الأحد 2023/07/16

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

بؤس مخيماتهم يستفحل: اللاجئون أمام "العودة" القسرية أو الغرق

الأحد 2023/07/16
بؤس مخيماتهم يستفحل: اللاجئون أمام "العودة" القسرية أو الغرق
لا يبدو أن أمام اللاجئين في لبنان إلا المصير البائس (Getty)
increase حجم الخط decrease

منذ نحو الأسبوع وتحديدًا في الثامن من تموز الجاري، أحبطت شعبة المعلومات التّابعة لقوى الأمن الداخلي، وضمن عمليتين متزامنتين محاولة تهريب 231 طالب لجوء سوري (من بينهم أطفال ونساء) كانوا متجهين بحرًا من شواطئ لبنان الشماليّة (سلعاتا) إلى السّواحل الإيطاليّة مقابل مبالغ ماليّة تتراوح ما بين 6-7 آلاف دولار أميركي عن كل شخصٍ مهاجر. وقد نفذت العملتين، بعد رصدٍ ومراقبةٍ دقيقة. أما العملية الأولى فكانت في محلة أوتوستراد المنية - الضنية وأسفر عنها توقيف 111 شخصًا من الجنسيّة السوريّة فيما كانت العملية الثانية، في محلة أوتوستراد المحمرّة، وقد أوقفت دوريات الأمن 120 شخصًا من الجنسيّة السوريّة، في كل مرة على متن شاحنتين من طراز (بيك أب). كما قامت مخابرات الجيش بمؤازرة شعبة المعلومات بحملة دهم لمنازل متورطين في شبكة التهريب وأوقفت 7 مواطنين، وضبطت في حوزتهم أسلحة حربية وكمية من الذخائر. حسب ما أشار تقرير المديريتين، فيما وصفتا العمليتين، بالمهمة الإنقاذيّة ذات البُعد الإنسانيّ.

نزعة تهجيريّة
اللافت بالخبر أعلاه، ليس واقع عودة قضية الهجرة غير الشرعيّة، لتتلقف اهتمام ومُتابعة الأجهزة الأمنيّة مجدّدًا، للحؤول دون موت المزيد من اللاجئين في قوارب "الموت" المُنطلقة من سواحل الشمال اللبنانيّ، فوحده في الربع الثالث من العام 2022، تم تسيير ما لا يقل عما لا يقل عن 155 محاولة هجرة غير شرعية (متجهة إلى قبرص وإيطاليا وألمانيا واليونان)، شارك فيها 4637 شخصًا، وأدّت الى وفاة 214 شخصًا على الأقلّ، وفقدان 225. أي أن القضية لم تبرح مكانها قطّ! وكانت معالجتها مبتورة وبعيدة كل البعد عن المزاعم الإنسانيّة. محاولة اللاجئين للهرب من لبنان، واحدةٌ من التفاعلات التّسلسليّة المنطقيّة، لكل ما ارتكبته السّلطات اللبنانيّة وضمنًا الأجهزة نفسها بحقّهم طيلة الشهور الماضيّة. اللافت فعليًا، هو أن هذا الخبر لم يحظ بالوقع المهول والصادم والضجّة الإعلاميّة المألوفة، بل ولم تطل اللاجئين تلك المقارعة الشعبيّة التهكميّة (أو حتّى "الحسد" الشهير)، عن مصدر المبالغ المرصودة وإرشادات عن الطُرق الأفضل والأجدى لصرفها.

وإن دلَّ الصمت الموارب هذا عن أي شيء، فمن شأنه طرح فرضيّة واردة جدًّا، مفادها، أن العقيدة التّهجيريّة التّي اعتنقتها السّلطات وحاولت التّبشير بها أكان بالتّرهيب، بحملاتها الاستعراضيّة لتّرحيل اللاجئين المستمرة حتّى اليوم وأسفرت عن ترحيل ما لا يقلّ عن 1800 شخص، وبالتّرغيب، ببثّ دعايّة النظام السّوري المُطبعة معه، "بالعودة الطوعيّة والآمنة إلى المناطق المُحررّة". قد لاقت أخيرًا جمهورها، المُستعد لكبت نزعته التهكميّة، فقط في سبيل التّخلص من اللاجئين ولو برميهم في عرض البحر. أما هذه الفرضيّة، ففي حال كانت العنصر الفعلي للصمت الموارب أم لا، فإن هناك في المشهد اللبنانيّ المأخوذ بمعضلة اللجوء حاليًّا، واقعٌ لا يُمكن التّشكيك فيه، أن اللاجئ اليوم لا يملك خيارًا سوى العودة إلى مقصلة الأسد قسرًا، أو الغرق في البحر "طوعًا" وهو أهون الشّرين.

وبالنظر، إلى عداد الانتهاكات التّي طالت اللاجئين من مطلع نيسان الماضي إلى اليوم، من ضمنها ما لا يقلّ عن 2،200 حالة اعتقال، و100 مداهمة عشوائيّة، و1800 حالة ترحيل تعسفيّ، حسب ما أشار آخر تقارير منظمة Human Rights Watch، يُمكن فهم عودة قضية قوارب "الموت" وما يكتنفها من خطورة شديدة على حياة اللاجئين أكان في السّواحل اللبنانيّة (على يدّ قوات الجيش كما حدث أول العام الجاري) أو أكان في السّواحل الأوروبيّة، كقضية قارب المهاجرين "أدريانا" الذي غرق قبالة السّواحل اليونانيّة الشهر الماضي، فيما أشار تحقيق لصحيفة The New York Times الأميركيّة، أنه كان بالإمكان تفادي تراكم عدد الوفيات الناجمة عن غرقه، ملمحةً لتورط خفر السّواحل اليونانيّ بغرق القارب.

بؤس المخيمات
ومحاولة اللاجئين الهرب من لبنان، لا تتوقف أسبابها على تخوفهم من بطش الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة وترحيلهم تعسفيًا ونزعتهم لتوطين أنفسهم ببلدٍ ثالث طمعًا بحياة أفضل، من دون انتظار حلحلّة الوضع رسميًا في بعض الأحيان، بل تحمل بُعدًا معيشيًا أيضًا. فالحملة الأمنيّة صحبها تضييق هائل على اللاجئين وعمل المنظمات الإنسانيّة في المخيمات، ليُفاقم البؤس العمومي والمهانة الاقتصاديّة فيها، كمخيم بر إلياس في البقاع الأوسط على سبيل المثال لا الحصر. إذ تشرح إحدى العاملات بالشأن الإنساني في المخيم المذكور في حديثها إلى "المدن" أن المخيم وضعه مأسوي وخطير، فهناك عائلات اضطرت للهرب منه في موجة الاعتقالات والمُداهمات الأخيرة، بعضها نزح إلى الشمال وتحديدًا عكار، فيما اتجه آخرون للجرود اللبنانيّة بصورة مؤقتة لحين هدوء موجة الغضب العامة في المنطقة.

مُضيفةً: "هناك تقليص كبير في حجم المساعدات المُقدمة من قبل المنظمات وصل حد النصف، كما شطبت الجمعيات أعداداً هائلة من العائلات في المخيم من لوائح المساعدة وبصورة عشوائية، بسبب الشحّ في المصدر المالي، ما فاقم المعاناة ودفع بعددٍ لا يُستهان به من اللاجئين نحو التّسول في محيط المخيم، أو في شتورة وزحلة وبعلبك. فيما ازدادت ظاهرة عمالة الأطفال دون سنّ العشرة، وانقطع غالبيتهم هذا العام عن التعليم خوفًا من ترك أولادهم في لبنان بعد ترحيلهم، واضطرارًا لتأمين لقمة العيش، هذا من دون ذكر ظاهرة زواج القاصرات والاعتداءات الجنسيّة المعطوفة عليها، وحالات الولادات العشوائية في الخيم ووفيات الأطفال فيها، بظلّ توقف وتقليص جزئي للإعانات الطبيّة والطبابة في المستشفيات المُحيطة كمشفى ناصرة برّ إلياس، المياس، الهراوي في زحلة..". وتستطرد المتطوعة قائلةً: "هذا وناهيك عن امتناع عدد من المحال والمصالح التّجاريّة والقطاعات السّياحيّة من توظيف اللاجئين، فزادت نسب البطالة، وتوسع نطاق المخيم مع نزوح عدد من العائلات من الشقق السّكنية التّي يتجاوز إيجارها 200 دولار أميركي، نحو المخيم باستئجار خيمة أو أرضها بما لا يناهز 30 دولاراً عن الخمس عائلات". أما عن الحوادث العنصريّة، فتشير المتطوعة أن العنصريّة متفشية أكثر من أي وقتٍ مضى، فقد شاهدت بأمّ عينها، حادثة عنصريّة منذ نحو اليومين. إذ اضطر لاجئ إلى ترك راتبه الأسبوعي وأكياس المونة لأسرته، في الشارع العمومي، فقط للهرب من أحد سائقي النقل العمومي، الذي حاول ضربه بسيارته فقط لكونه لاجئاً!

مصائر سوداء
وأمام هذين الخيارين، يبدو أن السّلطات اللبنانيّة لا تُعير اهتمامًا فعليًّا، لواقع المخيمات المأساوي (ما يناهز 3000 ألف مخيم عشوائي على امتداد الأراضي اللبنانية)، بل تعمل على مضاعفة نكبتها، أكان أمنيًّا ومعيشيًا وحتّى سياسيًا، بإصرارها على التّطبيع مع الأسد ورميّ اللاجئين في حضنه مجدّدًا. كما عبّر وزير المهجرين عصام شرف الدين الذي أكدّ مطلع الشهر الجاري أن دمشق مستعدة لاستقبال 180 ألف من اللاجئين السوريين في بلاده كمرحلة أولى، تليها دفعات من 15 ألف لاجئ شهريًا. وما تلاها من سجال "داتا المعلومات".

ومع هذا المناخ السّياسيّ المشوب بخبث المصالح الأسديّة والشلّل الدوليّ أمام عناد السّلطات اللبنانيّة، لا يبدو أن أمام اللاجئين أي مصير محتمل، سوى الإذعان للحملة العنصريّة ومؤداها العودة القسرية فعليًا إلى سوريا، أي إلى قراهم ومدنهم المنهوبة والمُدمرة وإلى مقصلة الأسد، أو البقاء في المخيمات، والتّأقلم مع بؤسها وتشردها. أو ببساطة إغراق أنفسهم في عرض البحر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها