الأحد 2024/03/31

آخر تحديث: 14:01 (بيروت)

إطلاق شرطي متهم بقتل سوريّ.. وتضييق الخناق على اللاجئين

الأحد 2024/03/31
إطلاق شرطي متهم بقتل سوريّ.. وتضييق الخناق على اللاجئين
حملات الدهم والترحيل الأخيرة، باتت تتسم بطابعٍ علانيّ وعنيفٍ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
منذ نحو الأربعة أيام، وتحديدًا نهار الأربعاء 27 آذار الجاري، أفرجت السّلطات اللّبنانيّة عن الشرطيّ في فوج حرس بيروت، علي مشيك، بكفالةٍ ماليّة قدرها 600 مليون ليرة لبنانيّة (أي ما يُعادل السّتة آلاف و740 دولارًا أميركيًّا). بعد أن كان مشيك موقوفًا بأمرٍ من قاضي التحقيق الأوّل في بيروت، بانتظار القرار الظنيّ بحقه، وذلك على خلفية ضلوعه بجريمة قتل اللاجئ السّوريّ محمد زيد عبد الحميد الحريري (22 سنة)، والتسبب بإصابةٍ بليغة ومميتة للشاب ربيع عدنان (17 سنة) بالتوازي؛ عبر "ركل" الدراجة الناريّة الّتي كان القتيل يقودها بصحبة عدنان في محلة الأونيسكو – بيروت. هذه الجريمة المرّوعة الّتي حدثت قبل شهر تقريبًا. 

وليس في هذا النبأ السّورياليّ، أي مبالغة، أي أن تقع جريمة قتل يتوافر فيها القصد الاحتماليّ، عند حاجزٍ غير قانونيّ (راجع "المدن")، ويخرج المُتهم بعد أسابيعٍ قليلة، بكفالةٍ ماليّة متدنيّة نسبيًا، من دون نيّة قضائيّة لتحقيق العدالة لضحيّة هذا الشرطيّ الذي ارتجل الإجراء العنيف لإيقاف مخالفة مروريّة، من دون حتّى استجلاب هوية المخالف.. العدالة لشابٍ قُتل بذريعةٍ عنصريّة صفيقة، والعدالة أيضًا لضحايا العنف السّلطويّ والطغيان الأمنيّ. ووقف الهرطقات القانونيّة الّتي خذلت المواطن مرارًا، وأفقدته الثقّة بدولته وقانونه.

إجراءات إنتقاميّة
وإن كان يبدو قرار الإفراج عن الشرطيّ، نمطيًّا ومتوقعًا في الظاهر، إذا ما أخذنا بالاعتبار بعض المحطات القضائيّة الّتي يسر فيها أهل القضاء تبرئة المتورطين خدمةً للمآرب السّياسيّة، إلّا أنه يحمل ضمنًا، روحيّة الإجراءات الإنتقاميّة نفسها الّتي تنتهجها السّلطات اللّبنانيّة في تعاطيها مع ملف اللاجئين السّوريّين. فقد صدرت مطلع شهر آذار الجاري، عن محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، مجموعة قرارات تتعلق باللاجئين المقيمين ضمن العاصمة، ومنها الطلب من السّوريّين المقيمين تقديم أوراقهم الثبوتيّة وتسجيل مكان الإقامة، كما وحظر إتمام أي عقد إيجار لسوريّ من دون التحقق من الوثائق وتقديمها إلى البلديّة، ذلك خلال مهلةٍ أقصاها خمسة عشر يومًا من تاريخ التّبليغ تحت طائلة الملاحقة القانونيّة.

هذه الحزمة، ظهرت في توقيتٍ موارب، كإجراء انتقاميّ لجريمة مقتل الرقيب الأوّل في فوج حرس بيروت البلديّ حسن العاصميّ، تحت ذريعة القضاء على ما سُمي بظاهرة الاكتظاظ غير الشرعيّ في العاصمة، كما توعد المعنيون حينها، متناسين أن غالبية اللاجئين المتواجدين في العاصمة وسائر الأراضي اللّبنانيّة، لا يملكون أوراقًا ثبوتيّة رسميّة. وهذا ما يقودنا مجدّدًا إلى العلّة الأولى لهذا الواقع، وهي القرارات الحكوميّة المتهورة والعاطفيّة، الّتي منعت المفوضيّة من تسجيل اللاجئين، وبالتّالي حالت دون فرصة حصولهم على شخصيّة قانونيّة وأوراق نظاميّة، وكانت جزءًا من العقبة الكبرى المتربصة بأيّ حلٍ جذريّ لملف اللاجئين وإمكانيّة تنظيم وجودهم في لبنان، أكان عبر إدراجهم ضمن خانات مُحدّدة، كلاجئ سياسيّ- أمنيّ، أو مهاجر اقتصاديّ، أو مقيم غير شرعيّ.

والقرارات الحاليّة، الجاري تطبيقها في بلديات لبنانيّة عدّة، ووصلت مؤخرًا إلى العاصمة، تركت أمام اللاجئين والمقيمين بصورةٍ غير نظاميّة، خيارين لا ثالث لهما، إما النزوح من أماكن إقامتهم في العاصمة، نحو بلديات لا تُطبق إجراءات مماثلة، أو المجازفة بالبقاء بالرغم من خطر الاعتقال والترحيل المُحدق بهم. أما الخيار الآخير، قد تفاقمت مخاطره خلال الشهر الجاري، بعدما تمّ استبدال حواجز فوج حرس بيروت (بصورةٍ غير مُعلنة)، بحواجزٍ متنقلة للأمن العام، تتنتشر يوميًّا وفي مختلف أرجاء العاصمة – وخصوصًا في برج حمود – غايتها توقيف اللاجئين المخالفين لشروط الإقامة، واعتقالهم، وأفادت مصادر حقوقيّة، عن ترحيل العشرات منذ بداية هذه الحملة الأمنيّة حتّى اللحظة.

حملة الترحيل المستمرة
وبعد حملات الدهم والترحيل الأخيرة، والّتي باتت تتسم بطابعٍ علانيّ وعنيفٍ مؤخرًا (راجع "المدن")، أفادت تقارير حقوقيّة صادرة عن مركز وصول لحقوق الإنسان، عن تنفيذ عملية مداهمة واعتقال من قِبَل قوة مشتركة تضم الجيش اللبناني ومخابراته وفرع المعلومات في بلدة ظهر الأحمر - قضاء راشيا، استهدفت أماكن إقامة اللاجئين السوريين. شملت العملية تفتيشًا دقيقًا للمنازل واعتقال الرجال اللاجئين، حيث تم اعتقال 26 شخصًا، بينهم قاصر يبلغ من العمر 13 عامًا. وتمّ نقل جميع المعتقلين إلى ثكنة بيت لاهية، قبل تسليمهم إلى الشرطة العسكرية في قلعة راشيا. تم الإفراج عن 17 لاجئًا بعد الانتهاء من التحقيقات، فيما تم ترحيل تسعة آخرين قسرًا إلى سوريا بعد انتهاء التحقيق معهم، وجميعهم مسجلون في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وما زال مصير الباقين مجهولًا حتى الآن.

كما ونفذت منذ أيام قليلة، قوّة من مخابرات الجيش، مداهمة لمنازل ومخيمات اللاجئين السّوريّين في منطقة حوش قيصر قب إلياس في قضاء زحلة، واستهدفت المارين بجانب المخيمات. مسفرةً عن اعتقال ما يقارب عشرة لاجئين سوريين، وتفتيش دقيق للخيم ومصادرة دراجات ناريّة. وأشارت المصادر الحقوقيّة إلى تعرض المعتقلين للضرب والإساءة، فضلًا عن عشوائيّة الاعتقال، فلم يتمّ سؤال المعتقلين عن اسمائهم أو استجلاب هوياتهم أو أوراق إقامتهم. وتمّ ترحيل لاجئ إلى سوريا عن طريق معبر المصنع الحدوديّ، فيما لا يزال مصيره مجهولًا هناك.

المساعدات الإنسانيّة
وفي سياقٍ متصل وعلى متن التخفيضات المستمرة في الميزانيّة المُخصصة للمشاريع الأمميّة الإنسانيّة في لبنان، أُعلن مؤخرًا عن تخفيض جديد سيطال المساعدات المقدمة من قبل المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين بسبب محدوديّة التّمويل. كما وتخفيض في أعداد الأسر المتلقيّة المساعدة الغذائيّة بقيمة 27 دولارًا لكل فرد، عبر برنامج الأغذيّة العالميّ الّتي تُصرف عبر البطاقة الحمراء، وهي البطاقات التموينيّة الّتي أطلقها البرنامج عام 2013 بالشراكة مع 500 متجر مواد غذائيّة في لبنان، ويستفيد منه آلاف اللاجئين.

هذه التخفيضات المستجدّة الّتي كان وزير الشؤون الاجتماعيّة هيكتور حجار، قد استنكرها في مؤتمره الصحافيّ الأخير، معتبرًا أنها تخاذل من قبل المجتمع الدوليّ عن إيجاد حلّ لملف اللاجئين وإعانة لبنان على هذا العبء، كما وصفه، في وقتٍ تعزو المنظمات الأمميّة محدوديّة التمويل بتوجه الجهات المانحة نحو تمويل المشاريع الإنسانيّة في مناطق الصراعات المشتعلة، كغزّة والسّودان وأوكرانيا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها