الإثنين 2015/03/30

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

صفورية لم تصبح بعد "تسيبوري"

الإثنين 2015/03/30
صفورية لم تصبح بعد "تسيبوري"
قرية صفورية الفلسطينية في العام 1940 (موقع: فلسطين في الذاكرة)
increase حجم الخط decrease
ليس "يوم الأرض"، الذي أطلق في العام 1976، والمحتفى به في كل عام في 30 آذار، مجرد ذكرى عند الفلسطينيين بل دعوة الى التفكير والتأكيد على تمسكهم بتراب وطنهم وبحق العودة الى ديارهم. فـ"يوم الأرض" يعني عند المقيمين في فلسطين مزيداً من التمسك بها، ومقاومة لمصادرة المزيد من الأراضي، ومحاربة الاستيطان والتهويد، والصمود في وجه عمليات الاضطهاد. بينما يعد هذا اليوم بالنسبة لفلسطينيي الشتات محفزاً للبحث في كيفية تثبيت الهوية الوطنية. في ما يلي شهادة لأحد هؤلاء تظهر، إلى حد ما، سياقات تطور تفكير الفلسطينيين في مسألتهم، في مراحلها المتعددة.


يروي حسن الحاج، وهو أستاذ متقاعد في مدارس "الأونروا"، قصة تهجيره من قريته صفورية، احدى قرى قضاء الناصرة، كما لو أنه حدث للتو. وصفورية واحدة من خمسمئة قرية عربية دمرتها العصابات الصهيونية، يوم النكبة، لتُنشئ، على أنقاض حيوات سكانها السابقين، مستوطنة "تسيبوري"، ليعيش فيها قادمون جدد من وراء البحر.



حياة الشقاء
لجأ القسم الأكبر من أهالي صفورية الى مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا. يقول الحاج: "كان عمري حينها لا يتجاوز السادسة عشرة. وهذا ما ساعدني على تذكر كل تفاصيل البؤس والتشرد والمعاناة التي مررت بها، فطبعت في ذاكرتي الى يومنا هذا. سرق منا كل ما نملك من أراض وبيوت لنصل الى حياة الشقاء وانتظار الاعاشة لتأمين قوت يومنا، والعيش في مخيم سُميت أحياؤه بأسماء مدننا وقرانا الأصلية". على أن العودة بقيت "هي الهاجس الذي يملأ تفكيرنا ومشاعرنا جميعاً، وليس أحب على قلب الانسان غير عودته إلى بيته".

ورغم استمرار احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية الا ان ذلك "لن يقف عائقاً أمام أملنا. فهو على سلبياته قد أعاد اللحمة الى أهل الوطن الواحد، الذين كانوا يعانون من فقدان الكيان الذاتي. فهم عادوا ليبحثوا، وان كانوا تحت كابوس الاحتلال، عن انتماءاتهم الحقيقية وحقوقهم"، على ما يقول الحاج.


البحث عن الذات
والحال أن الفلسطيني الذي عانى من التشرد والضياع كان يبحث عن ذاته وهويته. وعندما وجدهما "امتشق سلاحه ليدافع عن كيانه، فراح ينتقل من خيمة الى خيمة لان خيمة عن خيمة بتفرق"، وفقه. هكذا، لم تعد المخيمات مستودعات ذل، انما أصبحت مستودع أبطال. ولم تعد خيام المخيم تعني البؤس واليأس، و"انما الأمل والانطلاق والتغيير".

وليس غريباً حينها أن تغص المعسكرات بخيرة الشباب العربي، من المثقفين والمتعلمين. إذ كان حلم الكثيرين منهم الدفاع عن وطنهم والانضمام الى صفوف المقاومة. وراح الشبان الفلسطينيون يبنون الشخصية الفلسطينية الجديدة على انقاض النكبة والهزيمة، فغادروا المخيمات الى المعسكرات والقواعد العسكرية لصناعة المستقبل، وفق الحاج.


موقع لمخاطبة العالم
يتحدث الحاج عن ابنه أحمد، الطالب الجامعي، الذي ترك الدراسة والتحق بالثورة في حينها. فهو قد اخطت طريقه، وحدد وجهته، و"اعتذر من أمه لأنه لم يسعد قلبها بزغرودة في يوم عرسه، أو يوم نجاحه في الجامعة". فـ"البندقية أصبحت بين يديه، وقد قرر مخاطبة العالم من هذا الموقع الجديد، هو الذي تعلم عشق الأرض من شعر محمود درويش، وتعلم ان لا يبتسم ولو كان فرحاً، فالانتماء الى تنظيم فدائي لا يعني اقتراباً من الموت، بل فهم أجمل للحياة".

هكذا، غادر أحمد الحياة كما أراد تاركاً والدته، أم أحمد، التي أصبحت جدة وما تزال تحتفظ في "دواشكها" (علبة توضع فيها الأغراض) بكل ما يذكر بماضي الحياة الفلسطينية، تأكيداً منها على تمسكها وحبها للأرض. كأن صفورية –كما غيرها من القرى- لا تزال في مكانها، وتعيش في حياة موازية، وتستأنف زمناً آخر. "لدي حزمات من أنوار الصبا، لدي أساور وأقراط، وعقود علقت بها قلوب ذهبية، فاذا فتحتها ستجد في القلب الذهبي صورتين، له ولي"، تقول.


مفتاح البيت
كثيرون هم الذين ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم منذ أكثر من نصف قرن. بالنسبة لآخرين كان المفتاح مجرد قطعة حديد. لكنه، في الحالة الفلسطينية، تجاوز مادته الأولى ليدخل عالماً آخر من الفضائل والقيم والمعاني. اذ انه رمز الخلاص من التشرد. هكذا لم يجد الحاج ما يتكئ عليه من هول الحديث، والتذكر، غير مفتاحه. "انه أمانة الأباء التي يضعونها في أعناق أبنائهم، فهو مفتاح البيت، مفتاح الوطن والكرامة"، على ما يقول.


* الملصقات من موقع مشروع "أرشيف ملصق فلسطين".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها