السبت 2014/09/27

آخر تحديث: 12:28 (بيروت)

سائق باص.. ويوميات تستعيد نفسها

السبت 2014/09/27
سائق باص.. ويوميات تستعيد نفسها
المنافسة بين السائقين تكسر روتين يومياتهم المتشابهة
increase حجم الخط decrease
يخرج رزمة النقود من العلبة المخصصة للسجائر على يساره. رزمة سميكة في داخلها مجموعة الأوراق النقدية من فئة الألف ليرة لبنانية، تليها الأوراق من فئة الخمسة آلاف ليرة، ثم العشرة آلاف، وبعض الأوراق من فئة العشرين ألف ليرة. تتحرّك أصابعه بسرعة داخل رزمة النقود ويمدّ يده من شبّاك المقعد الأمامي إلى يمينه؛ "معوضين حبيبي". يستعيد تركيزه مرة أخرى، يدير مفاتيح الباص وينطلق.

تأففٌ في المقعد الخلفيّ وسعال يمهّد لانطلاق الكلام: "شو ما بيعرف يعطيك العشرة من قبل.. ما بصير نتأخر ع شغلنا لأن الأخ ما كان معو ألف ليرة". صاحب الباص صامتٌ دوماً. يحدث غالبا ألا يملك الراكب ألف ليرة للتنقل بالباص ضمن المنطقة الواحدة، ليكتشف الأمر متأخراً عند نزوله. يصرخ أحدهم: "معلم.. ردّلي على الخمسة".


****

- الأونيسكو؟

يحرك صاحب الباص رأسه ايجابا. تنشغل الفتاة العشرينية بالهاتف في يدها اليمنى وبدفتر كبير في اليسرى، وحقيبة صغيرة معلقة على كتفها. إغلاق باب الباص في هذه الحالة يعتبر ثانويا. إنه دور المكابح. ينطلق السائق بسرعة ويتوقف فجأة. الباب سيغلق وحده وبطريقة محكمة. المكابح، متعددة الاستعمالات، وحدها الحل في مثل هذه الحالات. عاديّ جداً أن يفلت الباب عن سكته ويقع على الطريق. سينزل "شوفير الفان" ليعيده إلى مكانه، ويتابع طريقه وكأنّ شيئاً لم يحدث.

****

يقرر النزول من غير سابق إنذار. تزعق الفرامل. يميل الركاب فجأة الى اليمين. صاحب الباص صامت دوما. هناك، في المقعد الأخير، يعتذر أحدهم ويطلب الإذن بالمرور. المقاعد جميعها ممتلئة إلا أنّ الإعتذار موجه بطبيعة الحال إلى الرّكاب الثلاثة الجالسين على المقاعد المتحركة فحسب. لا تعابير على وجوههم؛ يلملمون أجسادهم المرتخية فوق المقاعد الصغيرة ويترجلون من الباص. هنا محطة ذلك الرجل الذي كان قد ركب قبلهم ولم يجد لنفسه مكانا شاغرا سوى في المقعد الأخير.

****

أخبرها أنّ التدخين ممنوع؛ باصه ليس مكاناً عاماً. لم تكترث، لأنّ أحدهم كان قد جعل لرائحة الثوم والدجاج مستقرا بين المقاعد من دون أن يعترض أحد الركاب على ذلك. "فلماذا لا يطبق مفهوم المساحة العامة سوى على دخان السيجارة ورائحتها"، تستنكر السيدة الأربعينية. يتجاهلها صاحب الباص تفاديا للملاسنة.
بالنسبة اليه، المعاناة تكمن في تكرار مثل هذه التفاصيل يوميا بأسماء مختلفة إنّما بالألقاب ذاتها: "بو خمسين ألف، هيدي تاعت السماعات الكبيرة، مثقفة الجريدة، شاب الفلافل..".

يشغّل الموسيقى الصاخبة. ويلقي نظرة حادة عبر المرآة الجانبية وينطلق بسرعة. يزاحمه سائق آخر. إنّها المنافسة التي تكسر روتين يوميات متشابهة بين جميع أصحاب الباصات.

increase حجم الخط decrease