السبت 2014/12/27

آخر تحديث: 08:21 (بيروت)

حزب الدعوة الحاكم في العراق: مؤتمر المتناقضات والإنشقاقات

حزب الدعوة الحاكم في العراق: مؤتمر المتناقضات والإنشقاقات
المؤتمر العام لحزب الدعوة الإسلامية (أرشيف)
increase حجم الخط decrease
يبدو أن العراق انتقل على مستوى الحكم والسلطة من حكم "الحزب الواحد" إلى "الحزب الحاكم"، فالفترة التي أعقبت سقوط حكم البعث منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، استقرت أخيراً على اختصاص قوة وحيدة بالحكم، هي "حزب الدعوة الاسلامية". وفي ما عدا فترة قصيرة، أصبح فيها إياد علاوي رئيساً للوزراء، تناوب قادة حزب واحد، من بين القوى الحزبية والتيارات الإسلامية المختلفة على الحكم، بدءاً بفترة إبراهيم الجعفري، الذي يشغل منصب وزير الخارجية حالياً، والتي انتهت عام 2006 بحلول نوري المالكي، الأمين العام الحالي للحزب محله، ليستمر في الحكم لثمان سنوات، انتهت قبل أشهر قليلة بصعود قيادي آخر من"حزب الدعوة" لرئاسة الوزراء، هو حيدر العبادي.


حالة الاحتكار هذه لم تلفت الانتباه على نطاق  يعتد به، ربما لأسباب، منها تميّز تاريخ العراق المعاصر باختصاص ظاهرة الحزبية الأيديولوجية بالتعبيرعن"الوطنية العراقية"، الأمر الذي تكرس منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومنح الحزب الشيوعي وحزب البعث، دوراً حاسماً في حياة البلاد، دامت لثلاثة أرباع القرن، إضافة للتغيير الحاصل بعد سقوط نظام البعث. فالانتقال من نظام "الحزب الواحد" الى "الحزب الحاكم"، قلل أسباب التذمر أو الاعتراض بين الأطراف، وجعلها ممكنة الاستيعاب، خصوصاً في ظل ممارسة برلمانية توفر الحد  الضروري من الدور للقوى الأخرى، مثل "المجلس الأعلى الإسلامي"، و"التيار الصدري"، هذا إذا ماجرى الحديث عن "التحالف الوطني" الحاكم فعلياً في ظل عملية سياسية "طائفية"، تنقل الاعتراض والمعارضة الى الكتل والتعبيرات الطائفية المهمشة والمبعدة من الحكم، مايضيق حدة الخلاف داخل الائتلاف الحاكم إلى أدنى مستوى، بمواجهة الأطراف الأخرى.


برغم هذا التداخل، يظل من اللافت احتكار تنظيم حزبي بعينه للحكم. فطيلة الفترة التي تلت سقوط النظام السابق، توجه الانتباه نحو التجربة الجديدة وخصوصياتها، سواء بالمقارنة مع التراث وأنماط الحُكم الحزبية السابقة عليها، بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية بين العلمانية والإسلامية الحالية، أو بالقياس للتوازنات والمستجدات النابعة من الظرف المستجد الحالي. مثل هذا الانتباه  حفزته التحضيرات والتمهيد الجاري مؤخراً، بحماس، للمؤتمر السابع عشر لـ"حزب الدعوة الإسلامية"، المنوي عقده في الربيع المقبل، ما أثار التساؤل حول علاقة الموقع الحزبي، بالدور الحكومي، وأعاد إلى الأذهان حضور ظاهرة غدت من قبيل التقليد الثابت، حيث حيازة الحكم شخصياً، يتبعه ويلازمه رسوخ المكانة الحزبية، بينما يفضي العكس، أي فقدان الموقع الحكومي، إلى الإنشقاق غالباً، او فقدان الموقع الحزبي، كما حدث عند استبدال الجعفري بالمالكي عام 2006. فقد أعلن الجعفري وقتها انشقاقه عن الحزب مشكلاً تجمعاً مستقلاً. والأمر نفسه مع اختلافات قد تجعلها أضخم، يتوقعها المتابعون اليوم، بينما تلوح نذر اقصاء المالكي رئيس الوزراء السابق من منصب "الامانة العامة".


الأنباء المتداوله رشحت كلا من : حيدر العبادي، وعلي الأديب، وعلي العلّاق، ومؤرخ الحزب وعميد الدعاة حسن شبّر، لمنصب الامين العام مع ارجحية للعبادي، هذا في حين تباينت التوقعات بما يخص المالكي والوجهة التي سيعتمدها في حال اقصائه، واذا كان سيميل لاعلان الانشقاق وتشكيل تيار جديد، او يقبل حكم المؤتمر القادم، بعد ان يكون قد فقد آخر مواقع قوته اثر فقد موقعه في الحكم، اي بعد ان يكون العبادي قد تحررمن ضغط المكانة الاعتبارية التي مايزال المالكي يتمتع بها كأمين عام للحزب، ما يسهل له تنفيذ ما يتحفز للإقدام عليه، كما تدلل كل المؤشرات، من خطوات وإجراءات بحق المالكي وتياره من المقصرين ومرتكبي التجاوزات، والفاسدين، ومستغلي المناصب أيام ترؤس المالكي للحكومة.


من باب الاحتياط، وبأمل ان تضمن جماعة المالكي السلامة، يدفع هؤلاء بكل قواهم لوضع أحمد العباسي، النائب السابق عن حزب الدعوة، على رأس "هيئة النزاهة"، أخطر هيئة مستقلة في العراق. وهو شخصية إشكالية لم يعرف عنه سوى الفشل والفساد في أكثر من منصب شغله. ونوري المالكي، أول الضاغطين لوضع العباسي في المنصب المذكور، يسانده من أعضاء حزب الدعوة المقربين منه، أمثال النائب السابق كمال الساعدي، ووزير التعليم السابق علي الأديب، ومحافظ كربلاء عقيل الطريحي.


الغريب أن بعض هذه الاسماء، مثل علي الاديب، تذكر بين من يعملون على إزاحة المالكي من منصب الامين العام، تحت دعوى الخلل الكبير الذي أصاب موقف الحزب، جراء المساوىء والأخطاء الضخمة التي ارتكبها المالكي إبان فترة ترؤسه للوزارة، ما تسبب في إضعاف هيبة الحزب، وما له من جماهيرية.


الأجواء الحالية دفعت للسطح، وللتداول، ظواهر تميز بنية "حزب الدعوة الاسلامية"، من نوع عقدة الزعامة، وغياب المراجعة، واستغلال السلطة لحسم الموقف داخل الحزب، كما فعل المالكي في المؤتمر الذي كرس فيه موقعه، ما أثار حفيظة الدعاة، هذا غير تكرار الإنشقاقات، التي يتوقع عودتها بقوة في المؤتمر القادم.


الحصيلة تقول إن الحزبية في العراق ما تزال حاضرة بقوة، كما لا يزال درس مستجداتها يمثل مدخلاً إجبارياً لقراءة تاريخ العراق المعاصر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها