الأحد 2023/06/18

آخر تحديث: 17:00 (بيروت)

مسيرة يوم العاملات المنزليّات العالميّ: عار "نظام الكفالة"

الأحد 2023/06/18
مسيرة يوم العاملات المنزليّات العالميّ: عار "نظام الكفالة"
استغلال هؤلاء النّسوة اللواتي تركن بيوتهن وأوطانهم سعيًا للعيش الكريم (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

قبل حوالى الإثني عشر عامًا، وتحديدًا في 16 حزيران 2011، تمّ توقيع اتفاقيّة "العمل اللائق للعمال المنزليين". وهي مُعاهدة دوليّة، فرضت على الدول الموقعة عليها الالتزام بتأمين الحمايّة للعاملات المنزليّات وتقدير عملهم داخل المنازل والاعتراف بهم. والمُعاهدة التّي اعتمدتها منظمة العمل الدوليّة غيرت جذريًا نظرة الشعوب في مختلف أنحاء العالم للعمل المنزلي، بوصفه كما سائر المهن والصناعات، مصدر رزق لملايين العمّال والعاملات من النسوة والفتيات على وجه التخصيص.

ومنذ ذلك التّاريخ لليوم تحتفل العاملات المنزليّات والمهاجرات، بيومهن العالمي، في غالبيّة الدول التّي تمكنت من تأمين بديهيات الحقوق لهن. لكن في لبنان يأتي هذا اليوم ثقيلاً على العاملات المنزليّات، بل وينبثق كذكرى مؤلمة لضحايا "نظام الكفالة" الذي يعتمده لبنان. هذا القانون الاستغلالي الذي يحتجزهن قسرًا في دوامة مفرغة من الانتهاكات التّعسفيّة لحقوقهن الإنسانيّة اللّصيقة، والتّي في أسوأ الأحوال، تتحول إلى شكل من أشكال العبودية الحديثة.

مسيرة مطلبيّة
الغوا نظام الكفالة أو Abolish kafala، بهذا الشعار المطلبيّ، عبّرت عشرات النسوة المُهاجرات ظهيرة اليوم الأحد 18 حزيران الجاري، عن رفضهن لنظام الكفالة وللروحيّة العنصريّة اللّبنانيّة التّي تبيح الانتهاكات الفظيعة بحقهن من دون مُحاسبة. وعلى وقع الموسيقى الشعبيّة، والهتافات المنددة والأهازيج الثوريّة، مشت عشرات النّسوة من شتّى الأعمار والجنسيات والمشارب -بعضهن ارتدى ملابسه التقليديّة الوطنيّة، فيما التزمت أخريات بارتداء السّترات التّي تحمل شعارات- على امتداد الطريق المؤديّة من محلة الطيونة (مسرح دوار الشمس) وصولاً إلى المتحف الوطني، تلبيةً لمسيرة اليوم العالميّ للعاملات المنزليّات التّي كان قد دعا لها كل من مركز العاملات المُهاجرات mcc وحركة مناهضة العنصريّة (حركة شعبيّة أنشأتها جهات شبابيّة ناشطة في لبنان بالتعاون مع عمّال وعاملات أجانب عام 2010).

واستهلت المسيرة ببيانات تلتها عاملات مشاركات باللغات الثلاث (العربيّة والانجليزيّة والفرنسيّة) على مكبرات الصوت، والتّي اشتملت على مطالبات بوقف الانتهاكات الممارسة بحقهن من جهة الرواتب المجحفة، والتّي يتنصل جزء لا يُستهان به من أرباب العمل من دفعها بالمرتبة الأولى، بحجة الأزمة الاقتصادية، ومن العنف النفسي والجسدي والجنسي الذي لا مبرّر له. وحملت المتظاهرات لافتات كُتب عليها ثلّة من مطالبهم والتّي تتدرج من مطلب إلغاء نظام الكفالة الاستغلالي، وإعداد قوانين تضمن حقوقهن كعاملات، وأخرى مندّدة بجرائم أرباب العمل التّي تعرضت لها عشرات النّسوة وفقدن حياتهن على إثرها في بعض الأحيان. داعيات لحفظ كرامتهن وإنصافهن بالعدالة.

وطالبن باحترام حقوقهن وخصوصيتهن كبشر ونسوة وعاملات يقمن بالخدمة المنزليّة، من دون أن تُقابل جهودهن بالاحترام والتّقدير اللائق. ناهيك بالمعاملة الفوقية والعنصرية التّي تجتاح يوميات العاملات بسبب لون البشرة والموقع الوظيفي والجنسيّة؛ وحرمانهن من الطبابة وأحيانًا حضانة أطفالهن، فضلاً عن الاحتجاز والترحيل القسري الذي يتعرضن له، إذا ما قررن ترك وظائفهن أو تغييرها من دون موافقة صاحب العمل. وانتهت التّظاهرة بوقفة مقتضبة أمام المتحف الوطنيّ، استغلتها العاملات لأخذ الصور وتبادل الأحاديث الوديّة بينهن وبين المشاركين من الحقوقيين والصحافة المحليّة والدوليّة. هذا فيما واكبت المسيرة نظرات المارين الفضوليّة والمتفرجة والمستنكرة أحيانًا.

نظام الكفالة
ويناهز عدد العاملات المنزليّات المهاجرات في لبنان تقريبًا 250 ألف عاملة (حسب تقديرات وزارة العمل اللّبنانيّة) وتنحدر غالبيتهن من آسيا وأفريقيا. وبالرغم من المطالب المُّتكررة لإنصافهن كعاملات وتوالي التّقارير الحقوقيّة والإنسانيّة التّي توثق الجرائم والانتهاكات والاستهتار الرسميّ بحقهن، لا يزال المُشرع اللبناني مُصرًّا على إبقاء المادة 7 من قانون العمل، التّي تستثني عاملات المنازل الأجنبيات، تحديدًا بالرغم من كون عملهن يُشكل قطاع عمل خدماتي بحدّ ذاته، ولا تنصفهن بأي حماية أو حقوق كالتي يحق للعمال والعاملات الآخرين الحصول عليها، أهمها الحدّ الأدنى للأجور، والحدّ الأقصى لساعات العمل، ويوم عطلة أسبوعية، وأجور العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات فضلاً عن حريتهن بترك العمل أو تغييره. فضلاً عن كون القضاء اللبناني لا يحمي هؤلاء عند حصول أي انتهاكات بحقهن من قبل أصحاب العمل ومكاتب استقدام العاملات.

والمشهديّة اليوم هي خير دليل على تخلف لبنان الرسميّ والقانونيّ والحقوقيّ في هذا المجال، بل وإمعانه في استغلال هؤلاء النّسوة اللواتي تركن بيوتهن وأوطانهم سعيًا للعيش الكريم، وبتقاعس السّلطات عن الإتيان بأي متغيرات في نصّ نظام الكفالة أو سنّ قوانين تسهم في وضع حدّ لمعاناة العمّال والعاملات المهاجرين، فإنه يثُبت أن تقاعسها المقصود هذا سببه يعود بالأساس لكوّنها مستفيدة من واقعهن هذا، لما يدر لها من أموال خارجية وبالفريش دولار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها