الجمعة 2024/02/09

آخر تحديث: 11:36 (بيروت)

رصد سنوي لخطاب الطائفيّة والكراهيّة: الهلع والتروما والوعي الزائف

الجمعة 2024/02/09
رصد سنوي لخطاب الطائفيّة والكراهيّة: الهلع والتروما والوعي الزائف
جمع البيانات من خلال تقنيات رقمية حديثة (المدن)
increase حجم الخط decrease

على النقيض من دولة الاستبداد والدولة البوليسيّة، كان لا بد من طرح نظرية "دولة القانون"، بوصفها المدخل لتحرّر الشعوب من درك الديكتاتوريّة وتعسّف الحكّام، بل ولتكريس فكرة أساسيّة مفادها أن النشاط السّياسيّ وما يقترن به من ظواهر اقتصاديّة واجتماعيّة، هو نتاج القاعدة القانونيّة، لا خلافها. وبهذا يتحقق التّنظيم والتّرتيب لأوجه السّلطة، وسموّ القانون دون غيره من أشكال الفوضى والقمع..

عندما كان المُفكر الفرنسيّ، وأحد الآباء المؤسسين للقانون الفرنسيّ العام الحديث، موريس هوريو، يصوغ نظريته لدولة القانون، لم يكن في باله، أن لبنان، أولى دول العالم التّي تأثرت بنظريته وبالدستور والقوانين الفرنسيّة، ستكون أكثر من يشوّه هذا المفهوم ويقلبه، لتستحيل الظاهرة السّياسيّة، منوطةً بمزاج الحكّام وتطلعاتهم، ويصير القانون شماعةً هلاميّة، تُمدّ عند الضرورة. والحال، أن هذا التشويه المدبّر، تجلّى لاحقًا في السّلوكيات الشعبيّة، التّي اعتمدت منهاج الحكّام نفسه، باعتناق مذهب الطائفيّة والكراهيّة والتّمييز، لشدّ التّرهل الذي طرأ على الانتظام العام.

الخطاب الطائفيّ
وتحت هذه الفكرة وفي مدارها، بادر "مرصد الطائفيّة" في اللّقاء العلمانيّ لإنتاج تقرير وجردة سنويّة لعام 2023، تحت عنوان "رصد الخطاب الطائفيّ وخطاب الكراهيّة باستخدام الذكاء الاصطناعيّ: وعي مجتمعي زائف – خطاب هلع أخلاقي – تروما جماعيّة"، متطرقًا إلى خلفياته وأسبابه ودينامياته، ناهيك بتفاعلات هذه الخطاب مع الأحداث السّياسيّة وكل ما يدور على أرض الواقع، وعلاقة المؤثرين من السّاسة ورجال الدين بالقاعدة الجماهيريّة والشعبيّة، ومدى مقدرتهم على الشحن والتعبئة. وهدف إلى "تطوير مقاربة علميّة موضوعيّة لمواجهة الخطاب الطائفيّ".

وأُطلق التّقرير مساء الخميس 8 شباط الجاري، في مركز تيار المجتمع المدنيّ في محلة بدارو، بحضور عددٍ من أعضاء اللقاء ونشطاء سياسيين واجتماعيين، فضلًا عن الباحثين الذين أجروا البحث. وجرى استعراض  مقطع فيديو يصف الواقع الحاليّ والمشهد العام في لبنان (نصّ التقرير).

عرض التّقرير تحليلًا شاملًا للخطاب الطائفيّ في لبنان للعام 2023، انطلاقًا من جداول زمنيّة للأحداث العامة السّياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والحقوقيّة والثقافيّة، لكن وبخلاف المحدوديّة التّي تشوب الرصد بالطُرق التّقليديّة، مثل استطلاعات الرأي، اعتمد المرصد منهاجًا أكثر اتساعًا وشموليّة في الرؤيّة وسرعة في التحديث مع المتغيرات، عبر تقنيات "جرف الشبكة الافتراضيّة" و"الذكاء الاصطناعيّ"، بفضل الحجم الأكبر من العينات القابلة للرصد وقابلية التقنية للتطبيق في مراحل يتم اختيارها وفق المشاهدات والفرضيات المطروحة.

اشتمل التّحليل على ما هو مرصود على منصاب "فيسبوك" و"أكس" ("تويتر" سابقًا) و"يوتيوب"، وخلصت الدراسة إلى أن أحداث العنف المتفرقة والاستحقاقات السّياسيّة مع ما رافقها من تصريحات ومواقف ضدّ الخصوم السّياسيين والفئات المهمشة خلال العام 2023، لعبت دوريًّا محوريًّا في نشر الخطاب الطائفيّ في المجال الرقميّ، بشكلٍ مكثف ومتشابك ومريب في العديد من المشاهدات.

خطاب الهلع الأخلاقيّ
وانطلق "مرصد الطائفيّة" لجمع الأحداث والتصريحات والمواقف ضمن ستّ فئات هي: السّياسة والأمن، الفساد، الدين، اللجوء، الجندر، الجنسانيّة. ومن رصد العينات التي تم جمعها ضمن هذه الفئات الستّ وتحليلها، سعت الدراسة إلى فحص ثلاث فرضيات طرحت لتفسير المحفزات للخطاب الطائفي في المجال الرقمي، وهي: خطاب الهلع الأخلاقيّ، الوعي الاجتماعي الزائف، وأخيرًا التروما الجماعيّة.

وتقع المفارقة، التّي تمظهرت على متن ما جمعه فريق العمل (حجم التفاعل على منصات التّواصل الاجتماعيّ مع جميع الأحداث المرصودة، بالإضافة إلى عدد الأحداث المنتقاة في عيّنة التصنيف، وعدد التعليقات المنتقاة في هذه العيّنة، وتفصيل عدد التعليقات المصنّفة يدويًّا وتلك المصنّفة آليًّا) أن نتائج انتشار خطاب الكراهيّة والتحريض في فئتي "اللجوء" و"الجنسانيّة"، أظهر وتيرة عاليّة بشكلٍ غير متناسق مع التفاعل في قضايا "الفساد" و"الجندر"، رغم ضخامة حجم قضايا الفساد المرصودة ورغم خطورة العنف في فئة "الجندر". الأمر الذي اعتبره الباحثون، تعزيزًا لـ"نموذج الهندسة النخبويّ" لخطاب الهلع الأخلاقيّ، الذي يصف تعمّد نخبة السّلطة إثارته لصرف النظر عن القضايا المحقة التي لا تستطيع أو لا ترغب بمعالجتها.

التطور التكنولوجيّ لمواجهة الطائفيّة؟
أما بما يتعلق بطبيعة البحث الذي أجراه فريق العمل،  فتمّ التّركيز على مفصليّةٍ أساسيّة، وهي أن طبيعة تناقل الخطاب الطائفيّ اختلفت جذريًّا في الآونة الأخيرة، أكان في المواقع الإلكترونيّة ومنصات التّواصل الاجتماعيّ، وكذلك التخمة في حجم البيانات المتناقلة online، ناهيك بالانتشار الأسرع والتأثير الأقوى للخطاب المبطن تحت غطاء الـpolitical correctness (الصوابيّة السّياسيّة). حيث أصبحت وسائل الرصد للخطاب التّقليديّة وتتبع خطابات المؤثرين في المجتمع وتحليلها، غير كافيّة للتعامل مع المشهد المتغير.

وعليه، انبثقت الحاجة لاتباع أنماط حديثة في رصد الخطاب، جمع البيانات من خلال تقنيات رقمية حديثة، تحليل البيانات من خلال استخدام الذكاء الاصطناعيّ، استغلال التقنيات الرقمية في الرصد، مما يحقق تغطية نطاق مجتمعي أوسع، وكشف أنماط الخطاب المرصود مع تطور الأحداث.

مرصد الطائفيّة في اللقاء العلمانيّ
واللقاء العلمانيّ هو مبادرة أطلقت العام الماضي، في شهر أيار، تهدف بالمرتبة الأولى، إلى خلق أرضيّة جامعة ومشتركة للعلمانيين والعلمانيّات في لبنان، للتعاون والتواصل فيما بينهم من أجل تنظيم قوى ضاغطة وفعّالة في لبنان، وتشكيل حالة سياسيّة ومدنيّة علمانيّة في مواجهة الاصطفاف الطائفي، والتخطيط لمشروع بناء الدولة العلمانيّة ودولة العدالة الاجتماعية التّي يؤمنون بها.

أما "مرصد الطائفية" فهو مجموعة عمل أنشأها "اللقاء العلماني" عند إطلاقه، مهمتها الرصد النوعي والكمّي للخطاب الطائفي ولخطاب الكراهية في المجال العام في لبنان، بما في ذلك وسائل الإعلام التقليدية والبديلة ومنصات التواصل الاجتماعي. ويسعى المرصد من خلال عمله إلى رسم صورة واضحة للخطاب الطائفي وخطاب الكراهية المتعدّد الجوانب، وفهم محفّزاته وآليات انتشاره، من أجل تطوير الخطط لمواجهته على كل المستويات الممكنة، انطلاقا من مقاربة علميّة موضوعية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها