الإثنين 2023/05/22

آخر تحديث: 19:07 (بيروت)

كورنيش الميناء بلا تعديات.. والفقراء يفتشون عن سعادة مستعصية

الإثنين 2023/05/22
كورنيش الميناء بلا تعديات.. والفقراء يفتشون عن سعادة مستعصية
أزالت القوى الأمنية كامل التعديات (المدن)
increase حجم الخط decrease

بدت عطلة نهاية الأسبوع مختلفة عن سابقتها هذه المرة، على طول الكورنيش البحري في ميناء طرابلس، حيث اختفت مظاهر الازدحام الشديد والفوضى، بعدما أزالت القوى الأمنية كامل التعديات من إنشاءات ثابتة وعربات متنقلة ومئات الدراجات الهوائية وألعاب الملاهي.

تفاعلات الناس
يمسك رجل يد طفلته ظهر الأحد، وهي تلحّ عليه مطالبة باستئجار دراجة هوائية لركوبها، فيرد عليها بيأس: "بطل في بيسكلاتات، شالوهم". ويقول لـ"المدن": "كنت أحضر أطفالي كل أحد من منزلنا في القبة إلى كورنيش الميناء، في نزهة هي الأرخص رغم أنها تكلفني الكثير مقارنة بمدخولي بين أجرة تاكسي وبيسكلات وعرنوس ذرة وغزل البنات. جئنا اليوم لم نجد شيئًا".

وعلى أحد المقاعد العامة، يجلس رجل مسن مع شقيقته وزوجته، يتأملون البحر بصمت يبتلع كل حديث محتمل فيما بينهم. نسألهم عن رأيهم بالتنزه على الكورنيش بعد إزالة التعديات، فترد أم محمد: "منيح راحت العجقة، بس بطل في عربات قهوة رخيصة".

وقبالتهم، يركض ثلاثة أصدقاء، ويخبرنا أحدهم أنهم في الأشهر الأخيرة شعروا بيأس كبير من حجم التعديات وضخامتها على الكورنيش، التي أعاقت قدرتهم على ممارسة الرياضة والمشي في هذه المساحة العامة. ويقول أحدهم: "نزلنا اليوم إلى الكورنيش بعدما تأكدنا أن مفعول قرار إزالة التعديات ما زال مستمرًا. ونحن كمواطنين ومجتمع محلي لم نعترض يومًا على تواجد العربات المتجولة التي تجذب الناس من مختلف الطبقات وتجعل الكورنيش حيويًا، لكنه مؤخرًا تحول إلى مساحة يحتلها كاملة أصحاب التعديات الذين يحظون ربما بدعم سياسي وأمني".

قرار الإزالة
قبل أيام، نفذت مجموعة كبيرة من عناصر قوى الأمن الداخلي بمؤازرة عناصر شرطة بلدية الميناء، حملة هي الأوسع لإزالة التعديات والأكشاك والبسطات المخالفة على طول الكورنيش البحري، وذلك استجابة لنداءات المجتمع المدني والجمعيات البيئية والسياحية، وتنفيذًا لقرار صادر عن اجتماع عقد في دار البلدية برئاسة القائمة بأعمال البلدية القائمقام إيمان الرافعي.

ورغم الضغوط العديدة الهادفة لإسقاط هذا القرار، من قبل أصاحب المصالح على طول الكورنيش، إلا أن القرار جاء حاسمًا هذه المرة. وتفيد معطيات ميدانية لـ"المدن" أن عددًا قليلًا من الميسورين نسبيًا في طرابلس، سيطروا على مساحات شاسعة من الكورنيش، وهم يتوارون خلف عمال لبنانيين وسوريين للتذرع أن "الفقراء يسترزقون"، بينما قاموا بتشغيلهم في هذه المساحات، ويسددون إيجاراتها كالخوات.

وواقع الحال، لو تحركت القوى الأمنية منذ البداية، حسب المجتمع الأهلي، لما وصل حال الكورنيش إلى هذا المستوى من التشوه بعد الانتهاء من مشروع تأهيله، مقابل الحفاظ على قدرة أصحاب العربات المتحركة على التجول، للاسترزاق وتأمين قوتهم من جهة، ولتوفير خيارات مشروبات والحلويات وأنواع التسلية والترفيه بأسعار زهيدة لمختلف الأسر، من جهة أخرى.

وفي حديث مع "المدن"، تقول القائمة بأعمال بلدية الميناء إيمان الرافعي، أنه منذ استلامها البلدية بعد انحلالها قبل نحو عامين، كانت التعديات قائمة على الكورنيش، ثم توسعت تباعًا واستشرت لدرجة خرجت عن السيطرة.

وتوضح أنه كلما أعطوا تصريحًا لأحد، يجدون أن بعضهم وضع إنشاءات ثابتة، واحتكر المساحة على الكورنيش كأنها ملك له، ومنع أي "منافس" من الاقتراب منها، والعكس أيضًا. ومنذ فترة الأعياد، "تحول الكورنيش إلى ملاهي لإنشاءات ضخمة وإلى مقاهي طاولات خشبية ثابتة لتقديم النراجيل، رغم كل الانذارات والتبليغات لوقف هذا النوع من التعديات"، بحسب الرافعي. وتضيف: "وصلتنا شكاوى عديدة من المجتمع الأهلي والجمعيات الاجتماعية والبيئية، ونحن نحرص على الكورنيش بعد تأهيله لأنه واجهة المدينة السياحية، وهو مرشح ليكون أطول كورنيش في لبنان إذا جرى تنفيذ مشروع استكمال تأهيله".

مظاهر الأزمة
منذ اشتداد الانهيار الاقتصادي في لبنان، تنامت ظواهر جديدة في تعامل اللبنانيين مع الأزمة، بما في ذلك سلوكهم في الرفاهية. وعند العبور على كورنيش الميناء البحري شمالًا، بدءًا من النقطة المحاذية لقصر الرئيس نجيب ميقاتي، نزولًا عند آخر نقطة انتهى فيها مشروع تأهيل الكورنيش البحري، تحول إلى مساحة للاستثمار الفردي، متخطيًا فكرة الأكشاك التي سبق أن أزالتها البلدية. وتباعًا، صار يجذب أبناء الميناء وطرابلس، وخصوصًا أولئك العاطلين عن العمل لكسب قوتهم وجني الأرباح، ولو كلّف ذلك استشراء الفوضى، وهو ما سمح لبعض المحتكرين بالاستثمار بآلاف الدولارات عبر التعدي على الكورنيش.

وعلى طول مئات الأمتار، تنامى عمل مؤجري الدراجات الهوائية والسيارات الالكترونية، بائعي الألعاب، وعربات البوشار والذرة والبوظة والكعك والحلويات، وبائعي شاورما أيضًا، مع إنشاءات لألعاب ملاهٍ، ومئات الطاولات التي حولت الكورنيش إلى مقاهٍ ثابتة، وغيرها الكثير.

وفي المقابل، ارتفعت نداءات كثيرين طالبوا بتعزير التواجد الأمني على كورنيش الميناء، خصوصًا في ظل التعديات الحاصلة، وما رافقها من حوادث سرقات، خصوصًا في الليل بسبب غياب الإنارة، كما سبق أن تعرض سور الكورنيش إلى قصّ أمتار منه وسرقته.

تأهيل ناقص
في العام 2017، انطلق العمل بمشروع تأهيل كورنيش الميناء، ضمن برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP)، وبتمويل أوروبي كلّف ملايين الدولارات. وبعد أن جرى تأهيل نحو 1800 متر على مرحلتين، وجرى مؤخرًا تأهيل نحو 700 متر إضافية.  

ورغم أهمية هذا المشروع وفائدته لجهة تأهيل الكورنيش بعد عقود من الإهمال والخلافات حول سبل ذلك، يرى كثيرون أن خطة التأهيل افتقرت إلى رؤية واضحة تشمل البعد الاقتصادي والاجتماعي والمكاني وأثره.

لذا بدا الكورنيش مساحة حاضنة للفوضى، وانعكاسًا لبؤس جماعي يحفر يوميات آلاف اللبنانيين الباحثين عن سبل إسعاد أنفسهم وأبنائهم بأقل تكلفة ممكنة. وهو ما يدفع إلى ترقب الفصل الجديد من الفوضى على الكورنيش، طالما أن كل أسبابه ودوافعه، ما زالت قائمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها