الأحد 2015/03/15

آخر تحديث: 15:47 (بيروت)

مابعد تكريت: طبعة عراقية من "ولاية الفقيه"؟

مابعد تكريت: طبعة عراقية من "ولاية الفقيه"؟
إعادة بناء الجيش الرسمي لم يعد وارداً، ولا قيد البحث، فالوقت لا يسمح بإنجاز طموح كهذا والمعارك دائرة
increase حجم الخط decrease

قبل أن تسكتمل عملية انتزاع تكريت من يد "داعش"، لاحت في الأفق عناصر تحول خفي لم يظهرفي البداية، أن طرفاً أو جهة ما، قد اعتمدته قبل اتخاذ قرار استرجاع عاصمة محافظة صلاح الدين بالطريقة التي تم فيها الإعداد للعملية العسكرية الواسعة، سواء من ناحية عدد المقاتلين الذين جرى تحشيدهم، أو نوعية القوات المهاجمة، أو قصرالمدى الزمني الذي وضع لتطويق تكريت والوصول إليها بعد استرجاع القرى والبلدات المحيطة بعاصمة المحافظة، التي يتحدر منها الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، وغالبية رموز نظامه.

وقد ظل مبهماً ما سيواجهه المهاجمون، مع إلحاح الخطوة اللاحقة المتمثلة بالذهاب الى الموصل، وما إذا كان سيجري الإقدام عليها، وبناء لأي محركات، أو أسس سياسية وعسكرية؟


القضية التي بدأت تلفت الأنظار هي تنامي حالة الازدواجية في السلطة، بمناسبة تزايد دور الحشد الشعبي، ماعزز الاعتقاد بأن الانتصار في تكريت ستترتب عليه تغيرات في مركزية القرار الوطني، ذلك لأن تجاوز دور الحكومة وورئيسها، حيدر العبادي، سيتزايد بوتيرة تطمس دور الحكم، وتحوله علناً إلى تابع. وهذا طبيعي، لأن استكمال الهجوم باتجاه الموصل سيكون مستحيلاً من دون تزايد مضطرد لدور الحشد الشعبي والمليشيات الأخرى، ما سيساهم إلى أبعد حد، في تراجع دورالجيش العراقي، ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ويجعله مجرد مشارك رمزي لا يتعدى دوره التغطية على حقيقة القوات الفعلية وولائها، ناهيك عن محاولة إسباغ قدر من الشرعية عليها.


في هذا السياق، لفت الانتباه حدثٌ أثار انزعاجاً شديداً بين العراقيين. فقد صرح مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات، علي يونس أن "إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً"، ما اضطر المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، إلى الرد عليه بلسان ممثله أحمد الصافي، الذي قال في خطبته الأسبوعية إن "المساعدات التي تقدم للعراق في حربه ضد تنظيم داعش لا تعني غض الطرف عن الهوية والاستقلال العراقيين". في هذا الوقت، أجرت وكالة "فارس" الايرانية مقابلة مع استاذ جامعي في إيران، حول تصريحات يونسي، دعا فيها إلى "ضرورة ملاحقة تصريحاته أمنياً وقضائياً"، معتبراً أن "تصريحاته تصب في إطار المشروع الغربي الذي يسعى الى تخويف العالم من ايران". أما في العراق، فقد لوحظ  صمت رئيس الوزراء والحكومة والبرلمان على تصريحات المسؤول الايراني الاستفزازية، ما عزز القناعة  بتزايد دور المرجعية الشيعية في الشؤون السيادية للدولة، والظاهر أن المرجعية النجفية قررت بالفعل إضعاف دور الحكومة ورئيس وزرائها من منطلقات لها علاقة بمشروعات مذهبية تاريخية، ربما وجدت الآن الفرصة سانحة لتنفيذها، لاسيما مع تنامي نغمة "السيستانية" مؤخراً، إذ يدور همس حول موجة ثانية من تشيّع القبائل السنية.

عملياً، يعني هذا أن إعادة بناء الجيش الرسمي لم يعد وارداً، ولا قيد البحث، فالوقت لا يسمح  بإنجاز طموح كهذا والمعارك دائرة، واحتمالات شمول الحشد الشعبي والمليشيات بغطاء "الدولة" لن يكون سوى محاولة إسباغ صفة رسمية على قوات، معروف أنها تتبع مركز قرار خارج السلطة، وفي حال إقرار الذهاب إلى الموصل، فإن الوضع سيتخذ منحىً يتراجع فيه كلياً الامل بإعادة بناء دولة، ومع الغلبة شبه المطلقة للقوات غير الرسمية، ما سيزيد بصورة  شبه مطلقة أيضاً سلطة ونفوذ المركز الديني في النجف.


هكذا، يكون العراق قد وضع اليوم أمام احتمال قيام دولة دينية، ما يجعل التساؤل اذا كانت النجف ومرجعيتها قد اتخذت بالفعل قرارها باعتماد مثل هذا الخيار، سؤالاً بديهياً،  وما الانعكاسات المتوقعه إذا ترسخت هذه الوجهة على ممارسات، مثل "الانتخابات"، التي هي من وحي فتوى المرجعية بالأصل؟ ومن ثم إذا استمرت الممارسة الانتخابية شكلاً، فماذا سيكون أثر ذلك على مضمونها، وعلى نوعية المشاركين فيها والمتصدرين لها؟  ثم هل كان قرار المرجعية بالتدخل ضد نوري المالكي لمنع اضطلاعه بدورة ثالثة، قراراً بإلحاق الحيز الحكومي بالمرجعية وإخضاعه لإرادتها؟ وإن ما يبحث الآن بمناسبة المعركة في صلاح الدين وتكريت، هو خطوة ضمن انقلاب، قررت مرجعية السيستاني القيام به لصالح دولة يقودها المرجع الأعلى، وقد نكون اليوم على مشارف الطبعة العراقية من "ولاية الفقيه".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها