الجمعة 2023/06/30

آخر تحديث: 11:32 (بيروت)

"ورشة" نادين في الميناء: "مرسح" لطرابلس ومساحة تشاركية

الجمعة 2023/06/30
"ورشة" نادين في الميناء: "مرسح" لطرابلس ومساحة تشاركية
الصرح سيلعب دور الحاضن لمحترفين ومواهب ناشئة (المدن)
increase حجم الخط decrease
عند رأس "مينو" في ميناء طرابلس، يطل المقهى والمركز الثقافي "ورشة 13"، لصاحبته نادين علي ديب. وهو يتصدر هذا الشارع الضيق والطويل، الذي تنتشر على جنباته بعض المقاهي والملاهي الليلية، ويشهد راهنًا ورشة تأهيل وترميم لأبنيته القديمة.

قصة ورشة
للوهلة الأولى، تتكثف حكاية "مينو" الميناء في "ورشة 13". وكأن مبناه القديم وقناطره الخشبية وجدرانه الحجرية وأثاثه العتيق ولوحاته ومكتبته الصغيرة، تحفظ تاريخ ما كان يطلق عليه اسم "شارع الخراب"، لاحتوائه على عدد من الأبنية الأثرية القديمة، وهي جزء من الحالة العمرانيّة التي تشكلت في الميناء منذ العهود الفينيقية والرومانية والمملوكية والعثمانية والإيطالية. (راجع المدن)

لكن "ورشة 13" الذي فتح أبوابه نهاية 2016، يتحضر لنقلة نوعية في مساره الثقافي- المعرفي والاجتماعي، مع تأسيس صاحبته لنواة مشروع جديد سيحمل اسم "مرسح".

تؤمن نادين ديب بضرورة تشكيل تحالفات خارج أطر المؤسسات الثقافية المملوكة من سياسيين ومن يدور في فلكهم من أفراد ومؤسسات ومجموعات. وهي تواظب على وضع أجندة ثقافية لـ"ورشة 13" التي تجد فيها مساحة عامة، في مدينة تبدو شبه خالية من المساحات العامة، بموازاة عملها على تطوير المشروع وتوسيع نطاق أثره. تقول في حديث لـ"المدن": "لم تكن "ورشة 13" مشروع مقهى تجاري، بل مساحة يتلاقى فيها شباب من فئات عمرية مختلفة لطرح نوع من الأنشطة حول الفنون والثقافة والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على المعارض وورشات العمل". 



مساحة بديلة
لكن نادين، ونتيجة خبرتها بالعمل الاجتماعي، أدركت أن استدامة مشروع مستقل يحتاج إلى تمويل نفسه بنفسه، وهو ما دفعها إلى إضافة فكرة "المقهى" على "ورشة 13" مع الحفاظ على خصوصية المركز وطابعه النموذجي، كمساحة بديلة ومفتوحة، تمدّ جسرًا حتى مع الفاعلين في مجالي الفنون والثقافة في بيروت.

قبل اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، كانت ديب تعمل على توسيع "ورشة 13" في مساحة أطلقت عليها اسم "المدينة للمعرفة والفنون"، وكان يوم افتتاحها في يوم 17 تشرين، فاضطرت لاحقًا إلى وقف المشروع، لكن ذلك لم يحدّ من إقبال جهات وجمعيات ثقافية ومدنية من خارج طرابلس ولبنان لتنفيذ بعض فعاليات عبر أو في "ورشة 13"، خصوصًا أنها مسجلة قانونيًا كشركة مدنية ثقافية-اجتماعية غير ربحية.

لاحقًا، تواصلت إحدى الجهات المانحة مع ديب للسؤال عن مدى قابلية مأسسة عملهم في "ورشة 13"، ومن هنا انطلقت فكرة مشروع المسرح بوصفه خشبة تستوعب مختلف أشكال الفنون والفعاليات الثقافية المستقلة في فكرة تصفها بالمرنة والتقاطعية.



احتكار المشهد
تعتبر ديب أن مشكلة طرابلس التاريخية هي حالة الاحتكار في الكثير من المجالات من قبل مجموعات سياسية ومدنية وعائلات تقليدية تسيطر على المشهد الثقافي العام. وفي أيلول الفائت، بدأ العمل على دعم مشروعها كمؤسسة بمنحة مالية، تمكنت من خلالها استئجار مبنى حجري قديم مقابل بلدية الميناء، وهو مؤلف من طابقين، لتنفيذ مشروع المسرح. وتقول إن هذا الصرح سيلعب دور الحاضن لمحترفين ومواهب ناشئة ومخرجين من طرابلس، إضافة إلى التزامه ببرامج اجتماعية وسياسية مختلفة. فـ"المبنى لن يكون محصورًا بفئة معينة، بل مساحة تشاركية مع المجتمع المحلي". وسيحمل المبنى اسم "مرسح" (مرادف لكلمة مسرح).

ومن المرتقب أن ينطلق "مرسح" في حفل افتتاحي بعد انتهاء موسم الصيف الحالي، حين الانتهاء من عملية ترميم المبنى. وتتحدث نادين عن بعض التحديات التي تواجه المشروع وأبرزها مسألة توفير الكهرباء وكلفتها العالية. وهو ما يدفع القيمين على المشروع إلى خيار الطاقة الشمسية. وسيضم المبنى مسرحًا إضافة إلى قاعة اجتماعات. وفي مرحلة لاحقة سيتم العمل على انشاء استديو للمشاريع الفنية. وتضيف: "إن استدامة المشروع مرتبطة بخلق مساحة اجتماعية، وقاعة الاجتماعات ستؤجر لورشة عمل بمبالغ رمزية".

من هي نادين؟
نادين علي ديب البالغة 38 عامًا، نشأت وترعرعت في محلة أبي سمراء في طرابلس، وتخرجت من مدرسة الأمريكان في الزاهرية، ثم أكملت تحصيلها الجامعي في جامعة بيروت العربية. وتعود إلى علاقة تصفها بالصعبة ربطتها كأقرانها في جيلها مع طرابلس. "إذ كان لدينا نوع من التوقعات حول نوعية حياتنا في المدينة قبل أن نصطدم بالواقع". وتقول: "لقد عشت في طفولتي ومراهقتي جوًا اجتماعيًا أليفًا ومحفزًا، عبر المشاركة في الأنشطة والكشافة ونسج الصداقات والعلاقات المتنوعة، لكن كلما كبرت كانت المساحات العامة تتقلص في طرابلس، إلى أن اختفت كليًا، وصارت المدينة كقرية محافظة ينتهي النهار فيها مع غروب الشمس".

وفي نظرة نقدية، ترى نادين أن حبها الكبير لطرابلس، جعلها تكتشف مع الوقت فداحة الطبقية، والمسكوت عنها غالبًا، التي تحكم العلاقات في المدينة رغم كل الجوانب الإيجابية والمشرقة فيها.

كانت نادين ترغب بدراسة السينما والمسرح، لكن عائلتها اعترضت على خيارها، فتخصصت في جامعة بيروت العربية بقسم إدارة الأعمال. لاحقًا، عادت إلى طرابلس وعملت في إحدى المدارس الخاصة، ثم في الجامعة عينها في فرع طرابلس بقسم العلاقات العامة والإدارة.

وبعد اندلاع الحرب في سوريا سنة 2011، بدأت العمل مع المنظمات الدولية وغير الحكومية بين بيروت والشمال بفعل نشاطها في الجامعة بالقطاع الشبابي والبيئي، ما فتح لها آفاقاً كثيرة، عرفتها، على مشكلتنا العميقة مع النظام الحالي، وفق تعبيرها. كما عملت مع مؤسسات شبابية في العراق وفلسطين ولبنان حول مواضيع حرية المعتقد والدين والمناصرة والذاكرة. وبين 2014 و2017، عاشت في أنفة وكان لديها مرسمًا فيها.

تأسف نادين على الطاقات البشرية الهائلة التي تركت المدينة وهاجرت إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل. وتقول: "أنا لست مع الإلغاء، ولكن مع المحاولات الدائمة لتغيير الواقع مع الأشخاص والمجموعات المستقلة، حتى لو كانت النتائج غير مضمونة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها