مطروح حالياً، تشبه تماماً حكومة الأحزاب الثلاثة التي كانت قبل 2003 وحملت حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم وحيداً لفترة قياسية وصلت إلى ثلاث عشرة سنة، لذلك يمكن أن تكون أفضل السيناريوهات لحزب "العدالة والتنمية".


ولكن ماذا لو فشلت الأحزاب بتشكيل حكومة ائتلافية، وتم الذهاب إلى انتخابات مبكرة؟ طبعاً الانتخابات المبكرة تكاد تشخص أمام المراقبين كحقيقة، ولكن هل ستكون فوراً بعد انتهاء المهل الدستورية، أم بعد تشكيل حكومة ائتلافية، وفشلها بالإدارة؟


إذا ثبتت الأحزاب التركية على موقفها، فهذا يعني انتخابات مبكرة دون تشكيل حكومة. هل تشدُّدُ حزب "الشعب الجمهوري" بتشكيل الحكومة الثلاثية خارج حزب "العدالة والتنمية" يهدف إلى إفشال تشكيل الحكومة؟ وفي حال إفشال تشكيلها لابد من انتخابات مبكرة فورية. وماذا لو ظهرت الصورة نفسها نتيجة الانتخابات المبكرة؟


أثناء الحملة الانتخابية قدم حزب "الشعب الجمهوري" رسائل غالبيتها موجهة إلى الخارج، وهي رسائل تومئ عموماً إلى محاربة الإسلام السياسي، وكان من الواضح أن تلك الرسائل ستخسره أصواتاً، وهذا ما حدث فعلاً. أليس من الحماقة اعتبار الحزب يقدم دعاية انتخابية تخسره أصواتاً؟ وفي حال أنه يعي ما يفعله، ويقدم هذه الرسائل إلى الخارج: "الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب"، فماذا يريد من هذا الخارج؟


السؤال الأخطر، والذي يتجنب كثيرون حتى بمجرد التفكير فيه هو: ماذا لو كانت الأحزاب السياسية جادة في مطالبها من الحكومة، وبالتالي تسعى للتعطيل؟


عندما تفشل الأحزاب بتشكيل حكومة، فما الذي يمكن أن يحدث؟ هناك الجيش الذي ما زال وفق الدستور المعمول به هو حامي قيم الجمهورية. وإذا أخذنا بالاعتبار الرسائل التي قدمها حزب "الشعب الجمهوري"، المؤيد الدائم للانقلابات العسكرية للخارج، ووضعناها إلى جانب التعطيل، فهذا طريق يؤدي إلى باب واحد هو الانقلاب العسكري، فهل تتيقظ الأحزاب السياسية الأخرى، وتحول دون هذا؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها