الإثنين 2024/02/12

آخر تحديث: 14:27 (بيروت)

نقص تمويل "الأونروا" ومفوضية اللاجئين: عقاب قاس لسكان لبنان

الإثنين 2024/02/12
نقص تمويل "الأونروا" ومفوضية اللاجئين: عقاب قاس لسكان لبنان
سكان المخيمات لم يتلقوا أي مساعدات ماليّة منذ مدّة (Getty)
increase حجم الخط decrease

كثرٌ اعتبروا أن إعلان 16 دولة تعليق مساعداتها للأونروا، أقدم المنظمات الأمميّة وأكثرها إسهامًا في تخفيف أعباء الحصار واللجوء على الشعب الفلسطينيّ، ولو شكليًّا، هو تواطؤ خبيث وتأثرٌ سطحيّ بالبروباغندا الإسرائيليّة، على حساب ملايين من البشر المنكوبين والمُهجّرين..

إلّا أن الواقعة المُحزنة، المعتلمة على هامش الإعلان، الذي جاء في لجّة التقليص المستمر للمساعدات المقدمة للسوريّين، في سوريا ولبنان (راجع "المدن") وسائر دول اللجوء في الشرق الأوسط، لا تتوقف وحسب على حقيقة أن الدول الكبرى المؤثرة والمانحة، متواطئة وغير مكترثة لمصائر هؤلاء المسحوقين في معجن الحروب والإبادات، بل هي مقتنعة حدّ اليقين، بأن هذه الشعوب، شعوبنا، لا تستحق أكثر من ذلك، لا تستحق سوى شذرات قليلة من الإحسان في محنتها الدمويّة وقدرها الرهيب. ذلك لإرضاء الإعلام وعدد من النشطاء الحقوقيين الذين يدافعون عن هذه الشعوب اليتيمة.

مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
أما بما يتصل بالمشهد اللّبنانيّ، فيعيش حاليًّا ما يربو عن 200 ألف لاجئ فلسطيني يعتمد على خدمات وكالة الغوث، حالةً من انتفاء يقين، مقرونة بما يتداول عن تعطل نهائيّ لأدوار وخدمات المنظمة الأمميّة بسبب الشحّ المستجدّ في التمويل والميزانيّة الضئيلة المتبقيّة (رغمًا عن الحماية التّي يقدمها القرار الدوليّ رقم 302)، مضافًا إلى واقع استمرار حرمان هذه الفئة التّي باتت تشكل شريحة واسعة من شرائح المجتمع اللّبنانيّ  -رضيّ هذا المجتمع أم لا- من حقوقهم المدنيّة والسّياسيّة والإنسانيّة.

ولفهم ارتدادات هذا الخبر على المخيمات الفلسطينيّة (12 مخيماً رسميّاً تعترف به الأونروا)، قامت "المدن" بجولة تفقديّة لأحوال مخيمي "عين الحلوة" في مدينة صيدا جنوبًا، ومخيم "الجليل" أو "ويفل" في مدينة بعلبك، والتّواصل مع السكان، لمعرفة كيف تلقى هؤلاء الخبر، خصوصًا أن غالبية سكّان هذين المخيمين، يعتمدون على المساعدات التّي تقدمها المنظمة، أكان بالشقّ التربويّ والتعليميّ، أو الرعاية الصحيّة والاستشفاء، وصولًا للمساعدات الماليّة شبه الرمزيّة.

مخيم "عين الحلوة"
"اشتباكات الفصائل وضعت فوق معاناتنا اليوميّة، تهجيرًا مضافًا، اليوم نحن نازحون من بيوتنا، وفيما كانت المساعدات التّي تقدمها الأونروا كوّةً مجهريّة تخفف علينا ضيق التهجير الأوّل والنزوح، اليوم وبالتّهديد المستجد، انحسرت آمالنا بالعيش بكرامة، ولا نخفي، أنه وفي حال توقف التمويل سنكون أمام مأساة شعبيّة سوف تطال حتمًا جميع سكّان المخيم، حتّى من المهجرين الفلسطينين- السّوريين، هؤلاء الذي لم تُرمم بيوتهم ويعيشون على فتات المساعدات"، يُضيف أحد النشطاء الاجتماعيين في مخيم عين الحلوة، بالقول: "غالبية سكان المخيم لا يكترثون بمصير السّلطة الفلسطينيّة أو تمويل منظمة التحرير وفتح وتمويلها في الضفة وفي عين الحلوة، الأولويّة المطلقة هي عدم انقطاع تمويل الاونروا، لسكّان غزّة وفي الشتات".

في مخيم "عين الحلوة"، المُسمى بـ"عاصمة الشتات الفلسطينيّ"، وأكثر المخيمات اكتظاظًا باللاجئين في لبنان، والذي شهد العام الفائت قلاقل أمنيّة واشتباكات بين الفصائل الفلسطينيّة والإسلاميّة (راجع "المدن")، أدّت إلى تدمير البنى التّحتية للمخيم وجزء لا يستهان به من المساكن، ناهيك باحتلال الفصائل لثمان مدارس تابعة للأونورا كانت توفر التّعليم لما مجموعه 5,900 تلميذ، وتعطل المدارس المحيطة بسبب نزوح أهل المخيم إليها، جاء الخبر كصاعقةٍ في ظلّ ما يعانيه المخيم أساساً، الذي لم يتمّ ترميمه وإعادة تأهيل بناه بالصورة التّي يتطلع إليها السكّان، الذين لا يزال عدد كبير منهم خارج المخيم.

مخيم "الجليل"
أما في مخيم "الجليل" الواقع عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك (مخيم منزوع السلاح)، فلا يختلف الوضع جذريًّا عما هو عليه  لدى سكان "عين الحلوة"، إذ أنه بالرغم من تعداد السكّان الضئيل نسبيًا والوضع المعيشيّ المقبول للاجئيه والمتسق مع طبيعة العمل الزراعي في المنطقة، بالمقارنة مع "عين الحلوة"، إلا أن قرار وقف تمويل الأونروا له التأثير نفسه على سكان هذا المخيم.

وفي حديثها إلى "المدن" تُشير إحدى الموظفات في الأونروا، والتّي تعمل في منطقة البقاع الشماليّ، إلى أن لاجئي المخيم لم يتلقوا أي مساعدات ماليّة منذ مدّة، قائلةً: "الوضع صعبٌ جدًا، الكثير يظنون أن مخيم الجليل بمنأى عن الانهيار بسبب هذا القرار، لكنه حتمًا سينهك كواهل السكّان. هناك أُسر مسنّة من دون أي معيل، وتعتاش على هذه المساعدات في إيجارات منازلها ومأكلها ومشربها، ومهددة بالتشرد في حال توقف التمويل، أما انخفاض الميزانيّة فتسبب بتعطل الخدمات الصحيّة والاستشفائيّة"، مضيفةً: "عندما يقصد اللاجئون المستوصفات، تُقدم لهم المسكنات وحسب، أما الأمراض المستعصيّة والولادات فصارت على حسابهم".

وحال المستوصفات والمراكز يتفاوت بين مركزٍ وآخر، إلا أن الغالبيّة بين 27 مركزًا على امتداد المخيمات تعيش الظروف المتردية هذه، بينما تعجز الأونروا حاليًّا عن سداد التكاليف المرتفعة في المستشفيات الخاصة والحكوميّة للاجئين.

وفي سؤالها عن باقي الجمعيات الأهليّة في المخيم، أشارت: "تعمل عدّة جمعيات كالنجدة والصمود والغوث الإنسانيّ، وبعض البرامج النسويّة، لكنها لا تكفي، ومساعداتها متواضعة جدًا". مؤكدةً أن تداعيات القرار قد يشمل الجميع، نظرًا للميزانيّة الموحّدة للمشاريع وبرامج الطوارئ. هذا ويصرّ سكّان هذا المخيم، أنّهم متضامنون مع إخوتهم في غزّة حتّى ولو لم يشمل التعليق الميزانيّة المخصصة لهم في لبنان. وهم في صدّد إقامة تظاهرات واعتصامات دوريّة للضغط على وقف هذا القرار، إن تمكنوا.

اللاجئون في لبنان
وحسب أحدث إحصاء لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا )، فإن العدد الإجمالي للاجئي فلسطين المسجلين لديها في لبنان بلغ 489 ألفا و292 لاجئًا، وحتّى اللحظة لا إحصاءات، عن عدد الذين سيتأثرون من تبعات التّوقيف النهائيّ (إن حصل)، مع التّأكيد أن النتائج قد تكون كارثيّة، بالنظر لحقيقة أن 80 بالمئة من هؤلاء يعيشون تحت خطّ الفقر. لكن الثابت هو حالة التّململ والاحتقان التّي أصابات جموع اللاجئين الفلسطينين في لبنان، الذين يشاهدون أبناء جلدتهم يعيشون أبشع ضروب الإرهاب في غزّة، بينما تهدد لقمة عيشهم وفرصهم بالإغاثة والنجاة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها