الأحد 2024/03/17

آخر تحديث: 14:56 (بيروت)

رمضان طرابلس: نور ومشهد استثنائي من الفجر إلى الفجر

الأحد 2024/03/17
رمضان طرابلس: نور ومشهد استثنائي من الفجر إلى الفجر
مدينة لا تنام في رمضان (المدن)
increase حجم الخط decrease

لطالما حملت طرابلس لقب "عاصمة رمضان" في لبنان. لكن ما تشهده المدينة هذا العام، أكسبها فرادة مضاعفة واستثنائية، حيث بدأ رمضان ظاهريًا قبل موعده الفعلي. ومنذ أسابيع، بدأت التحضيرات في الأحياء والشوارع لرمضان، وتلألأت بالإضاءة والأنوار بشكل لافت، فيما اكتست أبنيتها ومستديراتها وشوارعها وتقاطعاتها بالزينة والمجسمات الرمضانية.

بدا المشهد في طرابلس، احتفاليةً كبيرة، لم تشهدها المدينة طوال السنوات الأزمة الأخيرة، وحتى قبل 2019.

ومن ليلة رمضان الأولى، بدت طرابلس وكأنها في يومه الأخير، في ليلة العيد. وكأن سكانها يتوقون لكسر المألوف والانفصال عن الأزمات وأخبار الحرب الأليمة. زحمة سير كبيرة، محال تجارية وغذائية شرعت أبوابها لعرض البضائع ولتقديم عروضها التنافسية أمام الناس. أما بائعو الحلويات الرمضانية التي تشتهر بها المدينة، فعجز بعضهم عن تلبية جميع الزبائن، الذين يتوافدون إليهم حتى في الدقائق الأخيرة قبل موعد الإفطار.

عادات طرابلسية
يعيش سكان طرابلس في هذا الشهر، من الفجر إلى الفجر، نظامًا على عقارب الساعة، يصعب إيجاده في أي مدينة أخرى. من ضجة أسواق الخضار والبازركان والعطارين منذ الصباح إلى ما بعد الظهر، وصولًا إلى إغلاق مختلف محال المدينة قبل نحو ساعة من الغروب، باستثناء محال الحلويات والمطاعم والسوبرماركت.

ومع آذان المغرب، يسود الصمت في المدينة، وتتحول الأبنية السكنية إلى مصدر أصوات لقرقعة الصحون. بعد ذلك، يبدأ القسم الثاني من يوميات مدينة لا تنام في رمضان. من جهة، آلاف الرجال يتجهون لصلاة التراويح في المساجد، ومن جهة أخرى تغص المقاهي الشعبية مثل "قهوة فهيم" و"التل العليا" في ساحة التل وقهوة "موسى" بباب الرمل، بالمئات، البعض يتسامرون ويشربون العصائر والقهوة والنرجيلة، والبعض يلعبون الورق. كما تغص مقاهي "الضم والفرز" والميناء بروادها أيضًا، ويستمر هذا المشهد حتى موعد السحور حيث تفوح روائح الكعك الطرابلسي من مقاهي المدينة القديمة. ومع قرابة الثانية فجرًا، يجول عدد من المسحراتيين في شوارع المدينة، ويقرعون الطبول ويمدحون، حتى يستيقظ من نام من أهالي المدينة قبل الفجر.

زينة المدينة
وكان نشاط جمعية "للخير أنا وأنت" برئاسة ياسمين غمراوي، ملفتًا في رمضان طرابلس. حيث تولت الجمعية مهمة ترتيب وتأهيل عدد من المستديرات والتقاطعات، وكان أبرزها في شارع رياض الصلح المعروف بطريق الميناء. حيث قامت بتأهيل المساحة الخضراء والأشجار في وسطه، وأضاءتها وزينتها بالورود والمجسمات الرمضانية كالهلال والمدفع الرمضاني والنجوم.

وعكس نشاط الجمعيات الأهلية والمحلية عجز بلدية طرابلس عن القيام بالمهمات المطلوبة منها في هذا الإطار. واللافت أيضًا، أن رمضان تحول إلى فرصة للمنافسة الشديدة بين أصحاب المولدات الكهربائية، الذين تبارزوا بإضاءة الشوارع بآلاف الفوانيس واللمبات المعلقة على شكل حبال معلقة فوق الأحياء والشوارع.

كذلك، تنشط الافطارات الجماعية في رمضان طرابلس، وتوزيع المؤن والمساعدات على العائلات الفقيرة وتنتعش عادات وتقاليد قديمة كتبادل "السكبة" بين الأهل والجيران.

فرصة ضائعة؟
ورغم هذا المشهد، وهو يجسد انفصال طرابلس عن الواقع الأليم على مدار شهر كامل، تتعالى الأصوات أيضًا من الغلاء الذي يعم أسواق المدينة في رمضان، بفعل ارتفاع الطلب مقابل جشع التجار.

في مقابل ما تعيشه المدينة من احتفال رمضاني، ثمة من يرى أن القائمين على المدينة، وكذلك الحكومة الوزارات المعنية، أضاعوا عليها فرصة ذهبية للاستفادة من هذا الشهر، بغية تعزيز فعاليات اللقب الذي منحتها إياه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو): "طرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024".

ولكن يبدو أن هذا العام سيمضي كما رمضان، ليتكرس غياب الرؤية وتخلي الدولة عن المدينة، في أهم مناسبة وتتويج عربي لها، قد لا يتكرر مرة أخرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها