حتى الآن، لا جواب رسميًا على هذا السؤال. لكن الأونروا التي تعاني أساسًا قبل 7 تشرين الأول من أزمة مالية حادة تهدد وجودها ومستقبلها، بات مصيرها راهنًا على المحك، بعدما أثبت المجتمع الدولية والغربي انحيازًا أعمى لإسرائيل وكرس رؤيته لأرواح الفلسطينيين وكأنهم شعب غير جدير بالحياة.
وقف التمويل
بلغ حتى الآن عدد الدول التي علقت تمويلها للأونروا 12 دولة، هي الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا ورومانيا والنمسا واليابان، وذلك بعد مزاعم إسرائيلية تدعي بأن 12 موظفًا في الأونروا شاركوا بعملية طوفان الأقصى، ومن دون انتظار نتائج أي تحقيق رسمي تجريه الأونروا، ليصل مجموع التمويل المعلق حتى الآن، حوالى 56% من ميزانية الوكالة.
وفيما يترقب العالم العواقب الكارثية على أهالي غزة بعد هذا القرار، حذرت منظمة الصحة العالمية منه، الأربعاء، وقالت بأنه "لا يوجد كيان آخر لديه القدرة على تقديم حجم ونطاق المساعدة التي يحتاجها مليونان و200 ألف شخص في غزة بشكل عاجل، ونحن نناشد إعادة النظر في هذه القرارات". في حين، دعت منظمة العفو الدولية هذه الدول إلى التراجع عن قرارها ووصفته بالظالم. وقالت الأونروا الخميس، عبر منصتها في "إكس": "إذا ظل التمويل معلقاً، فسنضطر على الأرجح إلى إغلاق عملياتنا بحلول نهاية شباط".
ويُذكر أن الاونروا التي تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، تحصل على تمويلها من التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها الحكومات الإقليمية والاتحاد الأوروبي، وتمثل نحو 93% من موارد الوكالة المالية. وتشمل خدمات الأونروا قطاعات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات، إضافة إلى الاستجابة لحالات الطوارئ أثناء النزاعات والحروب، وغيرها من الخدمات.
مخاوف في لبنان
وتسبب قرار الدول الغربية بتعليق تمويل الاونروا بمخاوف كبيرة في دول الشتات، حيث يخشى الفلسطينيون أن يؤدي لاحقًا إلى تعليق كامل خدمات الأونروا. في حين، تعتبر أصوات أخرى أن هذا القرار هو مجرد ورقة ضغط سياسية إلى حين إيجاد مخرج للحرب في غزة ومختلف الجبهات المساندة وعلى رأسها لبنان، في ظل المفاوضات الدولية الجارية.
لكن، في حال أدى القرار لوقف مختلف خدمات الأونروا، يرجح كثيرون أن يكون الفلسطينيون في لبنان، على قائمة الأكثر تأثرًا من تداعياته، بعد قطاع غزة والداخل الفلسطيني.
في لبنان، يعاني الفلسطينيون أساسًا من أزمات هائلة قانونية ومعيشية، نتيجة حرمانهم من حق العمل والتملك، إضافة إلى تأثرهم البليغ بالأزمة الاقتصادية والواقع الصعب داخل المخيمات، اجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
وفيما يوجد في لبنان 12 مخيمًا للفلسطينيين، يشير آخر إحصاء رسمي للسلطتين اللبنانية والفلسطينية (2017)، من خلال لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، إلى وجود 174 ألف لاجئ فلسطيني، بينما تشير أرقام الأونروا وجود نحو 475 ألف لاجئ، من دون أن يعني ذلك أن جميعهم يقيمون في لبنان، إضافة لنحو 27 ألف لاجئ فلسطيني هجروا من مخيماتهم في سوريا إلى لبنان منذ 2011.
وتشير معلومات "المدن" إلى أن وكالة الاونروا، لم تتبلغ بعد رسميًا، حول ما إذا كان قرار الدول التي علقت تمويلها لها، سيقتصر على قطاع غزة أم سيشمل مختلف مناطق عملها.
لكن، ماذا سيحل في لبنان لو علقت الأونروا خدماتها للفلسطينيين؟
يفيد مطلعون على الملف لـ"المدن"، بأن لبنان سيكون أمام واقع خطير، قد ينعكس على المجتمع اللبناني أيضًا، إذا علقت الاونروا خدماتها نهائيًا للفلسطينيين. فإلى جانب البطالة التي تطال معظم المجتمع الفلسطيني في لبنان، معطوفًة على هشاشة الوضع الأمني داخل المخيمات الذي تجلى أخيرًا بأحداث مخيم عين الحلوة قبل 7 تشرين الأول، ثمة تداعيات كثيرة تهدد الفلسطينيين إذا ما حُرموا من تقديمات الأونروا رغم محدوديتها كمًا ونوعًا.
في لبنان، تغطي الأونروا تعليم أكثر من 38 ألف طفل في 63 مدرسة تابعة لها. ويوجد لديها 27 مركزاً صحياً في المخيمات، توفر الأدوية والرعاية الصحية للفلسطينيين مجانًا. كما تغطي الأونروا استشفاء الفلسطينيين في الهلال الأحمر الفلسطيني والمستشفيات الحكومية والخاصة عند تحويل حالات المرضى إليها، باستثناء الاستشفاء من الدرجة الثالثة (مثل زرع الكلى وعمليات القلب والأمراض المستعصية) حيث تغطي نفقاتها جزئيًا فقط.
إضافة إلى ذلك، هناك 170 ألف لاجئ فلسطيني ينتمون لأربع فئات: الأطفال ما دون 18 عامًا، المسنون من 60 عامًا وما فوق، المصابون بالإعاقات والمصابون بالأمراض المزمنة. حيث يتقاضى هؤلاء، وفق الأونروا، مساعدة رمزية بقيمة 50 دولاراً كل ثلاثة أشهر.
كذلك، تقدم الأونروا للفلسطينيين اللاجئين من سوريا 25 دولاراً للفرد و60 دولاراً للعائلة شهريًا، بالإضافة إلى خدمات الأونروا في المخيمات، في رفع النفايات وتوفير المياه والمحروقات وغيرها.
وفيما تبلغ ميزانية برامج الأونروا في لبنان سنويًا، نحو 100 مليون دولار، ويستفيد منها مباشرة نحو 250 ألفاً، تفيد كل التحذيرات الأممية بأن الأموال المتوفرة في الأونروا قد لا تكفي حتى أواخر شباط الجاري.
وواقع الحال، يخشى آلاف الفلسطينيين في لبنان من تداعيات وقف تمويل الأونروا عليهم، رغم ضآلتها، بعدما صارت المسمار الوحيد لمأساتهم ومعاناتهم.
لكن حساسية الوضع في لبنان ومخاطره، أمنيًا وسياسيًا وطائفيًا، وفي ظل شلل المؤسسات وانهيار الدولة، قد يضع المخيمات أمام وضع ينذر بمخاطر هائلة، إذا ما علقت الأونروا خدماتها، وستضرب عمق الاستقرار اللبناني الفلسطيني، الذي كان وما زال هشًا.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها