الخميس 2015/11/26

آخر تحديث: 17:36 (بيروت)

التعنيف اللفظي.. يعيش مع الأطفال طويلاً

الخميس 2015/11/26
التعنيف اللفظي.. يعيش مع الأطفال طويلاً
في مجتمع يسود فيه العنف والفساد، ينظر إلى السباب والشتائم كما لو أنهما "فشة خلق" لا أكثر (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
قد يظنّ البعض أنّ الكلمات التي نوجهها إلى الأطفال لا تعني لهم شيئاً، ولا تترك أي أثرٍ في نفوسهم بإعتبار أنّهم لا يستطيعون تحليل مضمون هذه الكلمات ولا فهمها، فيما يؤكّد الاختصاصيّون أنّ "التعنيف اللفظي للأطفال، يؤذيهم بشكل أكبر من التعنيف الجسدي". وتعرّف الرابطة الطبية الأميركية التعنيف اللفظي بأنه "تهديد الطفل، الصراخ، الإساءة المتعمدة، التجاهل، اللوم أو أي نوع من الكلام الذي يُسبب ألماً داخلياً للطفل"، وعليه فإن "الأطفال المعنفين لفظياً هم عرضة للإكتئاب والقلق والمزاجية بشكل مضاعف عن الذين لا يتعرضون لهكذا أنواع من التعنيف".


طارق (إسم مستعار)، وعمره تسع سنوات، يمضي نهار عطلته في غرفته، حيث ينام معظم وقته ويقضي ما تبقى منه يمعن النظر الى حائط غرفته أو إلى شباك نافذة تطل على حائط البناية المجاورة. وبمجرّد سؤال والدته عنه، يُفهم سبب إنطواء طارق في غرفته بعيداً من حيوية من هم في سنّه، إذ تصدمك والدته بعبارة، غالباً ما تكررها على مسامع ابنها، بأن "طارق بلا عازة، مش نافع بشي، مخ فاضي ومصروف عالفاضي".

تشرح المعالجة النفسية حنان صادر أن "الطفل لا يستطيع تحليل الإهانات بالطريقة الحرفية، وهذا ما يشكّل لديه شيئاً من الانطوائية والعدائية تجاه من يعنفه لفظياً. فهو يصدق مع الوقت ما يوجّه اليه من ألفاظ مُحبطة، ليظن لاحقاً عندما يفهمها ان هذه الألفاظ هي إهانات، وأنه يتصف فعلاً بالصفات الموجهة اليه، فيعمل على ممارسة السلوكيات السيئة التي تكبر معه وتؤثر سلباً على ثقته بنفسه وعلى حياته الخاصة والعملية، فيصبح شخصاً غير مرغوب فيه من قبل الآخرين". وتضيف صادر ان "الشخصية الضعيفة التي بُنيَ عليها المُعنَّف منذ صغره غالباً ما تنتقل معه في مراحل حياته، فيفقد ثقته بنفسه ويبقى على كآبته وإنطوائيته، لا بل أحياناً تنتقل حالة التعنيف معه الى أطفاله، فيتعامل معه أيضاً بعنف".

وتضيف صادر على حالات الإكتئاب والإنطواء التي تصيب الأطفال المعنّفين أنهم قد يواجهون أيضاً "حالات تأخر في النمو الفكري بسبب القلق، صعوبة في التعلّم، عدم إحترام الذات، كما يمكن أن يصابوا بسهولة بحالات إدمان. وتُعرف هذه الحالات بالأثر الرجعي طويل المدى للتعنيف".

أما عن مخاطر التعنيف اللفظي في المدرسة، فتقول صادر إن "هناك إمكانية أن يصاب الطفل برهاب المدرسة، خصوصاً انه لا يُعبِّر عن مشاعره في عمر صغير، وبالتالي لن يخبر أحداً انه منزعج من تصرفات أحد الأشخاص في المدرسة، فيبقى في حالة من الرعب وعدم الإستقرار، لأنه يشعر بأنه في مكان غير مرغوب فيه، عدا عن شعوره بعدم القدرة على العطاء والتميّز داخل الصف، وهذا ما يُعرّضه، فوق ذلك، الى مضايقات من قبل زملائه بإعتبار انه ضعيف الشخصية".

وتشرح المرشدة الاجتماعية إليسا حصروني ان "التعنيف اللفظي للأطفال يأتي في اطار التعنيف المعنوي أو النفسي، وهو بالتالي يؤثر على نفسية الطفل ومكانته الاجتماعية". أما طرق حماية الطفل المُعنَّف لفظياً، برأي حصروني، فتكون "عبر التوجه الى مرشدين اجتماعيين، بحيث يكون دورهم الأساسي توعية الأهل واجبارهم على الإعتراف بأنهم يعنفون أطفالهم، ومحاولة توضيح الأذى والأثر السلبي الذي تتركه كلماتهم عليه، ومن ثم متابعة الطفل المعنَّف في مدرسته وحياته الخاصة والاستماع إلى مخاوفه ومشاكله، الأمر الذي يحسّن ويسهّل التعامل مع هذه الحالات". وتضيف حصروني أن "المرشد الاجتماعي يضع خطة عمل للأهل تخوّله مراقبة نسبة تحسّن تعاملهم مع الطفل".

وفي الغالب يُعنّف الطفل بطريقة غير مقصودة، في مجتمع بات يكرّس انعدام الأخلاق والتلّفظ بعبارات ونعوت سيئة، من دون إدراك الأثرين النفسي والعقلي اللذين تحفرهما هذه العبارات في عقول الأطفال. لكن في مجتمع يسود فيه العنف والفساد، ينظر إلى السباب والشتائم كما لو أنهما "فشة خلق" لا أكثر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها