الأربعاء 2023/09/06

آخر تحديث: 11:19 (بيروت)

اعتداءات جديدة على مجتمع الميم-عين: معركة الحقوق والكرامة الإنسانيّة

الأربعاء 2023/09/06
اعتداءات جديدة على مجتمع الميم-عين: معركة الحقوق والكرامة الإنسانيّة
وصلت حالة الذعر إلى أوّجها أوساط مجتمع الميم- عين (Getty)
increase حجم الخط decrease

تناحرٌ على إعلانٍ متلفز (إعلان قناة MTV)، انقسامٌ برلمانيّ وسياسيّ، اعتداءاتٌ مستمرة على الأفراد (جنود الربّ وجنود الفيحاء)، تصعيدٌ ووعيد، خوفٌ من الألوان والأعلام والأفراد، رهابٌ وصل إلى داخل البيوت والمدارس والكنائس والمساجد والمخافر.. حملةٌ فجائيّة، ترفدها عصبيّة دينيّة مُتعددة (إسلامية ومسيحية)، تُشبه طيف الحملات التّي امتدت منذ فجر التاريخ وصولاً للعصور الوسيطة والحديثة في مطاردة السّاحرات والمشعوذين وما شابه.

الحال، أننا لسنا إزاء حملةٍ ثقافيّة تستدعي التّوقف عندها، ومجابهتها بحملةٍ تقابلها. فمروّجو خطاب الكراهيّة العمياء، المتطرف حدّ الجنون، العصبيّ قلبًا وقالبًا، لم يدّعوا قطّ أن أسبابها ثقافيّة، عقلانيّة، أو حتّى مُبرّرة المصدر والتّوقيت والأسباب، وهذا ما لا يصنع ثقافةً أو حملة.

بل إن ما يحدث الآن في لبنان، وما يتململ تحت حالة الخواف والرهاب العام، المستمد لشرعيّةٍ مشبوهة سياسيًّا ودينيًّا ومجتمعيًا، ما هو سوى هذا التّحدي التاريخيّ للديموقراطية بمفهومها الأشمل، وللإنسانيّة المحض كحقّ لا يُجتزأ أو يُفاوض عليه. فيما يشي أيضًا بدلالات عن انفصال اللبنانيين عن واقعهم، وعطبٍ ما في ذاكرتهم، المضمخة بويلات الاقتتال نفسه، من دون أن يتعلموا منه شيئًا.

الكراهيّة والإعلام اللبناني
في الآونة الأخيرة تحول الإعلام ووسائل التّواصل في لبنان، وعلى حين غرّة، أرضًا خصبة للشائعات، المولدة لحالة الذعر وفقدان السّيطرة الحاليين. حفلة الفوضى التّي لم يُعرف سبب إطلاقها، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث الذي كان يُشهد له (سابقًا) بأجوائه "المتساهلة" و"المتسامحة" مع أفراد مجتمع الميم-عين، بالرغم من وجود المادة 534 عقوبات (التّي تجرم "المجامعة على خلاف الطبيعة")، أو حتّى واقع وجود الفحوص الشرجيّة لإثبات هذه التهمة وسواها من الإجراءات الرسميّة.

فالحملة الفجائيّة المشوبة بهالةٍ سياسيّة- طائفيّة، أصحبت معركة جديّة تطال سائر الحريات والحقوق والكرامات الإنسانيّة، بدايةً مع دعاية MTV الداعمة لمجتمع الميم -عين ولمطلب إلغاء المادة التّي تُجرم المثليّة (المشوبة أيضًا بطابعٍ دينيّ)، وما أعقبها من موجة سخرية وسخط على القناة  والعاملين فيها (الأمر الذي وصفه البعض بالقمع والتضييق على حرية الصحافة والإعلام)، والدعوات لمقاطعتها بوصفها قناة "للشذوذ" ومروجة له، فيما بالفعل تمّ قطع بثّها في عدّة أحياء من طريق الجديدة وبيروت والضاحيّة الجنوبيّة.

 هذا كلّه فضلاً عن السّجال الذي نشب بين القناة المذكورة وبين وزير الثقافة محمد مرتضى (أبرز أعلام فوبيا "المختلف" الأخيرة). بالإضافة لحرب الأخير مع القناة اللبنانية للإرسال LBCI.  فيما عمدت الصحف والقنوات "المحسوبة" على ثنائي حزب الله وحركة أمل، فضلاً عن المواقع المحافظة الأخرى، أكان في طرابلس وبيروت، للتهليل لموقف الوزير، بل وبالغت أخرى (مجهولة المصدر وتُسمى "ميول") لإعادة تصوير الدعاية معتبرةً أن "الترويج للمثليّة والشذوذ" هو الجريمة الحقيقيّة.

وتسلّل الجدّل إلى الإعلام، وتحوله من مادة مؤقتة لموضوع دائم أشبه بسجال رئيس الجمهوريّة والأزمة الاقتصاديّة، أسهم في خلق جوّ من الذعر في أوساط مجتمع الميم-عين، وتحديدًا الفئة الشابة منه، التّي تُعاني الأمرين من الأزمات اللبنانيّة المتناسلة، لتأتي المخاوف المستحدثة من عنفٍ مرتقب، أكان في بيوتهم أو في الشوارع العموميّة.

تخوف عام
"أعيش اليوم في ترقبٍ دائم". بهذه الكلمات عبّرت الشابة نور ج. (24 عامًا) عن خشيتها من أي اعتداء مُحتمل قد يطالها في الشارع العموميّ أو بمكان عملها، فنور التّي تتابع تحصيلها الجامعيّ، وتعمل بقطاع الخدمات في أحد المقاهي في منطقة مار مخايل، لا تزال صدمة الاعتداء على يدّ ما يُسمى "جنود الربّ" التّي تعرض لها عدد من الشباب والشابات منذ نحو الأسبوعين، تلاحقها. واصفة المنطقة بالمشحونة والمترقِّبة، وخصوصًا أن شارعي السّهر، الجميزة ومار مخايل، هما المتنفسين الوحيدين غالبًا لأفراد مجتمع الميم-عين في بيروت، مضيفةً: "اضطررت لتغيير نمط عيشي. فسابقًا كنت لا أبالي بنظرة الناس الفوقية والمستهجنة تجاه ملابسي أو تصفيفة شعري، إلا أنني اليوم صرت أتوجس أن يقوم هؤلاء الأفراد بالتواصل مع "جنود الربّ"، فغيرت من شكلي مؤقتًا، رغم أني متأكدة أن لا حماية قد توفرها لي أي جهة رسميّة أو أمنيّة، بحال تعرضت لاعتداء أو تضييق".

واقعيًا، فإن حملة الكراهيّة الأخيرة، باتت مقرونة بنزعة شعبية لتكدير عيش أي فرد يُشتبه بانتمائه لمجتمع الميم -عين أو باختلافه عن النمط السّائد، ووتيرة الاعتداءات اللفظيّة، أكان افتراضيًا وعلى أرض الواقع في ارتفاعٍ مُطرد، كما هي الاعتداءات الجسديّة. إذ تعرض مساء الأمس الإثنين 4 أيلول الجاري، أحد الشبان لاعتداءٍ جسديّ في منطقة بدارو، فيما اشتبه المعتدون بكونه من "المثليين" على حسب تعبيرهم. ولم يتوقفوا عند ذلك الحدّ، بل قاموا برميّ البيض على عددٍ آخر من الأفراد.

وفي هذا السّياق يُشير الناشط الحقوقي في جمعية حلم، والمدافع عن حقوق مجتمع الميم- عين، ضومط القزي، إلى "المدن" قائلاً: "في لبنان نشهد ومنذ نحو السنتين، حملة ممنهجة ضدّ مجتمع الميم-عين. هذه الحملة المتلطيّة تحت لثام التخويف الدينيّ والسّياسيّ بحجة "تهديم قيم العائلة" تارةً، وقوننة الممارسات التمييزيّة والعنصريّة بحقّ الأفراد طورًا، ترجمتها الفعليّة هي الانقضاض العلنيّ على الحريات والحقوق. وهذا لا يصبّ سوى بصالح المنظومة التّي تُجيّش الخواف والرهاب ضدّ الأفراد".

مُضيفًا: "الاعتداءات مستمرة وبصورة علانيّة، بغياب أي جهاز يحمي المُعتدى عليهم، وآخرها كان البارحة (كما ذكرنا آنفًا). هذا الأمر الذي دفع ببعض الأفراد الخائفين على أنفسهم من تغيير نمط عيشهم وسلوكياتهم، وحتّى الذهاب إلى أماكن كانت تعتبر آمنة لهم، وتفشي حالة من شبه فقدان الأمل لدى أغلبهم، كما نلاحظ أن البعض بات يُفكر جديًّا بالهجرة وبتقديم طلبات لجوء سياسيّة وإنسانيّة إلى الخارج، للهرب من بطش المعتدين والعنصريين والكارهين. والخاسر الأكبر هو هذه الدولة التّي تنزف شبابها تباعًا، وتخسر آخر الفرص في النهوض بنفسها، بل ويخسر لبنان صيته الذائع بأنه بلد الحريات، وآخر البلدان العربيّة التّي يشعر فيها مجتمع ميم-عين بالراحة والأمان".

القضاء اللبنانيّ
وصلت حالة الذعر إلى أوّجها أوساط مجتمع الميم- عين، وإحجام شطر من أفراده، عن العودة إلى نشاطاتهم السّابقة في الحيز العام، وفي الشوارع العموميّة. خصوصًا أن الشحن الشعبيّ يتفاقم، أكثر مما كان عليه في السنوات الممتدة بين 2009 و2016 التّي تُعد الأسوأ قضائيًّا عند أفراد مجتمع ميم –عين. إذ رأت معظم الاجتهادات القضائية في مرافعات المدانين بالمثلية وقتها "أن العلاقة الطبيعية تقوم بين ذكر وأنثى وفقًا لقوانين الطبيعة وليس بين أفراد من الجنس ذاته".

إلى أن تحققت أول سابقة قضائية عام 2017 مع حكم القاضي ربيع معلوف إبان مرافعته، بأن المثليّة هي من الطبيعة وليست خلافها. ونصّ الحكم على عدم تجريم العلاقة الحميمية بين المثليين. وهو حقّ طبيعي أسوة بغيرهم من البشر ولا يجوز تدخل أي جهة بهدف إلزامهم بعلاقة مخالفة لطبيعتهم.

إلا أن موجة الكراهيّة الأخيرة، زرعت نوعًا من الشكّ لدى البعض بعودة الملاحقة الجزائيّة على خلفية تُهم بالمثليّة ومعاقبة المدانين بموجب المادة 534 مجدّدًا، ما يعني عودة "الفحوص الشرجيّة-Anal examinations " (التّي تُجرى بالتدقيق بالأعضاء التناسليّة للأفراد لدى الأطباء الشرعيين) التّي ناضل الحقوقيون سنوات طويلة لتجريمها، ونعتها بـ"فحص العار" لما تحمله من إهانة وتدنيس للكرامة والجسد الإنسانيّ. فيما أكدّ مراقبون حقوقيون لـ"المدن" أنّه من الوارد عودة هذه الفحوص والملاحقات القضائيّة لأفراد المجتمع ميم -عين، إذا لم يتمّ وضع حدّ نهائي لحملات الكراهيّة الموصولة.

السّوريالي في كل ما يحدث أن الشارع اللبنانيّ المنقسم على هذه الجدليّة (الحقوقيّة أولاً والأخلاقيّة ثانيًا)، لم يُدرك للآن مآرب السّلطات الدينيّة والسّياسيّة من ورائها. فالتاريخ الحديث على الأقلّ، المفضوح في الوعيّ العام اللبنانيّ، من شأنه أن يثبت لنا، أنه لطالما كانت مسألة المساواة والحقوق والعدالة، ضالةً لا تتحقق سوى بالمجازر والاقتتال الدمويّ، وأن "العار" الوهميّ الذي سيلحق بالمجتمع اللبنانيّ من تقبل واحترام المختلف، ليس نفسه العار الذي سيلحق لبنان في التّاريخ، لوقوفه في مصاف الدولة السّاقطة حقوقيًا والقاتلة لأبنائها فقط لهوياتهم وأهوائهم الشخصيّة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها