الأحد 2024/02/11

آخر تحديث: 17:33 (بيروت)

اللامركزية الإدارية وأثرها على النظام اللبناني

الأحد 2024/02/11
اللامركزية الإدارية وأثرها على النظام اللبناني
تأثير اللامركزية يعتمد على كيفية تصميم وتنفيذ هذا النظام (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
اللامركزية الإدارية هي نظام يُعتمد على توزيع السلطة الإدارية واتخاذ القرارات على مستوى محلي أو إقليمي بدلاً من ترك هذه الصلاحيات بشكل مركزي. في نظرية الإدارة والحكم، يمكن اعتماد اللامركزية في أي دولة، بما في ذلك لبنان. ولكن يجب أن يتم ذلك بناءً على دراسة شاملة للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، مع مراعاة العوامل الثقافية والدينية والتاريخية. حيث يمكن أن تكون اللامركزية الإدارية لها تأثيرات متعددة ومعقدة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

كما يجب عدم الخلط بين اللامركزية واللاحصرية حيث ان اللاحصرية هي تنظيم إداري للسُلطة المركزية تقوم من خلاله بإنشاء مراكز لها في المناطق لتسهيل أمور المواطنين الإدارية كإنشاء مركز إقليمي للسجل العدلي او مراكز المالية الموجودة في المحافظات اللبنانية التي تتبع مباشرةً للسُلطة المركزية ولا يتمتع موظفوها بأي استقلال ذاتي وينفذون تعليمات السُلطة المركزية بحذافيرها، وبالتالي لا تتضمن اللاحصرية أي شكل من أشكال الديمقراطية ولا يتخللها أي انتخابات. وهذا النوع متبع في لبنان.
أما اللامركزية هي سلطات منتخبة بالكامل، تتمتع بالاستقلال المالي والإداري. وهي ليست إلا إداريّة، بمعنى أن الحديث أو الجنوح إلى لا مركزيّة سياسيّة، يُصبح بمصاف الفيديراليّة. وهذا ما أراده اتفاق الطائف حيث دخلت اللّامركزيّة حيّز الإجماع وباتت مطلبًا وإصلاحًا متّفقاً عليه على إنه إداري وموسّع. فالفيدرالية هي تعبير عن نظام سياسي معيّن اما اللامركزية هي نظام اداري يحقق أسمى اهداف الديموقراطية؛ المهم أن لبنان خطا باتجاه خيار اللّامركزيّة الإداريّة الموسعّة، المعتمد في إطار البلديّات واتحادات البلديّات، والمطلوب توسيعه ليكون هناك درجة ثانيّة من اللّامركزيّة.

وجاءت بنود اتفاق الطائف تعبر عن حاجة لبنان الى اللامركزية الإدارية وفقا لما ورد في مقدمة الدستور وما ورد في البند 3 بعنوان (الإصلاحات الأخرى) من وثيقة الوفاق الوطني ما يلي:

-       الدولة اللبنانيّة دولة واحدة موحّدة ذات سلطة مركزية قوية. (المبدأ)

-       توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق الإدارية على أعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية حاجاتهم محلياً. (اللاحصرية)

-       إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمّن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات. (زيادة عدد الأقضية)

-       اعتماد اللّامركزية الإدارية الموسّعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام، تأميناً للمشاركة المحليّة.

-       اعتماد خطّة إنمائية موحّدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانيّة وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحّدة والاتّحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة.

وكذلك نصت وثيقة الوفاق الوطني في الفقرة 4 تحت عنوان (الإصلاحات السياسيّة) ان الدائرة الانتخابيّة هي المحافظة، وكيف تُوزّع المقاعد النيابيّة وكل ذلك يدل عن رغبة واضعي اتفاق الطائف الى اعتماد اللامركزية الإدارية.

وكان لدولة الرئيس حسين الحسيني (عراب اتفاق الطائف) رأيا بتطبيق اللامركزية الإدارية وحدد اساسيات تبنى عليها لتحقيق أكبر قدر من الديمقراطية. حيث يعتبر أنّ المقياس والمعيار على صحة تفسير نصوص اتفاق الطائف التي عرضناها سابقا إنّما يعود إلى اعتبار ما يتّفق مع وحدة البلاد وعيش أبنائها المشترك. ذلك لأنّ وطننا لبنان، بما يكتنز من ميّزات، أولها الحريّة، وثانيها المساواة، وثالثها العيش الكريم، ورابعها التكافل والتضامن. وهذا ما يؤمّن الولاء التام للوطن، وهذا يؤمّن بقاء الوطن واستمراره. ولكن هل يمكن ان يستقيم الوضع في لبنان في حال طبق اتفاق الطائف من حيث اعتماد اللامركزية الإدارية؟

أ‌.      تأثيرات اللامركزية الإدارية على النظام اللبناني قد تشمل:

-       تعزيز المشاركة المحلية: قد يسهم نظام اللامركزية في زيادة مشاركة المجتمع المحلي في صنع القرار وإدارة شؤونه، مما يعزز الشفافية والمسؤولية.

-       تحسين الخدمات المحليةباستقلال المناطق أو الأقاليم في اتخاذ القرارات المحلية، يمكن أن يتم توجيه الجهود نحو تحسين البنية التحتية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين بشكل أفضل.

-       التقليل من التوترات السياسية: قد تقلل اللامركزية من التوترات السياسية على المستوى الوطني، حيث يمكن للمجتمعات المحلية أن تتخذ القرارات الخاصة بها دون الحاجة إلى التدخل المركزي.

-       تعزيز التنمية المستدامة: يمكن للامركزية الإدارية أن تسهم في تعزيز التنمية المستدامة من خلال تكامل القرارات على المستوى المحلي مع الاحتياجات والظروف المحلية.

ولكن امام كل هذه التأثيرات والإيجابيات في حال تطبيق اللامركزية في لبنان هناك عقبات تقابلها لا تقل عن التأثيرات وقد تمنع اعتماد اللامركزية في لبنان.

ب‌.   تحديات محددة قد تواجه تنفيذ اللامركزية في لبنان تشمل:

-       التوترات الطائفية: لبنان يعتمد على نظام طائفي في توزيع السلطة، وقد يكون من التحديات تحقيق توازن يراعي هذا النظام وفي الوقت نفسه يدعم فعالية اللامركزية.

-       تحديات في التوزيع العادل للموارد: قد تظهر تحديات في توزيع الموارد بشكل عادل بين المناطق المختلفة، ويجب التفكير في آليات توزيع الموارد بشكل فعال وعادل.

-       التحديات المالية والاقتصادية: لبنان يواجه تحديات اقتصادية خطيرة، وقد تكون هناك صعوبات في تحقيق التمويل الكافي للسلطات المحلية في حالة اعتماد اللامركزية.

-       ضرورة الحوار والتفاهم: لتجنب التصاعد السياسي أو الاجتماعي، يجب تعزيز حوار فعّال بين السلطات المركزية والسلطات المحلية.

-       ضرورة إصلاح القطاع العام: قد يتطلب تحقيق اللامركزية تحسينًا كبيرًا في إدارة القطاع العام والتصدي للفساد.

-       ضرورة تطوير القدرات المحلية: تحقيق اللامركزية يتطلب بناء قدرات السلطات المحلية لضمان تنفيذ فعّال للخدمات واتخاذ القرارات.

-       التوازن بين الوحدات المحلية والوحدات الوطنية: يجب أن يتم التوازن بين تعزيز سلطات الوحدات المحلية وضمان استقرار وحدة الدولة.

-       التحديات الأمنية: في ظل الظروف الإقليمية والأمنية، يجب مراعاة كيفية تأثير اللامركزية على الأمان الوطني.

ختاماً، ان تأثير اللامركزية يعتمد على كيفية تصميم وتنفيذ هذا النظام، ويجب أن يتم بروية وتوازن لضمان تحقيق الفوائد المرجوة دون إحداث تشوهات أو توترات في النظام الإداري الوطني. بمعنى اصح، إذا تم تنفيذ اللامركزية بشكل صحيح ومستدام، قد تسهم في تحسين الإدارة وتعزيز المشاركة المجتمعية. ومع ذلك، يجب أن تتم هذه العملية بروية وبشكل متوازن لتفادي أي تداخلات غير مرغوبة أو تأثيرات سلبية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها