الثلاثاء 2023/07/18

آخر تحديث: 15:33 (بيروت)

تسجيل الزواج والمواليد عند اللاجئين السوريين: إجراءات تعجيزية

الثلاثاء 2023/07/18
تسجيل الزواج والمواليد عند اللاجئين السوريين: إجراءات تعجيزية
يعاني اللاجئون السوريون من تعقيدات تسجيل الولادات (Getty)
increase حجم الخط decrease

الواضح، أن السّلطات اللبنانيّة قد فشلت منذ 2011 في صياغة سياسة براغماتيّة ومتأنية وموزونة للتعاطي مع ملف اللاجئين، أكان بانجرارها بعضها عاطفيّاً وراء التشفي من حقبة الاحتلال السّوري، أو انغماس بعض الآخر في الدعايّة الشعبويّة في لبنان، وصولاً لقراراتها المتهورة، وآخرها شنّ حملات الزجريّة لدفع اللاجئين على ترك البلاد كيفما اتفق، على الضدّ من كل تمنيات المجتمع الدوليّ، والاعتبارات الإنسانيّة، وحتّى إرادة اللاجئين أنفسهم.

وواحدةٌ من هذه القرارات المتهورة التّي دفعت السّلطة ثمنها على عكس ما تتوقع، هو قرار الحكومة اللبنانيّة الصادر عام 2015 الذي منع المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) من استقبال المزيد من طلبات تسجيل اللاجئين لديها، بظلّ تنامي مخاوف التيار الوطني الحرّ وحلفائه من إمكانيّة توطين و/أو تجنيس اللاجئين المُسجلين عند المفوضية، حينها. ما أدّى إلى ازدياد عدد اللاجئين غير المُسجلين المقيمين حاليًا في لبنان، ما يمنع معرفة عددهم الإجمالي. وبالتّالي، ما يُضعف أي خطّة لحلحلة أوضاعهم كما تزعم السّلطة.

الشخصية القانونيّة
هذا القرار، الذي جعل اللاجئين من أفراد وجماعات مُضطهدة وهاربة، إضافة إلى المهاجرين الاقتصاديين، غير محميين وعرضة للاستغلال، في مواجهة تعقيدات نظام الكفالة، وغياب الحماية القانونية التي توفرها اتفاقية 1951. وعليه، بقي أمام اللاجئين خياران: إما الخضوع للاستغلال بموجب لوائح نظام الكفالة أو طلب اللجوء غير القانوني في لبنان مع الامتناع عن أي إجراء قد يكشف عن وضعهم غير القانوني، مثل التوثيق المدني.

وانطلاقًا من هذا الواقع، الذي حرم الآلاف من اللاجئين، خصوصاً أطفالهم المولودين في لبنان، من حقّهم البديهي وهو التمتع بالشخصيّة القانونيّة. هذا الحقّ المنصوص في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يلتزم به لبنان من دون تحفظات.. وبتنظيم من المركز اللبناني لحقوق الإنسان والمجلس النرويجي للاجئين ""NRC وبدعم من السّفارة السّويسريّة، تمّ صباح اليوم الثلاثاء 18 تموز الجاري، إطلاق بحث قانوني حمل عنوان: "مقارنة حول تسجيل الزواج، والولادات والوفيات بين بيروت، لبنان الشمالي، البقاع وجبل لبنان". حضره عدد من القضاة اللبنانيين، وممثلو الأجهزة الأمنيّة، وحقوقيون، ومحامون.

استهل الجلسة الحواريّة المحامي عصام سباط، الذي أشار إلى كون الدراسة تعتمد منهاجًا علميًا تحليلاً يُظهر تعثر سياسات الدولة في تنظيم الوضع القانوني للاجئين في لبنان، واختلافها بين كل منطقة وأخرى، مُشددًا على أهميّة تسجيل كل ولادة في لبنان، بعيدًا عن المآخذ والعراقيل السّياسيّة، وهدف مؤتمر الإطلاق إلى رفع توصيات للسّلطات اللبنانيّة كجزء من الحلّ الجذري لما يُسمى "أزمة اللجوء"، أهمها:

- توحيد الإجراءات والرسوم المُتعلقة بتسوية أمور اللاجئين القانونيّة (كالإقامة، وتسجيل الولادات والوفيات والزواج) على امتداد المحافظات اللبنانيّة.

- تعديل قانون الأحوال الشخصيّة.

- حظر زواج الأطفال والقاصرين وتجريمه.

- إقامة برامج توعويّة في المخيمات، ودورات للأزواج عن الإنجاب وتفادي ظاهرة الإنجاب المفرط.

الإجراءات التعجيزيّة
ومن بعدها تحدث كل من اختصاصية المعلومات والمشورة والمساعدة القانونية لدى NRC جيني بيرلستام، والمحامون عن المركز اللبناني لحقوق الإنسان، صلاح رعد، ربيع كيروز، جورج نجار. الذي تناول كل منهم تباعًا، الأحكام والممارسات القانونيّة والإجراءات المُتعلقة بتسجيل اللاجئين. أولاً من جهة تسجيل الولادات، حيث تحدث رعد وبيرلستام، عن الإجراءات المُعقدة لتسجيل الولادات، إذ أنه ومنذ بداية الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في عام 2019، أصبحت عمليات الحصول على الوثائق المدنية أكثر تعقيدًا. لاحظ تقييم اللاجئين السوريين في لبنان زيادة في تسجيل المواليد (36%) والزواج (33%) في عام 2022. إلا أنه لاحظ أيضًا أن الأسباب الرئيسية لعدم استكمال تسجيل المواليد هي التكاليف والنقص، وتجهيل اللاجئين بالإجراءات المترتبة، أكان في دوائر النفوس أو عند المخاتير، أو ولادة بعض اللاجئات أطفالهن في الخيم، ما قد يحول دون حصولهم على شهادة ولادة مختومة، ما يعرقل باقي الإجراءات القانونيّة. وبمقارنتها مع باقي المناطق، تتفاوت التكاليف والإجراءات بين محافظة بيروت والبقاع الشمالي مثلاً.

أما فيما يتعلق بتسجيل الزواج فقد لحظ المحامي نجار، أن في مدينة بعلبك، حيث يتم عادةً تسجيل الزواج عند المحكمة الشّرعيّة السّنية، فإن هناك بعض الحالات لا يتم تسجيلها بصورة قانونيّة. بعضها يتمّ عند مرجعيات دينيّة محليّة كشيخ الضيعة، ما يُعقد معاملات الزواج، فيما يبقى زواج القاصرات هو من الأسباب الأساسيّة لانخفاض طلبات تثبيت الزواج في المحاكم. بينما أشار المحامي كيروز أن أكبر العقبات التّي تحول دون استحصال اللاجئين على إقامات هي الإجراءات المُعقدة، والخوف من التّرحيل والتكلفة العاليّة جدًا.

وقد لفت البحث القانوني في مضامينه إلى سلسلة تفاعليّة تربط بين الإجراءات التعجيزيّة هذه وواقع تردي أوضاع اللاجئين الحقوقيّة في لبنان: من عدم تسجيل الزواج الذي يؤدي إلى عدم تسجيل المواليد، ما من شأنه عرقلة الحصول على إقامة قانونيّة، بذلك يقع اللاجئ أمام خطر الترحيل أو خطر الاستغلال. داعيًا السّلطات لتحكيم وترشيد سياساتها والغوص في لبّ الأزمة، لا محاولة تدارك تبعاتها، بصورةٍ لا إنسانيّة وقاسيّة، مثل ما تفعل حاليًّا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها